على ما يبدو إننا على وشك أن نشهد هذه الأيام، نهاية زواج المتعة بين إيران وكردستان العراق، ذلك الزواج الذي أستخدمه كلا الطرفين للوصول إلى أهدافهم المتوافقة ابتداءً والمتناقضة انتهاءً.
حيث خرج علينا الجمعة الماضية نائب قائد الحرس الثوري الإيراني “حسين سلامي”، ليهدد قادة إقليم كردستان العراق، بشن هجوم عسكري على الإقليم، إذا لم تلتزم حكومة الإقليم بتعهداتها، تلك التعهدات القاضية بحماية حدود إيران من أي اعتداء يقوم به الأكراد الإيرانيون، ونسي حسين سلامي إن التدخل بشؤون الأخرين، وإثارة النعرات الطائفية والقومية، كانت ديدنهم وسياستهم، طيلة عمر النظام الإيراني الذي جاء للحكم منذ عام 1979. ونسي أيضاً، إنَّ (الجزاء من جنس العمل) هي سنّة كونية ربانية ماضية إلى يوم القيامة، فكما أحرقتم شعوب المنطقة بنار الطائفية والنعرات القومية، جاء اليوم الذي ستحترقون فيه بتلك النار، والأيام بيننا لتثبت صحة ذلك.
وكما يقال إنَّ أول الغيث قطرة، وكانت تلك القطرة، قادمة هذه المرة من كردستان إيران، التي عانت ما عانت من اضطهاد الأقلية الفارسية التي تحكم إيران منذ عشرات السنين، وتنهتك كل الأعراف الدولية لحقوق الإنسان بحق الشعوب الإيرانية، كردية كانت أم عربية أو بلوشية أو أذربيجانية. وإنَّ اللعبة التي قامت بها لتمزيق وحدة شعوب البلدان المجاورة من خلال دعمها المشبوه للأقليات العرقية فيها، قد أن الأوان لترجع عليها لتعاني منها هي هذه المرة.
كان تاريخ إيران حافل في تحريضها لأكراد العراق لتمزيق نسيج القوميات المتآلفة فيه، فكل حركات التمرد العسكرية التي قام بها الأكراد ضد الحكومة العراقية، كانت بدعم من إيران، حتى أذا ما أخذت إيران أغراضها ومصالحها من العراق، تركت الأكراد وتخلت عنهم ليواجهوا مصيرهم لوحدهم.
والقادة الإيرانيون يعرفون إن نجاح الأكراد في كردستان العراق بتأسيس وطن قومي مستقل لهم، سيكونون هم أول الخاسرين بسببه، لأن هذا الأمر سيمنّي الشعب الكردي في إيران بتكرار تجربة الاستقلال بوطن قومي خاص بهم، يقتطعونه من إيران. لذلك فإن التوافق بين إيران وأكراد العراق كان عبارة عن زواج متعة له نهاية معلومة كما كانت له بداية معلومة. فلم تكن إيران تدخر جهداً لتمزيق صف أكراد العراق، بدعم فريق منهم ضد أخر.
لقد كان رد الفعل الإيراني لهجمات أكراد إيران ضد أهداف عسكرية إيرانية بالأيام القليلة الماضية، قوياً للدرجة التي يجعلنا نتساءل، كم كانت خسارة الجيش الإيراني في تلك المعارك، حتى جعلها تهدد بفك التعاون الوثيق الحالي مع أكراد العراق والتهديد “بالوعد المدمر” و”دون أي اعتبارات” حسب تعبيرات حسين سلامي؟
لقد استمرت المعارك الأخيرة طيلة أسبوعين وسقط من الحرس الثوري الإيراني خمسة عشر قتيلاً بالإضافة إلى عشرات الجرحى، لكن هل هذا العدد من القتلى يوازي ردة الفعل القوية من الجانب الإيراني؟ فقد قامت المدفعية الإيرانية بقصف وحشي لمناطق عديدة في كردستان العراق، وأحرقت العديد من القرى الكردية، إضافة إلى رد فعل كبير على المستوى السياسي، باتهامها للقنصلية السعودية في أربيل بتمويل المقاتلين الأكراد الإيرانيين.
وكل ذلك لسبب وحيد، هو سقوط قتلى فرس إيرانيين، حيث إن إيران وعلى الرغم من إنها تدير معارك في أربعة دول عربية، أحرقت فيها الأخضر واليابس، إلا إنها لم تكن تقاتل بجيشها ولا مقاتليها، بل تقاتل بالمغفلين من العرب الذين يتبعونها. إنها المرة الأولى التي تذوق طعم المرارة بسقوط هذا العدد من القتلى وفي معركة واحدة، وما يزيد من طعم المرارة التي تتجرعها القيادة الإيرانية، إنًّ هذا القتل الذي يصيب أفراد جيشها سوف يستمر، وما تلك المعارك سوى البداية، لذلك حاولت أن يكون رد فعلها قوياً للدرجة التي يسد عليها باب الجحيم الذي فتح، ولكن هيهات، أنه باباً قد فتح على إيران ولا نضن إنه سيغلق، جراء فعلها القبيح بدول المنطقة. وستلحقها الأهواز وبلوشستان وأذربيجان، حتى تتمزق شر ممزق جزاءً من الله على الشر الكامن في صدورهم.