هزّت المملكة العربية السعودية ثلاث هجمات إرهابية، يُفترض أنها من أعمال تنظيم داعش. كانت تلك الهجمات موزعة بعناية وكان الهدف منها هو نزع الشرعية عن نظام الحكم في السعودية، الذي يفخر بلقب “خادم الحرمين الشريفين”.
تضم المملكة العربية السعودية اثنين من أقدس الأماكن الإسلامية هما مكة المكرمة، مسقط رأس النبي محمد وموقع الحج لملايين المسلمين من جميع في جميع أنحاء العالم كل عام، والمدينة المنورة، حيث توفي النبي ودُفن. بالنسبة لمعظم المسلمين، زيارة قبر النبي هي حالة روحية ذات تأثير كبير.
وقد استهدفت إحدى الهجمات الإرهابية المسجد النبوي في المدينة المنورة؛ حيث أوقف رجال الأمن انتحاري يرتدي حزام ناسف أثناء توجهه إلى المسجد النبوي عبر أرض فضاء تستخدم كمواقف لسيارات الزوّار ومن ثمّ تفجير نفسه، مما أسفر عن مقتل أربعة من رجال الأمن السعودي وإصابة عدة أشخاص آخرين.
من المرجح أن يكون الهدف من هذا التفجير هو التأكيد على أنَّ الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن نايف ليسا خادمين جيدّين للحرمين الشريفين، لكونهما غير قادرين على حمايتهما. وليس من المستبعد تمامًا أنَّ تنظيم داعش يعتقد أنَّ زيارة قبر النبي هي شكل من أشكال الوثنية وأنَّ الحجاج يجب أن يُعاقبوا على ذلك. وقد يتمادى بعض متطرفي داعش إلى حدّ الرغبة في تدمير الكعبة نفسها، باعتبارها ضريحًا على شكل مكعب في مكة المكرمة يطوف حولها الحجاج، معتبرين أن ذلك بمثابة عبادة الأوثان.
وقد صرّح الأمير فيصل بن سلمان، حاكم المدينة المنورة، أنَّ الهجوم الإرهابي على المدينة كان عملًا إجراميًا أودى بحياة الأرواح البريئة التي حرّم الله قتلها، في أنقى وأقدس الأماكن وفي شهر رمضان المبارك. وقال إنَّ مثل هذه الأفعال الشريرة لا تخدم سوى أعداء الإسلام.
تقع المدينة المنورة في محافظة الحجاز الغربية ذات الأغلبية السُنية والصوفية وليس الوهابية كما هو الحال في نجد. تمثّل الوهابية أقلية صغيرة في المجتمع الإسلامي في جميع أنحاء العالم وتوجد في الأساس في المملكة العربية السعودية، حيث تشمل حوالي 40٪ من سكّان المملكة. إنها مذهب متشدد يؤمن بشرطة الأخلاق ونهج حرفي للشريعة الإسلامية. العائلة المالكة تنتمي إلى هذه الطائفة، ويساعد رجال دين في إملاء السياسة الدينية في جميع أنحاء المملكة. الإسلام السُني في الحجاز هو أكثر تسامحُا ومرونة. لذلك، فأي هجوم في الحجاز يهدف على الأرجح إلى زرع الفرقة بين السُنة والوهابيين في وسط البلاد.
(أسس الوهابية محمد بن عبد الوهاب في منتصف القرن الثامن عشر. في حين أنها مذهب جامد ومتزمت وغالبًا متعصب كتقليد إسلامي، ليس كل الوهابيين كذلك. ومن غير الصحيح القول إنَّ داعش هو مجرد شكل من أشكال الوهابية؛ إنَّ علاقة داعش بالوهابية مثل علاقة ديفيد كوريش في مجزرة “واكو” بالبروتستانتية – مذهب عنفي).
وقع هجوم آخر في مدينة جدة، غرب البلاد، بالقرب من القنصلية الأمريكية، التي قد تكون الهدف. ولكن مرة أخرى، أوقفت قوات الأمن الانتحاري المشتبه به بالقرب من المستشفى، ثمّ فجّر نفسه مما أدى إلى إصابات طفيفة لبعض أفراد الأمن. يسعى تنظيم داعش لتقويض العائلة المالكة السعودية من خلال تصويرها باعتبارها دُمية في يد الولايات المتحدة، لذلك فإن استهداف القنصلية الأمريكية يعني معاقبتهم.
استهدف هجوم ثالث مسجدًا شيعيًا في شرق مدينة القطيف ذات الغالبية الشيعية. تمّ العثور على ثلاث جثث مشوّهة هناك ولكن التفاصيل لا تزال غامضة. فمن الممكن أنَّ تكون هذه الجثث هي أشلاء المفجّرين أنفسهم وليس الضحايا الأبرياء. مدينة القطيف هي منطقة شرقية شيعية تقليدية، حيث يتواجد معظم النفط في المملكة العربية السعودية. يمثل الشيعة حوالي 12٪ من السعوديين، ويُعاملون بشكل سيء للغاية من قِبل الدولة، التي تعتبرهم هراطقة ومؤيدين محتملين لإيران، العدو اللدود للمملكة العربية السعودية.
هذا الهجوم، مثل التفجيرات السابقة للمساجد الشيعية، كان يهدف إلى زرع المزيد من الشقاق بين الحكومة والسكّان الشيعة (ويأمل الإرهابيون أنَّ شيعة القطيف سيلقون باللوم على الملك لعدم توفير الأمن لهم).
الهجمات الثلاث في المملكة العربية السعودية تمّ تنسيقها بشكل رمزي لإحداث أكبر قدر من التوتر في المملكة، وكذلك حرمان النظام الملكي السعودي من مكانته العظيمة باعتباره خادم الحرمين الشريفين، وكحليف للولايات المتحدة، وكمهيمن على المنطقة الشرقية حيث يتواجد النفط الذي يجعل من المملكة العربية السعودية دولة قوية. لقد لعبت التفجيرات على الشقوق الرئيسية داخل المجتمع السعودي.
تصف الصحافة السعودية هذه الهجمات بأنها فاشلة. وبالرغم من سقوط بعض الضحايا بين قتيل وجريح، إلّا أنَّ هذا العدد قليل بالمقارنة مع ما تمناه الارهابيون. لقد تبددت آمال داعش بوقوع مذبحة داخل المملكة على أيدي رجال الأمن السعوديين.
بين عاميّ 2003 و2006، نجت المملكة العربية السعودية من حملة عنيفة من التفجيرات وعمليات القتل شنّها تنظيم القاعدة، وذلك بفضل جهازها الأمني الذي يتمتع بخبرة كبيرة في مكافحة الإرهاب.
يواجه تنظيم داعش عامه الأخير كدولة، نظرًا لأنَّ الجيش العراقي من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى تحاصره تدريجيًا في آخر معاقله. ومع تراجع التنظيم، يهاجم بضراوة مثل تمساح أصيب بجروح قاتلة. لكنَّ هذا الإرهاب الانتقاميّ عشوائي، يجعلنا نفكر في كيفية ارتكاب التنظيم للعنف الرمزي ضد خصومه وذلك عن طريق إضعاف معنوياتهم.
ثلاثة انفجارات انتحارية تضرب السعودية في يوم واحد
المصدر: جوان كول – ترجمة إيوان 24