تواصل قوات عملية “البنيان المرصوص”، التي تتبع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، تقدمها نحو تحرير آخر المعاقل التي يتواجد بها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بعد أن باتت منطقة سيطرته وسط سرت لا تتعدى بضعة كيلومترات.
كانت مصادر إعلامية قد أكدت اقتراب القوات من أهم معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في المدينة الساحلية (450 كيلومترًا شرق طرابلس) عند مشارف قاعات “واغادوغو” بوسط سرت، وذلك بعد أن سيطرت على حي السبعين في المدينة، وأحرزت تقدمًا ملحوظًا باتجاه محور منطقة الزعفران غربي المدينة والطريق الساحلي.
هذا التقدم لقوات البنيان المرصوص أجبر مقاتلي تنظيم الدولة في المدينة على التراجع إلى وسط المدينة بعد الهجوم الذي شنته القوات الحكومية من المحور الغربي، بعدما حاول التنظيم الانقضاض على ميناء سرت، ليتراجع معه مقاتلو التنظيم من غربي سرت إلى وسط المدينة.
تراجع التنظيم بحسب مصادر ميدانية بعدما حاول خلال الأيام الماضية فتح ثغرات في الحصار المضروب عليه من محور البحر في سرت، وقد رجح البعض هذه المحاولات التي فشلت بأنها ربما كانت لإخراج جرحى من مقاتليه أو بغرض استقدام إمدادات.
حيث حاول مقاتلو التنظيم فك الحصار من ناحية البحر ليندلع اشتباك قتل فيه أربعة من قوات حكومة الوفاق وعشرة من مقاتلي التنظيم، وفق بيان لقيادة عملية البنيان المرصوص.
التنظيم يستجلب الإمدادات القتالية
ورغم إحراز قوات البنيان المرصوص تقدمًا ميدانيًا مهمًا ضد تنظيم الدولة في سرت خلال الأسابيع القليلة الماضية، إلا أن الاستخبارات الأمريكية كشفت عن تقرير جديد يوضح أن تنظيم الدولة في ليبيا يستقطب يوميًا عشرات المقاتلين من مختلف الجنسيات.
ووفقًا لصحيفة “الخبر” الجزائرية فإن هذا التقرير الأمني سلمته الاستخبارات الأمريكية للدول المحيطة بليبيا ومنها الجزائر، وقد أكد التقرير وصول ما لا يقل عن ألف مقاتل من جنسيات متعددة إلى ليبيا في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2016، ويشير التقرير أيضًا إلى سهولة وصول المقاتلين إلى ليبيا، خاصة عبر حدودها البرية مع النيجر والسودان.
هذه الإمدادات التي يطلبها التنظيم نتيجة أنه بات محاصرًا من جميع الجهات داخل الأحياء السكنية في مساحة لا تتعدى 5 كيلومترات مربعة، والآن يخوض مقاتلو التنظيم حرب شوارع مع قوات البنيان المرصوص بعد أن تمكنت الأخيرة من استعادة السيطرة على غالبية المناطق في سرت ومحيطها والتي ظلت تحت سيطرة التنظيم طيلة عام.
إضافة إلى ذلك سيطرت القوات الحكومية على أكثر من 150 كيلومترًا على الطريق الرابط بين منطقة السدادة شرق مصراتة حتى تخوم سرت، بما فيها البلدات المنتشرة على جانبي الطريق كبلدة أبو قرين غربًا مرورًا بالوشكة والهيشة وزمزم وأبو نجيم جنوبًا، وحتى منطقة بويرات الحسون غرب سرت.
الخطوة القادمة
تتجه قيادة عملية البنيان المرصوص إلى الأحياء السكنية التي يتمترس فيها البقية الباقية من مقاتلي داعش، لكن هذه الأحياء تعرقل مهمة سلاح الجو الذي له أثر فعال في المعركة مع داعش منذ بدايتها، وذلك بسبب خشية القوات من استخدام المدنيين من سكان المدينة (تقدر السلطات الليبية أنه لا يزال فيها نحو 30 ألفًا من سكانها) دروعًا بشرية لحماية مقاتلي تنظيم الدولة من القصف، وهذه أحد أبرز الإشكاليات التي تمنع تقدم القوات البرية داخل هذه المناطق.
كما أن القيادات العسكرية الميدانية لقوات البنيان المرصوص ترى ضرورة التأني في اقتحام الأحياء السكنية التي يتحصن داخلها مقاتلو التنظيم خشية أن تخسر مزيدًا من قواتها، خاصة أن التنظيم يعتمد في مقاومته أثناء الحصار على زرع الألغام في المناطق التي ينسحب منها، وعلى العمليات الانتحارية بسيارات ملغمة وأحزمة ناسفة.
وعليه سيستمر استهداف مواقع التنظيم عن بعد بالقصف المدفعي والغارات الجوية الدقيقة، بغرض الإنهاك قبل أن تصطدم القوات به وجهًا لوجه على الأرض، وهو ما سيؤجل مسألة حسم المعركة.
فيما تحاول قيادة القوات أيضًا تخطي العقبات التي تواجههم في هذه المعركة الصعبة أمام داعش في سرت، حيث تواجه عملية البنيان المرصوص إشكالية التسليح، إذ تحاول القوات تحديث ترسانة أسلحتها أمام داعش في هذه الفترة لسرعة حسم المعركة، لكنها تواجه قرارًا أمميًا يحظر على ليبيا استيراد الأسلحة.
تحديات سياسية
كما تواجه أيضًا حكومة الوفاق الوطني في ليبيا المدعومة من المجتمع الدولي تحديات كبيرة على هامش معركة سرت مع تنظيم الدولة، وهو ما يؤثر سلبًا بالطبع على مجريات المعركة، حيث تحاول الحكومة منذ 3 أشهر تقريبًا بسط نفوذها على الأراضي الليبية، خاصة على شرق البلاد الذي تتحكم فيه حكومة موازية لا تعترف بشرعية حكومة الوفاق.
وكانت حكومة الوفاق قد أقالت مؤخرًا 4 وزراء رفضوا تولي مهام مناصبهم، وهم وزير العدل جمعة عبد الله الدرسي، ووزير الاقتصاد والصناعة عبد المطلوب أحمد أبو فروة، ووزير المالية فاخر مفتاح أبو فرنة، ووزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية عبد الجواد فرج.
وأوضحت حكومة الوفاق في بيان رسمي أنه تسري بشأن الوزراء الأربعة أحكام الاستقالة الاعتبارية لاستمرار امتناعهم عن تولي مهامهم لمدة زادت عن الثلاثين يومًا، وهو اضطراب سياسي جديد في صفوف الحكومة التي تحاول لم الشمل الليبي تجاه المعركة مع داعش.
جدير بالذكر أن هذه الحكومة برئاسة فايز السراج تحظى بدعم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بعد أن نتجت عن توقيع أطراف سياسية ليبية اتفاق في مدينة الصخيرات المغربية في ديسمبر من العام الماضي، نص على قيادة حكومة الوفاق الوطني مرحلة انتقالية تمتد عامين وتنتهي بانتخابات تشريعية.
وقامت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني قبل أكثر من شهر بإطلاق العملية العسكرية الحالية الرامية لاستعادة مدينة سرت من قبضة تنظيم الدولة، وسيطرت عملية البنيان المرصوص في بدايتها على قاعدتين عسكريتين ومحطة إنتاج الكهرباء ثم على ميناء مدينة سرت، بيد أن المقاومة عنيفة حتى الآن من قبل تنظيم الدولة.