أثارت تغريدة نشرها وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد معركة فريدة من نوعها بعد أن اضطر الداعية المصري يوسف القرضاوي للرد عليها بشكل أكثر حدة من المعتاد من الشيخ.
التدوينة التي كتبها وزير الخارجية الإماراتي ضربت عصفورين بحجر واحد، حيث أشادت بالمواقف الدينية لعلماء السعودية القريبين من الجهات الرسمية، فيما اتهمت تنظيم الإخوان المسلمين – الذي تخوض الإمارات حرباً سياسية وأمنية – ضده بدعم الإرهاب.
هل تذكرون تحريم الشيخ الجليل بن باز رحمه الله للعمليات الانتحارية
هل تذكرون مفتي الاخوان القرضاوي عندما حرض عليها
— عبدالله بن زايد (@ABZayed) July 4, 2016
وفي تحريض شبه مباشر للسعودية على الشيخ القرضاوي، الذي كان في ضيافة العاهل السعودي في العمرة قبل أيام، قال بن زايد: “علينا أن نحاسب من حرض واسترخص دماء البشر وأجاز العمليات الانتحارية”.
علينا نحاسب من حرض و استرخص دماء البشر و أجاز العمليات الانتحارية
— عبدالله بن زايد (@ABZayed) July 4, 2016
لكن الشيخ القرضاوي قام بالرد بشكل عنيف على بن زايد، قائلا: “نعوذ بالله من شر الشياطين إذا ما انحلت أصفادها”
ردا على عبد الله بن زايد أني أشجع العمليات الانتحارية:
خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين
نعوذ بالله من شر الشياطين إذا ما انحلت اصفادها
— يوسف القرضاوي (@alqaradawy) July 5, 2016
وعلى الإثر، قامت مجموعة من الحسابات الإماراتية بشن هجوم على الشيخ استخدمت فيه عدداً من الفيديوهات القديمة للقرضاوي تتحدث عن العمليات الاستشهادية، فيما قال مؤيدوه إن الفيديوهات مقتطعة من سياقها وممنتجة بغرض الإيحاء بمعانٍ أخرى.
وفي بيان أصدره الشيخ عام 2015 نفى ما يُنسب إليه من تحريم العمليات الانتحارية، معتبراً أن فتواه الخاصة بـ”العمليات الاستشهادية” كانت خاصة بالمقاومة الفلسطينية وحدها حين لا يجدون بديلاً عنها، ولم يجزها في غير ذلك.
ليس دفاعاً عن القرضاوي يا بن زايد،
ولكن فتواه كانت للفلسطينيين ضد الصهاينة في ظرف محدّد.
فلمَ تضايقت؟?@ABZayed pic.twitter.com/tbgjr8mUkN
— الواعي (@wa3i_2020) July 6, 2016
لكن موقف وزير الخارجية الإماراتي من القرضاوي، وتبنيه لفتوى الشيخ بن باز يطرح أسئلة حول مدى التزام بن زايد بالخط الفقهي الذي تبناه الشيخ عبدالعزيز بن باز والذي ظهر في فتاواه على مدار عقود.
وهذه بعض المواقف التي تتبناها الإمارات العربية المتحدة، ووزير خارجيتها عبدالله بن زايد، والتي تقف في مواجهة كل ما كان يؤمن به الشيخ بن باز، بغض النظر عن جدلية هذه الفتاوى.
الموقف من القضية الفلسطينية
كان للشيخ بن باز مواقف واضحة من دعم القضية الفلسطينية، و”جهاد” المحتل الإسرائيلي، ونصرة الفلسطينيين في قضيتهم العادلة، إلا أن عبدالله بن زايد، مهندس السياسة الخارجية الإماراتية له رأي آخر.
منذ عدة سنوات، تتخذ الإمارات العربية المتحدة ووزارة خارجيتها العديد من المواقف الداعمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي تتضاد بوضوح مع مصالح الفلسطينيين، المباشرة وغير المباشرة.
وباستثناء عملية اغتيال الشهيد محمود المبحوح في دبي عام 2010، فإن “إسرائيل” حالياً تتمتع بعلاقة قوية جداً مع الإمارات يمكن وصفها بالأفضل بين دول الخليج. ففي عام 2013 استضافت الإمارات مؤتمراً للطاقة المتجددة شاركت “إسرائيل” فيه بقوة. بالإضافة إلى افتتاح ممثلية إسرائيلية في أبو ظبي، فضلا عن التقارير التي تؤكد عن العلاقات التجارية الوطيدة بين إسرائيل والإمارات.
من ناحية أخرى فقد أثبتت تقارير إعلامية تعاون الإمارات مع دولة الاحتلال خلال الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، إذ قدمت الإمارات معلومات استخباراتية لدولة الاحتلال عن طريق أطقم إماراتية وصلت إلى قطاع غزة وسط الحرب.
وفي وقت سابق قام موقع ويكيليكس بتسريب وثائق تثبت علاقة وطيدة بين تل أبيب وأبوظبي، وكان من ضمن ما أوردته الوثائق تمتع عبدالله بن زايد بعلاقات شخصية جيدة مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية حينها (عام 2009) تسيبي ليفني، والتي أعرب بن زايد عن أن الإماراتيين غير مستعدين للإفصاح عنها على الملأ.
الخروج على الحاكم
كان للشيخ عبدالعزيز بن باز مواقف واضحة وقوية في مسألة الخروج على الحاكم، وإذا ما أراد عبدالله بن زايد الالتزام بمنهج بن باز في الفتوى، فسيكون عليه أن يقلق كثيرا من موقف الإمارات وموقفه الشخصي إزاء تنسيق الاضطرابات وتدبير الانقلابات العسكرية ودعم قتل المسلمين في بلدان مثل مصر واليمن وليبيا وحتى تونس.
ففي وقت لاحق عقب الانقلاب العسكري في مصر، اعترف أحمد شفيق -المرشح الرئاسي الخاسر، وآخر رئيس وزراء في عهد مبارك- علناً بأن الامارات العربية المتحدة أمدت أجهزة الأمن ووزارة الداخلية في مصر بأسلحة وعتاد من أجل قمع وقتل المتظاهرين المؤيدين للرئيس السابق محمد مرسي.
فقد كشف شفيق يوم 8 سبتمبر/ أيلول 2013 في مقابلة مع قناة “دريم” المصرية أن الامارات أمدت وزارة الداخلية المصرية بالأسلحة والعتاد من أجل قمع وقتل المحتجين المناهضين للانقلاب العسكري الذي حدث يوم الثالث من تموز/ يوليو 2013.
وقد أدت العملية التي نُفذت بأسلحة إماراتية ودعم سعودي وإسرائيلي إلى مقتل ما يزيد عن 1000 مصري من المؤيدين لمرسي والرافضين لتدخل الجيش في العمل السياسي.
كذلك تحدثت مصادر متعددة عن الدور الذي لعبته الإمارات في دعم انقلاب الجنرال خليفة حفتر، وهو الدور الذي لا يزال مستمرا حتى الآن في زعزعة استقرار وأمن ليبيا.
وللشيخ بن باز العديد من الفتاوى الأخرى التي تتعلق بحرمة ترويع المسلمين، وهو ما يتناقض مع منهج الإمارات في تعذيب المعارضين السياسيين بعد اعتقالهم سواء كانوا إماراتيين أم لا.
وطبقا لتقارير دولية محايدة، فإن العائلة المالكة في الإمارات تحكم البلاد بقبضة حديدية. فيوجه تقرير هيومان رايتس ووتش لأوضاع الدول في عام 2015 نقدًا شديدًا للحريات في الإمارات، والتي تتعرّض للتقييد تحت ذريعة الأمن القومي، حيث تقوم السلطات باحتجاز وملاحقة المعارضين وكل من تعتبرهم خطرًا عليها، وكذلك إخضاعهم لمحاكمات غير عادلة وانتهاكات أثناء الاعتقال، كما يشير التقرير إلى الأوضاع غير الإنسانية التي يعيش فيها العمال الوافدون، كما هي الحال مع معظم دول الخليج.
وللشيخ بن باز فتاوى حادة فيمن يحتكمون للقوانين الوضعية، وعدم القبول بالشريعة كمصدر وحيد للتشريع، وهي الفتاوى التي قد تزعج عبدالله بن زايد.
وعبدالله بن زايد هو ابن مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، وشقيق محمد بن زايد ولي عهد إمارة أبوظبي والرجل الأقوى في دولة الإمارات.
ويوسف القرضاوي هو داعية وأستاذ للفقه الإسلامي يحمل الجنسيتين القطرية والمصرية ويحظى باحترام واسع في العالم الإسلامي، وقد كان الشخصية الدينية الأبرز حضوراً مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وقد حدثت مساجلات مبكرة بينه وبين دولة الإمارات منذ عام 2011 حين انتقد ترحيل بعض السوريين الذين تظاهروا أمام سفارتهم هناك احتجاجاً على القمع، كما وصدرت أحكام بالإعدام في مصر بحق القرضاوي وآخرين بعد إطاحة الجيش بالرئيس المصري محمد مرسي واعتقال عشرات الآلاف من مؤيديه.