ما الجمال؟ ومن يمتلكه؟ هل سألتِ نفسكِ هذا السؤال من قبل؟ أو دعيني أسألك السؤال بطريقة أخرى، هل تم وصفك من قبل بالـ “الغريبة”، لتبدأ معك رحلة من الأسئلة التي لا تنتهي، هل أنا غريبة بالفعل؟ وغريبة على ماذا؟ وبالنسبة لمن؟ وما الأصل لكي أكون غريبة عليه، وهذا يعود بنا إلى السؤال الأول، ما الجمال، ومن يمتلكه؟ أو من يضع مقاييسه ومعاييره بالأحرى؟
في تدوينة لسمية توبة، أمريكية من أصل مصري، بعنوان “أنتِ وأنا ومعايير الجمال الاستعمارية”، عبرت فيها عما تعانيه الفتاة سمراء البشرة من مشاكل عنصرية داخل المجتمع الأبيض، تقول فيها بأن الأمر لم يبدأ فحسب عندما انخرطت في المجتمع وبدأت أتواصل مع من حولي من الناس المختلفين عني، أولئك من تربوا على أن اللون الأبيض والشعر الأشعر والعيون الملونة هي تعبير آخر لمقاييس الجمال “العالمية”، بل بدأ عندما كانت في عمر السابعة، عندما رفض والديها شراء دمية “باربي” لها، والتي يتمتع أغلبها بعيون شديدة الزرقة وشعر أشقر، وجسد نحيف للغاية، فاختارت سمية دمية باربي في شكل طبيبة الأسنان بديلًا عن الدمية الأخرى، قالت بأنه أعجبها أنها جاءت مع مجموعة من أدوات طبيب الأسنان وهي ترتدي معطف الأطباء الأبيض.
ولكن شرح والديها لها سبب رفضهما لشراء تلك الدمية قائلين بأنها لن تصبح مثل تلك الدمية أبدًا عندما تكبر، لن يكون لها شعر أشقر ولا عيون زرقاء، ولن يكون خصرها شديد النحافة كما هو في تلك الدمية، ولن تصبح مفاتن جسدها شديدة الكمال هكذا، ليخبرها والداها في النهاية بأنها يجب أن تحب نفسها كما خلقها الله، وأنها جميلة على الطريقة التي هي عليها الآن، فلا يجب عليها أن تغيّرها لتصبح دمية كتلك الدمى.
لا عجب من موقف والدي سمية، فهم بالطبع لم يحبوا أن تتحول ابنتهم في يوم من الأيام إلى مجرد دمية، تقوم بتطويع جسدها ليلائم مواصفات الجمال العالمية، نعم، أصبح للجمال مواصفات عالمية والبعض يحب أن يصفها بالغربية، ولا يجد حرجًا في وصفها بذلك ولا يشعر بكونه عنصريًا البتة، إذ إنه بالفعل أصبح للجمال معايير عالمية تحاول أن تطبقها معظم الفتيات، وهذا ليس تعميمًا، إلا أنه إذا قمت بتجربة بسيطة من مراقبة وتحليل صور “السليفي” بعد أن اعتمدها قاموس أكسفورد ككلمة جديدة تضاف إلى معجم كلمات الإنجليزية، ستجد السليفي في دول مختلفة وفي ثقافات مختلفة يكاد يكون متشابهًا.
ومما يؤكد ذلك تجربة بحثية لتحليل صور السيلفي لمراهقات العصر الحديث في الولايات المتحدة والصين، في محاولة لكشف كون مقاييس الجمال عالمية في عصر التكنولوجيا أم لا، وهو بالفعل ما تم إثباته، على الرغم من كون الصين والولايات المتحدة إحداهما في أقصى الغرب والأخرى في أقصى الشرق إلا أن صور الفتيات باتت متشابهة إلى حد كبير، لتخرج التجربة بالنتائج التالية، وهي أن الفتيات يرغبن في أن يكون وجههن نحيفًا وشديد البياض لدرجة الشحوب، مع عيون كبيرة، ووجه بريء، وهذا ما يرونه مقياسًا لكونها جميلة وجذابة.
الصورة من موقع إنستجرام، وهي إحدى الصور التي تم استخدامها في التجربة
هل من الممكن أن تتذكر كل واحدة منا كم فتاة تعرفها من بين صديقاتها قد عانت في حياتها من اضطراب مرضي في تناول الطعام، وذلك من أجل هوس النحافة، بالطبع يمكنك عدهن على أصابع يديكِ الاثنتين، وهذا كله من أجل الوصول إلى الجسد المثالي، الذي فرضته مقاييس الجمال على المجتمعات المختلفة، والذي وصل إلى كونه موضة تتبعها الفتيات على الرغم من اختلاف البلاد والثقافات، فيمكنك أن تجد الأمر تنافسيًا على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل جنوني، فابتكرت فتيات الصين على مواقع التواصل الاجتماعي طريقة لإظهار نحافة جسدهن بأن يمسكن ورقة A4 ويقفن خلفها فلا يظهر خصرهن من خلفها، أو أن تلف الفتاة ذراعها خلف ظهرها لتلمس منتصف بطنها، وذلك في صور انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي زادت من تحطيم ثقة الفتيات الأخريات بأجسادهن، ومحاولتهن الوصول إلى ما يتوقعونه “الكمال الجسدي” كما يرونه في غيرهن، حتى ولو كانت تلك المحاولة ستنتهي بأمراض واضطراب مزمن في تناول الطعام، وهو ما جعل عددهن يصل إلى 20 مليون حالة من الفتيات التي يعانين من اضطراب حاد في تناول الطعام في الولايات المتحدة فقط.
تم وصف مقاييس الجمال العالمية السابقة بكونها “استعمارية” في المدونة السابقة، حيث تستعمر عقول المجتمعات المختلفة، وتجعلهم يميلون إلى تطبيقها على أنفسهم أو على أولادهم بدون وعي منهم، فقط ليجعلوا من أولادهم دُمى تلائم الركب العالمي وأنهم سيكونوا مقبولين شكليًا ممن حولهم، وهذا ما تشاهده عندما تأمر الأمهات بناتهن بأن يبتعدن عن الشمس طوال الوقت حتى لا تتلون بشرتهن بالسواد، أو عندما تحظى الفتيات الجميلات البيضاء بانتباه وحب الجميع في المدرسة، وعندما ترى الأمهات يتمنين أن يُرزقن بفتيات لهن شعر ناعم وبشرة بيضاء قبل الولادة، ولا تسمع أنهم يتمنون فتيات بعقول ذكية أو بقلوب صافية.
تحظى كل من لم تلائم مقاييس الجمال العالمي بمكانة أيضًا، ولكنها دومًا ما توصف بالغريبة، سواء كان لها شعر إفريقي مجعد أو بشرة سمراء هندية، أو جسد ممتلئ، حتى وإن كان ما سبق هو جميل في نظر البعض، إلا أنه يظل في نظر تابعي مقاييس الجمال العالمية أو “الاستعمارية” بأنه جميل ولكن يظل غريب، على الرغم من أنه لا يحق لأي بشر أن يصف أنثى بالغريبة، لمجرد أنها لا تمتلك أي من المقاييس العالمية السابقة، فالجمال أمر نسبي، أما الكمال، فلا أعتقد أنه قابل للاستنساخ هكذا بسهولة على شاشات إلكترونية يمكن متابعتها ورؤيتها من قبل كل شخص وأي شخص.