الصورة: أطفال أسرة بدوية في فناء منزلهم بقرية الظهير – الثلاثاء 10 سبتمبر 2013 – تصوير: إسماعيل الإسكندراني
حمل خطاب الجماعات المسلحة في سيناء سمات التمرد العنيف على سلطة الدولة، دون أن يتضمن ما يمكن تصنيفه إرهابياً بشكل قاطع إلا في بيان جماعة “أنصار بيت المقدس” في 8 سبتمبر/أيلول، الذي أعلنت فيه مسؤوليتها عن محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري، وضم إلى المستهدفين بالاغتيال بعض الإعلاميين (دون تسمية) لاتهامهم بالتحريض على القتل وتصفية المعتصمين والمتظاهرين. وهي نقطة فارقة في المقارنة بين مبادأة رموز الإخوان المسلمين وقادتهم بالتهديد الضمني والصريح بالحرب الأهلية (حتى وإن لم يقدروا عليها أو كانوا الطرف الأضعف فيها)، وبين الجماعات السيناوية المسلحة التي تم إخراجها قسراً عن خطها العملياتي المحدد منذ 2011 لتصير عدواً داخلياً يشتبك معه الجيش داخل الأراضي المصرية، مضطلعاً بدور الشرطة والأمن الداخلي في مكافحة الإرهاب، وهو ما رفضه المجلس العسكري في عهد مبارك قبل خلعه، ولا يصب استراتيجياً إلا في الصالح الإسرائيلي.
كانت الجماعات الجهادية والتكفيرية في سيناء قد سبق لها تكفير الإخوان المسلمين ومعهم من سلك المسلك السياسي من سلفيين دعويين، وقد اعتبروا محمد مرسي حاكماً طاغوتياً لم يطبق الشريعة ولم يعلن الجهاد ضد أعداء الأمة. إلا أني أميل إلى التعامل مع الجماعات السيناوية المسلحة – بغض النظر عن صفائها الأيديولوجي أو اختراقها بمرتزقة أو عملاء لأجهزة أمنية واستخباراتية – ككائنات حية متفاعلة مع محيطها ومتأثرة به. وبذلك، يمكن تفسير خطابهم التضامني مع ضحايا مذابح الجيش من المتظاهرين والمعتصمين، وتراجع انتقاد اختيارهم طريق الديمقراطية (الكفري من وجهة نظرهم)، فهم فاسقون وآثمون، بالنسبة للجماعات، لكن ليس للدرجة التي يخذلونهم فيها رغم “مذابح الصائمين والساجدين”.
لا خلاف أن سكان سيناء ساخطون على ممارسات الجيش منذ 30 يونيو/حزيران، والتي تأكدت بانتهاكات وجرائم موسعة منذ 7 سبتمبر/أيلول، ويقارنها المحليون بسلوكيات كافة الجيوش النظامية التي مرت على سيناء في تاريخها الحديث والمعاصر، من عثمانيين وإنجليز وإسرائيليين، فيتعزز سخطهم بتفوق الجيش الوطني على ما عداه في حجم الانتهاكات والجرائم والعقوبات الجماعية العشوائية غير المسبوقة في تاريخ سيناء المتناقَل كابراً عن كابر. لكن الأكيد أيضاً أنهم لم يكونوا راضين عن حكم الإخوان المسلمين لأسباب غاية في المحلية، حيث لم يتورع إخوان العريش عن الدخول في صراع على موارد المنطقة الحدودية حينما سنحت الفرصة ضمن مشروعات إعادة إعمار غزة التي تم تدشينها بعد تخصيص منحة قطرية قدرها 500 مليون دولار.
كثير من الوافدين من وادي النيل، الذين قدموا إلى المنطقة الحدودية عقب الانسحاب الإسرائيلي 1982، لاذوا بالفرار من وطيس المعارك الدائرة وعادوا إلى عائلاتهم في محافظاتهم الأم. فتكالبت عوامل الاحتقان المجتمعي على السكان المحليين في المنطقة الحدودية، حيث يشعرون بمزيج من الاضطهاد العسكري/الأمني والخذلان المدني ممن استولوا على كافة الامتيازات الإدارية وأساءوا استخدام صلاحياتهم ولم يُخفوا استعلاءهم – الذي قد يصل درجة الاحتقار – على البدو وعموم أهل سيناء. فالمحليون الآن ينظرون إلى القادم من الضفة الغربية لقناة السويس نظرة المحتل أو المستعمر الوطني، الذي يحتكر احتراف العمل العسكري والشرطي، في حين يُحرم السيناوي من الخدمة الإلزامية في الجيش كسائر المواطنين. وهو المستعمر ذاته الذي قد يرتدي الزي المدني ويبحث عن مصلحته التجارية في علاقات غير عادلة مستندة إلى النفوذ البيروقراطي والمحاباة الأمنية للوافدين من وادي النيل. وحين يتحدث ابن وادي النيل عن تنمية سيناء وتعميرها فإنه لا يجد أدنى حرج في ترديد شعارات استيطان محلي من قبيل “نقل 3 ملايين من الدلتا إلى سيناء”، وكأن الحديث عن استعمار سيناء لا عن تعميرها، وكأنها “أرض بلا شعب” لشعب ضاقت بهم أرضهم.
تنقسم رؤية المجتمع المحلي في المنطقة الحدودية إلى ثلاثة أقسام؛ فالشيوخ وكبار السن يقارنون ممارسات الجيش المصري بجيش الاحتلال كما رأوها وعايشوها، والكهول يقارنونها بسياسات وزارة الداخلية في عهد مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، التي أورثت ثأراً انفجر مع شرارة الثورة في يناير/كانون الثاني 2011 ومنع الشرطة من العودة إلى المنطقة الحدودية حتى الآن. أما الشباب حديثو السن فإنهم يقارنون ما يعيشونه رأي العين بما نقلته لهم الشاشات من سورية. وحين طال رصاص القوات أبناء أقرب من خدم الجيش ومخابراته، انضم ذلك إلى قائمة غير متناهية من الوقائع والشواهد على انعدام الثقة، وعلى عدم انتظار أي خير من سلطة الدولة المركزية، وكل ما دار في فلكها.
أحادية النظرة العسكرية والأمنية الضيقة في التعامل مع الأزمة، واعتداء الجيش على المدارس وعدم اكتراث السلطة بإسعاف المصابين والمواطنين أو توفير حلول لمشاكل التنمية الأساسية، كالحق في المياه والحق في العمل، ينسف تماماً احتمال قيام علاقة كريمة بين المواطن في سيناء وبين الدولة، التي يرونها لا تهتم سوى برفع الروح المعنوية للجنود والضباط المهددين والمرتبكين.
نذير خطر يذكّر بتمرد الثورة في المنطقة الحدودية من شمال سيناء على نمط الثورة السائد في أنحاء مصر. فثورة يناير كانت سلمية في مصر كلها، بما في ذلك مدينة العريش، في حين ردت مدينتا الشيخ زويد ورفح على سقوط أول شهيد سلمي فيهما بتوديع السلمية وحمل السلاح وقصف معسكر الأمن المركزي وقسم ثان العريش بمضادات الدبابات. مفارقة لا يبدي الجناح المسيطر على القرار داخل الجيش في سيناء الآن، صوت القوة، استيعاباً للدرس المستفاد منها، وهو الذي تدفع الشرطة ضريبة تعلمه حتى الآن. بات الناس في سيناء مجمعين أن غد الإرهاب أقوى بكثير من حاضره، ولم يعد سوى الاختلاف حول سبب قيام السلطة بصناعته؛ هل هي الحماقة أم مؤامرة الإدارة بالأزمات؟
كان هذا ملخصاً لورقة بحثية للباحث إسماعيل الإسكندراني نُشرت في مبادرة الإصلاح العربي. لقراءة الورقة البحثية كاملة، يرجى (الضغط هنا) أو عبر الرابط: https://goo.gl/Ryn8hr