عيد الفطر المبارك، أحد أبرز مظاهر الفرحة والبهجة في حياة المسلمين في شتى بقاع العالم، حيث يأتي تتويجًا لصيام شهر رمضان المعظم، فقد أباح الله تعالى للمسلمين الفرح والاحتفال والسرور، ولم يبخسهم حقهم في أن يتنزهوا ويفرحوا ويلعبوا، ويتبادلوا سويًا أرق التهاني والتبريكات، ويأخذوا من الدنيا نصيبهم الذي شرعه الله لهم، وذلك خلال العيدين اللذين جعلهما الله للمسلمين في العام، عيد الفطر وعيد الأضحى، لتكتسي الدنيا فرحًا بمشاعر المسلمين الراقية السامية، بعيدًا عن الابتذال والسفور، وفق منهج رباني قويم.
وبالرغم من أن فرحة العيد واحدة بين المسلمين أينما كان حلهم وترحالهم، إلا أن طقوس الاحتفال به تختلف من دولة لأخرى، ومن مكان لآخر، وهو ما سيتم استعراضه في هذه الإطلالة السريعة التي نجوب فيها بلدان العالم المختلفة لمعرفة أبرز طقوس الاحتفال بالعيد هنالك.
السعودية: استراحة العائلة
تبدأ مظاهر العيد في المملكة العربية السعودية قبل العيد نفسه، حيث تتوافد الأسرة على الأسواق لشراء حاجاتها من ألبسة وأطعمة وغيرها، فضلًا عن الاهتمام بإعداد أنواع معينة من الأطعمة والحلويات في بعض المناطق، مثل “الكليجة” والمعمول، ومع أول ساعة من صباح العيد، يتجمع الناس لأداء الصلاة في أحيائهم الخاصة، ثم تبدأ مظاهر تهنئة السعوديين بعضهم البعض في المسجد أو الساحات وتقديم التهاني الخاصة مثل (كل عام وأنتم بخير) و(عساكم من عواده) و(تقبل الله طاعتكم) وغيرها، ثم يذهب الناس إلى منازلهم، استعدادًا للزيارات العائلية واستقبال الضيوف من الأهل والأقارب.
وتنتشر عادة في الكثير من الأسر السعودية، الاجتماعات الخاصة في الاستراحات، التي تقع في المدينة أو في أطرافها، حيث يتم استئجار “استراحة” يتجمع فيها أعضاء الأسرة الواحدة الكبيرة، والتي تضم الجد والأولاد والأحفاد، حيث تقام الذبائح والولائم، يتبعها اللعب من قبل الصغار والكبار، وتعقد الجلسات العائلية الموسعة.
مصر: زحام الحدائق والمتنزهات
وفي مصر، فحدث عن العيد ولا حرج، حيث تتزين الأحياء الشعبية بمظاهر العيد، وتكتسي فرحة لا مثيل لها في البلدان، وتبدأ مظاهر العيد في أرض الكنانة نهاية شهر رمضان، حيث الأطفال محملين بملابسهم الجديدة مع والديهم في الأسواق والمجمعات، فضلاً عن الازدحام على جميع المخابز، استعدادًا لعمل كعك العيد، الذي يعد سمة أساسية من سمات العيد في مصر، وتتفنن النساء في عمله، مع الفطائر الأخرى والمعجنات والحلويات، التي تقدم للضيوف.
وفي الساعات الأولى من أول أيام عيد الفطر، تضج الشوارع والميادين بالتكبيرات والتواشيح الدينية، حيث يؤدي الناس صلاة العيد في الساحات الكبرى والمساجد العريقة في القاهرة، وعقب صلاة العيد يتم تبادل التهاني بقدوم العيد المبارك، وتبدأ الزيارات ما بين الأهل والأقارب، وتكون فرحة الأطفال كبيرة وهم يتسلمون “العيدية” (نقود يعطيها الكبار للصغار في العيد)، فينطلقون بملابسهم الجميلة، متوجهين إلى الحدائق العامة والمتنزهات حيث الألعاب والملاهي المتنوعة.
وتتميز أيام العيد لدى المصريين، بأنها أيام بهجة واحتفالات، حيث يتم التزاور بين الأقارب والجيران، وتبادل الحلوى والمأكولات الشهية، التي غالبًا ما تكون مصنوعة في البيوت، وأشهرها الكعك والبسكويت، الذي يصنع بتفنن لهذه المناسبة السنوية السعيدة.
السودان: وكرم الضيافة
أما في السودان، ففي منتصف شهر رمضان المبارك، ينتفض البيت السوداني على قدم وساق، استعدادًا لهذه المناسبة العظيمة، حيث تعد أصناف الحلوى وألوان الكعك والخبز، مثل الغريبة والبيتي فور والسابليه والسويسرول، بكميات وافرة تكفي لإكرام الزائرين، الذين يتوافدون بعد صلاة العيد، والتي تؤدى في الساحات قرب المساجد، يشهدها الجميع، ويتبادلون التهاني، ويتجاوزون عمّا سلف وما كان في السابق، ثم يتوافد رجال الحي في كثير من القرى إلى منزل أحد الكبار، أو أي مكان متفق عليه، كل يحمل إفطاره، ثم يخرجون جماعات لزيارة المرضى وكبار السن، وكذلك تفعل النساء والأطفال، حيث يقضون نهار اليوم الأول في الزيارات والتهاني للجيران، قبل أن ينطلق الجميع بعد الغداء وصلاة العصر، لزيارة الأهل والأقارب والأصحاب في الأحياء الأخرى، وتستمر الزيارات طوال الأيام الأولى من شوال، حيث تنظم الرحلات العائلية والشبابية، ويقضي الجميع أوقات جميلة مع بعضهم البعض، على ضفاف نهر النيل.
ويحرص كثير من السودانيين المقيمين في المدن، على قضاء عطلة العيد في قراهم ومراتع صباهم، بين أهلهم وأحبابهم، كذلك مما يميز العيد في السودان، “العيدية” للصغار، الذين يشترون بها ما يشاءون من ألعاب وحلويات.
فلسطين: أغاني على آهات الجراح
بالرغم مما تمر به فلسطين من آلام وجراح ليل نهار، إلا أن أهل فلسطين يؤدون صلاة العيد في المسجد الأقصى الشريف تحت الحصار، وتستعد النسوة بعمل الحلويات الشعبية مثل المعمول، وحلي سنونك، واليحميك، وسحلب كينور، وهو نبات يغلى ويحلى، ويضاف إليه الزنجبيل، ويقدم ساخنًا للضيوف.
ومما تقدمه العوائل في فلسطين المحتلة البرازق والنقوع، وهي بذور لها رائحتها الزكية، والقضاعة (الحمص المطحون والممزوج بالملح)، ويقدمون أيضًا المدلوقة وتصنع بطريقة عمل الكنافة نفسها، ولكنها تؤكل نيئة من غير وضعها في النار، وهناك أغانٍ يؤديها الأطفال في اليوم الأخير من شهر رمضان، وأغانٍ أخرى تغنى أيام عيد الفطر السعيد، ومن الأغاني التي تغنى في العيد أغنية قديمة جدًا، مصدرها شمال فلسطين، يعتمد الأطفال فيها على اللحن والقافية.
اليمن: وحرق الحطب
أما مظاهر العيد في اليمن، فتبدأ مع العشر الأواخر من رمضان الكريم، حيث ينشغل الصغار والكبار بجمع الحطب، ووضعه على هيئة أكوام عالية، ليتم حرقها ليلة العيد تعبيرًا عن فرحتهم بقدوم عيد الفطر، وتجد أهل القرى في اليمن ينحرون الذبائح، ويوزعون لحومها على الجيران والأصدقاء، والجلوس في مجالس طيلة أيام العيد، لتبادل الحكايات المختلفة.
أما في المدن فيذهبون لتبادل الزيارات العائلية عقب صلاة العيد، وتقدم للأولاد العيدية، ومن أشهر الأكلات اليمنية التي لا يكاد يخلو بيت منها في العيد، “السَّلتة”، وتتألف من الحلبة المدقوقة وقطع البطاطا المطبوخة مع قليل من اللحم والأرز والبيض، كذلك “بنت الصّحن أو السّباية”، وهي عبارة عن رقائق من الفطير متماسكة مع بعضها البعض، ومخلوطة بالبيض والدهن البلدي والعسل الطبيعي، وتختلف عادات العيد في اليمن بين المدن والقرى، حيث تأخذ هذه العادات في القرى طابعًا اجتماعيًا أكبر، عبر التجمع في إحدى الساحات العامة، وإقامة الرقصات الشعبية والدبكات، فرحًا بقدوم العيد.
الإمارات: والأجواء العائلية المميزة
أما في الإمارات، فإن ربة البيت في القرى تبدأ بإعداد المنزل وتنظيفه وترتيبه، وتوضع الحناء على أيدي البنات والنساء أيضًا، ويتم تجهيز الملابس الجديدة للأطفال، إضافة لإعداد أنواع متعددة من الطعام منها اللقيمات والبلاليط وغيرها، ثم بعض الحلويات، كما توضع كميات من الفواكه، في المجالس لاستقبال الضيوف، وطبعًا في مقدمة ذلك كله، التمر والقهوة والشاي.
وفي القرى يبدأ العيد بالصلاة في الأماكن المفتوحة، وغالبًا ما يكون الرجال في كامل زينتهم من ملابس جديدة، وقد يكون هنالك إطلاق نار ورقصات شعبية، كذلك في المدن، حيث ينطلق الإماراتيون بعد الصلاة لتهنئة الأهل والأقارب بالعيد، وعقب صلاة الظهر، ينطلق الأطفال والأسر بشكل عام نحو الحدائق والمنتزهات، للابتهاج بهذا اليوم، وتكون عبارة التهنئة المعتادة “مبروك عليكم العيد” و”عساكم من عواده”.
وتزخر مدينة دبي بالأنشطة التي تستضيفها، لتوفر أجواء استثنائية من الفرح والتسلية، فأمام أفراد العائلة مجموعة واسعة من الخيارات، التي تتنوع بين ألعاب ترفيهية ونارية، وعروض ليزر وفعاليات تراثية عربية، إلى جانب الإطلالة الخلابة على الواجهة المائية، التي تشكل لوحة فنية رائعة تبهر الجميع صغارًا وكبارًا، وتعد احتفالات العيد في دبي مبادرة حكومية، تحتوى على عادات وتقاليد أصالة الماضي، حيث تعطي العيد نكهة خاصة، وتحيي في الأذهان ذكريات جميلة.
أوروبا: فرصة لاستعادة الدفء
يصر أبناء الجاليات الإسلامية في دول العالم المختلفة، على الاحتفال بعيد الفطر المبارك في ظل ظروف الحياة المختلفة، عن تلك التي يحياها نظراؤهم في بلدان العالم الإسلامي المختلفة، وفي وقت ما زالت فيه بعض دول العالم، ترفض الاعتراف بالعيد كعطلة رسمية، بل وبعضها ما زال يأبى الاعتراف بالإسلام، كدين مثل الديانات الأخرى كاليهودية والنصرانية وحتى الوثنية.
وعلى كل الأحوال، فإن فرحة العيد وبهجته، لا تغيب عن إخواننا المسلمين في بقاع الأرض المختلفة، بعيدًا عن ديار الإسلام، مهما كان طابع الحياة التي يحيونها، والظروف التي يعيشون فيها، وعلى سبيل المثال، فمسلمو أوروبا عمومًا، يرفضون أن تغيب عنهم بهجة العيد بأية صورة، ولذلك فإنهم يحرصون على الاحتفال به، من خلال العديد من العادات التي تتشابه في الكثير منها، مع تلك التي يمارسها المسلمون في أنحاء العالم المختلفة، في ذلك الاحتفال السنوي.
يبدأ مسلمو أوروبا الاحتفال بعيد الفطر، عن طريق الذهاب لأداء صلاة العيد، التي يحرص عليها الكبار والصغار رجالًا ونساءً، وبعد الانتهاء منها يقومون عادةً بتهنئة بعضهم البعض بالعيد، وهو الأمر الذي يثير استغراب الكثير من الأوربيين، في ظل الحياة المفككة الخالية من روح الألفة والمودة والتآلف، التي تحكم علاقات الأوربيين بعضهم مع بعض.
آسيا: طقوس مميزة
يتميز العيد في آسيا بالعديد من السمات الخاصة، حيث يستقبل المسلمون هناك العيد ببعض الطقوس والممارسات المختلفة، ونستعرض هنا أبرز تلك الطقوس.
نبدأ جولتنا من إندونيسا، حيث يعود الملايين من الإندونيسيين المقيمن بالمدن إلى قراهم الأصلية خلال الأيام الأخيرة من رمضان، لأداء العيد وسط الأهل والأقارب، فالعودة السنوية إلى مسقط الرأس في القرى والمدن هي جزء لا يتجزأ من طريقة احتفال الإندونيسيين بعيد الفطر، حيث يقومون بإعادة الروابط مع أسرهم، ومع أنه من الصعب الاتفاق على أصل هذه العادة التي تسمى بـ “موبيك”، لكن هذا السلوك ينتشر كذلك في ماليزيا، فيما يقول بعض المؤرخين بأنها عادة إندونيسية قديمة.
وفي العاصمة جاكرتا تغلق المحال التجارية أبوابها، ويتوقف العمل بمواقع البناء، وتعتمد الأسر الغنية على نفسها بشكل كبير، وعلى الفنادق بسبب سفر الخادمات والمربيات والسائقين إلى قراهم لقضاء عطلة العيد.
وفي ماليزيا فللعيد طابع خاص، إذ يعد واحدًا من أكبر المناسبات المعروفة هنالك ويعرف باسم “هاري رايا”، أي عيد الفطر باللغة الماليزية، وفرصة الرجوع للقرية والالتقاء مع الأهل.
وتبدو مظاهر الاستعداد لاستقبال هذه المناسبة العزيزة على قلب كل مسلم واضحة وجلية في الطرقات والمجمعات التجارية والأسواق الشعبية ليس فقط في المدن والضواحي الكبرى إنما في مختلف القرى القريبة والنائية.
وكثيرًا ما يدخل العديد من أتباع الديانات الأخرى في الإسلام أثناء احتفال مسلمي ماليزيا بأداء صلاة العيد والتي يراها الماليزيون جميعًا مناسبة عامة قد تستقطب غير المسلمين لحضورها.
ولا يقتصر الاحتفال بعيد الفطر في ماليزيا على المسلمين فحسب، وإنما يشمل بقية الأعراق من أصحاب الديانات الأخرى كالمسيحية والبوذية والهندوسية، فهذا العيد يأخذ شكل الاحتفال العائلي لجميع الشعب بصرف النظر عن دين أو جنس.
وتحتفل الحكومة الماليزية به بشكل يختلف عن باقي أقطار العالم الإسلامي، حيث تقوم الحكومة بتوفير مخصص مالي محدد لكل وزير وذلك لإقامة مائدة طعام مفتوحة للشعب خلال أيام العيد المبارك ولا يشترط في صرف ذلك المخصص أن يكون الوزير مسلمًا حيث إنه متاح لجميع الوزراء بغض النظر عن دياناتهم.
ويستقبل الوزراء من خلال هذه الموائد الجماهير من مختلف الأنواع والأديان إذ يحرص على حضورها حتى الأجانب من دول أوروبا وأمريكا للاحتفال بهذه المناسبة المباركة.
وفي تايلاند، يحرص المسلمون على أمرين في صباح يوم عيد الفطر، أولهما دفع زكاة الفطر، والثاني أداء صلاة العيد، وينبع هذا الحرص من القمع الذي يتعرض له المسلمون هناك، حيث يعمل المسلمون على تدعيم التواصل والتماسك الاجتماعي بينهم لتوحيد الصفوف من أجل مواجهة الانتهاكات التي يتعرضون لها.
ومن أهم وسائل تحقيق التواصل العمل على دفع الزكاة لكفاية الفقراء مؤونة الاحتياج في ذلك اليوم، بالإضافة إلى ذلك نجد أن صلاة العيد تُعد إحدى الوسائل التي يتلاقى فيها الناس في يوم تعم فيه البهجة المجتمع المسلم بأسره، كما يحرص المسلمون على التزاور فيما بينهم للتشارك في بهجة العيد.
أما في الصين، فبالرغم من قلة عدد المسلمين هناك، إلا أنهم يحرصون – وبشكل كبير – على إثبات هويتهم الإسلامية من أجل التصدي لمحاولات محو تلك الهوية والتي تقوم بها السلطات الصينية بصورة منظمة ضد الأقليات الدينية والعرقية وبخاصة الأقلية المسلمة.
فنجد أن المسلمين من عرق هوي جنوب غرب الصين يرتدون الأزياء الملونة عنوانًا على بهجة العيد وإظهارًا لهويتهم الإسلامية، وذلك في اليوم الوحيد الذي تسمح لهم السلطات الصينية بالحصول على إجازة فيه.
وعن بقية مظاهر العيد بعد الصلاة، فهي تتمثل في تبادل الزيارات والتهاني فقط، وليس هناك جديد في هذه الأيام المباركة عن غيرها من الأيام بسبب القهر الصيني.
وفي اليابان فالوضع مختلف نسبيًا، حيث يحتفل المسلمون بالعيد بشكل أساسي من خلال أداء صلاة العيد، التي كانت حتى وقت قريب تقام في المساجد، ولم تكن حينها تسع كافة المصلين فكانوا يضطرون لأدائها على دفعات متتالية، ولكن مؤخرًا سمحت الحكومة اليابانية للمصلين بأداء صلاة العيد في الملاعب الرياضية والحدائق والمتنزهات، وهو ما زاد من فرحتهم بالعيد الذي تحول إلى واحد من أهم وسائل الدعوة للإسلام في اليابان.
وهكذا يلاحظ أن العيد في شتى الدول العربية والإسلامية والأوروبية والآسيوية فرحة واحدة وسرور يدخل على قلوب المسلمين أيًا كان موطنهم، حتى وإن تباينت وتعددت مظاهر وطقوس الاحتفال به.