لا جديد في حديث وزير الخارجية السعودي السيد عادل الجبير حول الوضع السوري، وهو الحديث القديم المتجدد عن أمنيات المملكة العربية السعودية بإقصاء بشار الأسد من منصبه سلمًا أو حربًا، وهو ما يؤكد بعد الرؤية التوافقية لإرساء السلام في سوريا.
وقال عادل الجبير في مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي في باريس، جان مارك إيرولت، يوم الثلاثاء 28 يونيو 2016: إنه “لا تغيير في موقف المملكة بشأن سوريا، والأسد يجب أن يرحل حرباً أو سلماً”، وفي نفس الوقت تحدث عن استمرارية مبادرة السلام العربية (بشأن إسرائيل).
وحديث وزير الخارجية السعودي عن رحيل الأسد سلمًا أو حربًا، تبدو لهجته هذه المرة أقل ضراوة من ذي قبل، فسابقًا كان يرافق تهديداته حديث حول استعداد سعودي ودول إقليمية للتدخل العسكري المباشر لمحاربة الإرهاب في سوريا ودعم المعارضة المعتدلة، لكنها اختفت هذه المرة، وإن كان الحديث مستمر فهو يأتي في سياق التأكيد وعزة النفس التي تسعى المملكة العربية السعودية للاحتفاظ به.
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير
فهل المملكة العربية السعودية قادرة على إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية السورية، أم أن تلك التصريحات تأتي من باب الحرب النفسية على رئيس النظام السوري، لا سيما وأن الحل العسكري لرحيله يتعقد يومًا بعد آخر؟
فالمعارضة السورية المعتدلة التي تراهن المملكة العربية السعودية عليها في تغيير موازين القوى على الأرض ومن خلالها يمكن الضغط على الأسد من أجل حزم حقائبه، تواجه في الوقت الراهن حربًا وجودية، فهي تقاتل في الريف السوري على جبهات ثلاث، ضد النظام المدعوم روسيًا وقوات حماية الشعب الكردية وتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وهو ما يزعزع قوتها ويهدد تواجدها في الأماكن التي تسيطر عليها، في الأثناء بدأت روسيا بإجراء اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع عدد من الفصائل العسكرية الموجودة هناك، بالإضافة إلى تواصلها مع هيئات إغاثية وخدمية، وتهدف روسيا من اتصالاتها الجارية تحقيق تقدم في المشهد العسكري لصالحها وصالح نظام الأسد، وذلك عبر إغراء فصائل معارضة في الدخول بهدن، توفر لهم الحماية من القصف، وتؤمن لسكان المناطق التي تتواجد فيها الفصائل ما يطلبونه من احتياجات.
روسيا تأمل من اتصالاتها مع الفصائل بتحويلها من طرف معارض للنظام إلى طرف رمادي على الأقل لا يهاجم قوات النظام، ويقبل بشروط المصالحة شريطة تحسين وضع الجانب الإغاثي من قبل الطرف الروسي، وهو ما قد يظهر للعالم أن روسيا تقود مع النظام السوري حربًا ضد الإرهاب.
خطورة الاتصالات الروسية مع مقاتلي المعارضة في الداخل السوري، تأتي لكون موسكو اقترحت على الفصائل التي ستقبل بالمصالحة أن تقدم لها دعمًا عسكريًا تحت مسمى “مكافحة الإرهاب” (الفصائل الإسلامية والأخرى التي سترفض العرض الروسي)، وهو ما يؤجد اختراق الروس للمعارضة في ظل تراجع المملكة العربية السعودية التي قد تفقد المعارضة نتيجة لتمسكها بالحل العسكري (سواء بخسارة المعارضة عسكريًا أو سياسيًا).
وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت
لكن المفاجأة في المؤتمر الصحفي، هو ما قاله وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت، عن اجتماع للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وتشارك فيه فرنسا والسعودية ضد تنظيم الدولة، هذا الشهر، فهو تجاهل الحديث عن رحيل الأسد، وقال إن الحل السياسي هو الوحيد الممكن لأزمتي سوريا واليمن، وقال: “لا يوجد أي حل في سوريا باستثناء الحل السياسي”، لكنه طالب روسيا بالضغط على الأسد لتسهيل الحل السياسي.
ويبدو أن الغرب تراجع عن فكرة رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد، وهو ما يتجلى من خلال موقف تركيا الأخير بإعلانها تطبيع علاقتها مع الكيان الإسرائيلي، واعتذار اردوغان للشعب الروسي، واستعداده لبحث مسألة ما أسموها الإرهاب في سوريا، وهو ما يعني تراجع في الموقف التركي في الحرب السورية.
وزير الخارجية الروسي لافروف ونظيره التركي أوغلو
وفي أول لقاء بين وزيري خارجية تركيا وروسيا، يوم الجمعة 1 يوليو 2016، عقب القطيعة الدبلوماسية بسبب إسقاط تركيا المقاتلة الروسية (سو 24)، أعرب سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية، عن أمله بأن يمهد اللقاء الطريق الصحيح لاتخاذ تدابير عملية لتطبيع العلاقات بين البلدين، وقال: “الآن، هناك فرصة جيدة لمناقشة الأمور التي تستدعي ذلك”.
وقال: “على وجه العموم لا يوجد اختلافات بين روسيا وتركيا فيما يخص من هو إرهابي في سوريا، وهما مهتمتان بفصل المعارضة عن الإرهابيين في سوريا”، بالرغم أن هناك اختلافا واضحًا بين البلدين حول تصنيف سوريا للفصائل المعارضة، وهو ما كانت تعارض عنه أنقرة دائمًا الهجمات الجوية الروسية ضد المعارضة.
حديث لافروف يؤكد أيضًا تغير في الموقف التركي تجاه الشأن السوري، وهو ما قد يتضح خلال الفترة القادمة، وإن كانت ستعود على استحياء العلاقات بين أردوغان والأسد، من باب المصالح المشتركة المتمثلة في عدم السماح لإقامة دولة كردية في الحدود المشتركة بينهما. وخطوة اردوغان لم تأت من باب القدر، وإنما بعد دراسات متتالية والنظر بعمق إلى الموقف الدولي نحو سوريا، فهو يرى مصالح دولته أولًا.
الموقف الثاني، وهو من يعزز استحالة تحقيق تصريح السيد عادل الجبير حول إزاحة الأسد من منصبه عسكريًا، هو حديث رئيس النظام السوري لقناة (إس.بي.إس) الاسترالية، بتغيير موقف الغرب تجاهه، ويتعامل معه سريًا من خلال إرسال بعض الدول التي لم يسميها، مسؤولين أمنيين لمساعدة حكومته سرًا في محاربة المتشددين المشاركين في الحروب والمعارك الدائرة في البلاد.
وعودة إلى المؤتمر الصحفي بين وزيرا خارجية المملكة العربية السعودية، ونظيره الفرنسي، فإنه من الواضح أن هناك تباين في وجهات النظر بين الطرفين، وموقف متذبذب بين الغرب والمملكة العربية السعودية.
فالسعودية وعلى لسان وزير خارجيتها السيد عادل الجبير ترى أن الحل في سوريا رحيل اﻻسد سلمًا أو حربا (رغم تعقيد الشرط الأخير)، وفرنسا وعلى لسان وزير خارجيتها جان مارك إيرولت، ومعها دول غربية عدة باتت على اقتناع بان الحل سلميًا ورحيل اﻻسد ليس ضرورة، ولهذا يمكن القول بأنه “التقت الاهداف واختلفت الوسائل”.
أما بالنسبة لليمن بات صوت الحل السلمي مرتفعًا حتى عند السعوديين وان كان في الميدان شئ آخر والحقيقة ان الحل السلمي هو المخرج لكلا الازمتين ( سوريا واليمن).