نقل مراسل صحيفة “الأخبار” اللبنانية في اسطنبول عما أساه “مصدر إخواني موجود في جدة”، قوله: “عملياً، تريد السعودية أن تستمع إلى القرضاوي والغنوشي لتستفهم منهما عن مدى قدرتهما على إقناع الأطراف المتصارعة داخل التنظيم بقبول التوجهات السعودية التي تريد لملمة الصراع”. وأوضح أن “القيادة السعودية تجس نبض قادة الإخوان التاريخيين لمعرفة مدى قدرتهم على التحكم في التنظيم حال الانتهاء من المصالحة مع النظام في مصر، ومدى قدرة جناح الأمين العام للإخوان، محمود حسين، على السيطرة على انفعالات الشباب حال الموافقة على التصالح مع السيسي”.
وأشار المصدر إلى أن “مقترحات الرياض، وتتلخص في الإفراج عن المعتقلين وإخراج محمد مرسي إلى دولة عربية وانسحاب الإخوان من المشهد السياسي بشكل نسبي حتى هدوء الأمور، كفيلة بإنهاء حالة الصراع الصفري الدائر مع النظام، لكن شق محمود حسين رفض العرض”.
ويقول كاتب التقرير إن السعودية ليست وحدها في مسعاها، “بل تدعمها دول غربية، وتأتي على رأسها بريطانيا، وذلك بهدف وضع حد للصراع الدائر مع نظام السيسي وإنهاء الخلاف الإخواني الداخلي ومنع القيادات الشبابية من السيطرة على التنظيم، لما لذلك من خطورة تراها بريطانيا على مستقبل التنظيم في المنطقة، وتخوفها من انحرافه إلى انتهاج العنف وتكريسه في مواجهة الدولة. وهو ما جعل مثلاً أعضاءً في البرلمان البريطاني يستقبلون في خلال الشهر الماضي وجوهاً إخوانية للاستماع إليها ولتأكيد ضرورة الحل السلمي”.
وتزامنا مع، كما يرى الكاتب، يواصل محمود عزت مساعيه لحسم نتائج الانتخابات الداخلية لمصلحة جناحه، وقد قام، وفقا لما أورده تقرير الصحيفة، بإرسال شخصيات موالية له إلى المكاتب الإدارية في المحافظات المصرية المختلفة “للتشديد على ضرورة تماسك الجماعة والعمل على وأد الخلاف الحالي والتمسك بالقيادة التاريخية”.
ومثل هذه الأخبار قد تكون مجرد انطباعات وتكهنات، وهذا الملف حساس وساخن، لكن ثمة محاولات لإنهاء الصراع السياسي في مصر، وكلها تعثرت، تقريبا، حتى الآن، ويراهن من يدفع في هذا الاتجاه على غلبة جناح الحرس القديم، ويميل نحو رفض التصعيد الثوري والردع واعتماد طرق تقليدية في المعارضة وامتصاص الخط الثوري داخل الجماعة ومنع سيطرته على مراكز القرار، وهم مدفوعون بقدر من الوصاية الأبوية على الجماعة، ويحتكرون ملف العلاقة مع النظام الانقلابي، لذا تتطلع الأنظار إليهم في أي حديث عن إنهاء الصراع السياسي.
لكن ثمة إجماع إقليمي ودولي تقريبا على تجاوز جدلية الشرعية، ولم تعرض أي تسوية سياسية مسألة عودتهم للحكم، فهذا أمر محسوم بإرادة دولية وإقليمية ولا تنازل عنه، وكل الحديث عن “تهدئة” و”لملمة” الصراع وإجراءات تخفف الاحتقان ومنع التصعيد والاستعداد لمرحلة قادمة لا تتحمل أي استنزاف للنظام المصري.
وهنا، تبرز شخصية الغنوشي المرنة الميالة نحو تجاوز الانقسام وتقديم تنازلات سياسية منعا لمزيد تصدع وانهيار، وربما يراهن عليه المعنيون في محاولة الضغط على قيادة الإخوان باتجاه إنهاء الصراع في مصر. وتجربته في تونس تغري بالانجذاب إليه والاستعانة به في التعامل مع المعضلة السياسية في مصر.
ولكن يبقى مدى تأثير الغنوشي في الخيارات السياسية للجماعة محلَ نظر، فتنازلاته غير مرحب بها كثيرا، وما يعرضه انطلاقا من التجربة التونسية لا يمكن تعميمه واستنساخه، فليس في تونس أي تأثير للعسكر في العملية السياسية، بخلاف مصر التي يدير فيها الجيش بأجهزته كل شؤون الحكم.
وثمة إشكالية أخرى، وفقا لمطلعين، تضعف من المراهنة على خط الحرس القديم، وهي ضعف تأثيرهم في جمهور الشباب الإخواني داخل مصر، فأكثرهم يرون فيها مخذلا ومتسلطا ووصيا على قرار الجماعة، ولا يقرون بأهليتها القيادية ولا بشرعيتها الانتخابية، وهذا ما يعقد من مهمة الأطراف الضاغطة باتجاه “إنهاء” الصراع السياسي في مصر.
نُشر هذا المقال لأول مرة عبر خدمة العصر