رغم الرفض الإسرائيلي القاطع لها، تُعلق السلطة الفلسطينية آمالها الأخيرة على شماعة فرنسا “المترنحة”، لتحريك مياه العملية السلمية المجمدة منذ سنوات، قبل انتهاء العد التنازلي الذي وضعته لبدء جولة جديدة من المعركة الدولية مع الجانب الإسرائيلي في حلبتي “مجلس الأمن ومحكمة الجنايات”.
السلطة ورغم تحذير معظم الفصائل من النتائج المترتبة على التعاطي مع “المبادرة الفرنسية” المطروحة، إلا أنها أصرت على إعطاء فرنسا فرصة كافية لإنجاح جهودها وتحركاتها في المنطقة، بل ذهبت لأبعد من ذلك حين قررت رسميًا تجميد قرار التوجه لمجلس الأمن لتديم مشروع “ملف الاستيطان” للتصويت عليه.
الفرصة الأخيرة
صائب عريقات عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، برر موقف السلطة من تجميد تقديم “ملف الاستيطان” لمجلس الأمن، وسبب إعطاء فرنسا فرصة لتحركاتها في المنطقة، وأكد أن: “السلطة أرادت أن تظهر للعالم أجمع أنها مع السلام العادل، وستدعم كل جهد عربي ودولي من أجل تحريك المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي”.
وأوضح عريقات لمراسل “نون بوست” في غزة، أن: “السلطة فعليًا أجلت التوجه لمجلس الأمن لفترة من الوقت، وقررت إعطاء فرنسا الوقت الكافي لتحركها السياسي، وطرح المبادرة التي تسعى لتقديمها على الجانبين، وتسعى في أساسها لتحريك عملية السلام المجمدة منذ سنوات”.
عريقات كشف أن المبادرة الفرنسية خطوة إيجابية وهامة لاستعادة الحقوق الفلسطينية كاملةً والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتلزم إسرائيل كذلك بالشروط الدولية المتعلقة بعملية السلام المتمثلة بالاعتراف بالحقوق، ووقف كل عمليات الاستيطان على الأراضي المحتلة.
وعلاوة على ذلك أضاف أن العالم أجمع يقف بجانب السلطة في دعم المبادرة الفرنسية بما فيهم الدول العربية، وموقف حكومة الاحتلال الرافض للمبادرة، هو خطوة جديدة من قبل إسرائيل تؤكد أنها ضد تحريك العملية السلمية، وضد أي توجه دولي لدعم فلسطين وقضيتها العادلة.
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، اعتبر أن “المبادرة الفرنسية والتعامل معها قد يكون الفرصة الأخيرة، قبل بدء المعركة الدولية مع إسرائيل، في محكمة الجنايات ومجلس الأمن”، مضيفًا: “لن نبقى نعطي الفرصة لإسرائيل وستكون لنا كلمة قوية على المستوى الدولي قريبًا”.
مبادرة ميتة
القيادي في حركة حماس إسماعيل رضوان، وصف المبادرة الفرنسية بأنها “ميتة”، ولن تقدم أي شيء إيجابي لصالح فلسطين وحقوقها الوطنية.
رضوان، أكد في تصريح خاص لنون بوست في غزة أن: “استمرار رهان السلطة الفلسطينية على المبادرات الدولية، في تحريك العملية التفاوضية الفاشلة من جديد، والسعي للجلوس على طاولة واحدة مع الجانب الإسرائيلي، سيكون مضيعة للوقت يصب في مصلحة الاحتلال”.
وأوضح أن: “إسرائيل أعلنت رسميًا رفضها للمبادرة الفرنسية، وهذا القرار يُحتم على السلطة الشروع بخطوات عملية على الأرض لمواجهة الاحتلال على المستويين المحلي بدعم انتفاضة القدس المستمرة منذ شهور وإنجاز المصالحة الداخلية، وعلى المستوى الدولي بإعادة التوجه نحو مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية”.
القيادي في حركة حماس، لفت كذلك أن: “إسرائيل تخشى المحاكم الدولية، وتوجه السلطة لهذا الطريق سيكون خطوة هامة لوقف جرائمها بحق شبعنا ووضع حد لانحياز العالم للمحتل، على حساب الحقوق والثوابت الفلسطينية”.
يذكر أن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت، قام بجولة في المنطقة والتقى خلالها بالرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أكد على دعمه الكامل لجهود باريس، والتقى كذلك برئيس الحكومة الإسرائيلية بينيامين نتنياهو في مدينة القدس، الذي أكد معارضته للمبادرة، وقال لأيرولت: “السبيل الوحيد لإحراز تقدم من أجل سلام حقيقي بيننا وبين الفلسطينيين هو من خلال محادثات مباشرة وبدون شروط مسبقة”.
وربطت إسرائيل إمكانية قبولها بالمبادرة الفرنسية لإحياء عملية السلام مع الفلسطينيين، بتضمين المبادرة اعترافًا فلسطينيًا بيهودية إسرائيل، ما يعني دفن حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
الطرف الأضعف
بحسب مراقبين، فإن المبادرة الفرنسية خلت من أي شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات، وعدم فرض أي املاءات دولية على إسرائيل، وهو ما يشكل تلبية للموقف الإسرائيلي الذي يرفض وقف الاستيطان في القدس والضفة الغربية، وتحدثت بعبارات فضفاضة بما خص الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ففي حين تجاهلت بالكامل موضوع حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وكرست الاحتلال الإسرائيلي للقدس من خلال دعوتها إلى جعل المدينة المقدسة عاصمة للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية.
أستاذ العلوم السياسية عبد الستار قاسم اعتبر أن: “المبادرة الفرنسية لم تولد أصلًا واستمرار الرفض الإسرائيلي لها يعني أنها تموت وهي جنين، متساءلًا “ما قيمة المؤتمر إذا لم يحضره الطرف المعني؟” في إشارة لإسرائيل.
قاسم أضاف: “ليس أمام السلطة الفلسطينية سوى القبول بهذه المبادرة، لأنها طرف ضعيف أصلًا”، متابعًا “هذا السبب يدفعنا إلى أن نبحث عن الوسائل التي تجعلنا أكثر قوة”.
وأكد المحلل السياسي أن: “فرنسا أضعف من أن تفرض ضغوطًا على إسرائيل، وأن الولايات المتحدة لا تسمح لأي طرف بـأن يفرض حلولًا في هذه القضية، مضيفًا “حتى لو أنتجت المبادرة الفرنسية وضعًا يتناغم مع رغبة إسرائيل، فإن الولايات المتحدة لن تسمح لفرنسا بأن تلعب دورًا رئيسيًا في هذه القضية”.
وطرحت فرنسا قبل شهور مبادرة لتحريك عملية السلام المتوقفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ 2014 عبر عقد مؤتمر دولي للسلام يساعد في دفع العملية السياسية، وتقترح المبادرة خمسة بنود تتعلق بـ “مبادئ لحل الصراع على غرار تثبيت حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 مع تبادل أراضٍ بين الطرفين، وجعل القدس عاصمة مشتركة بين الدولتين، إلى جانب تحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال، وعقد مؤتمر دولي للسلام”.
وتستضيف باريس في خلال الأسابيع المقبلة اجتماعًا وزاريًا دوليًا حول النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني لتحريك المفاوضات المتوقفة منذ عامين، ولكن بغياب الطرفين المعنيين، وإذا تكلل هذا الاجتماع بالنجاح تستضيف عندها العاصمة الفرنسية مؤتمرًا دوليًا قبل نهاية العام يحضره هذه المرة الإسرائيليون والفلسطينيون.
وانهارت محادثات السلام التي تدعمها الولايات المتحدة بين الفلسطينيين وإسرائيل في أبريل 2014 بعد تسعة أشهر من انطلاقها وتبادل الطرفان الاتهامات بإفشالها.