أصبحت القوة الصلبة ومكانتها في تراجع مستمر لما أحرزته القوة الناعمة من تطور ملموس جعلت مصير القوة الخشنة مجهولا، وقد عرف “جوزيف ناي” القوة الناعمة علي أنها الجاذبية والقدرة علي تشكيل تفضيلات الآخرين وأن تختار للناس دون إرغامهم.
تتكون القوة الناعمة من ثلاثة مكونات رئيسية وهم الثقافة، القيم السياسية، السياسات الخارجية. وسنتناول في هذا المقال جزءا صغيرا منها وهي الثقافة والتي تعني القيم والممارسات التي يتم ممارستها في مجتمع معين (الفن ،اللغة،الدين…إلخ).
إيران الامبراطورية التي حكمت الشرق والغرب تتكون من مجتمع وأعراق متباينة فهو يضم الفرس ونسبتهم 51% والبلوش والأرمن والعرب وتضم ديانات عديدة (الإسلام بطائفتية الشيعية والسنية، والمجوسية، والزرادشتية وغيرها) ومع ذلك يتمتع المجتمع الايراني بدرجة مقبولة من التماسك الاجتماعي بالرغم من التمايز الواضح بين الشيعة والسنة حيث ينص الدستور الإيراني علي شيعية الرئيس وفي الغالب يكون نائبة سنيا للإيحاء بصورة أخري من صور القوة الناعمة وهي القيم السياسية الايرانية.
السنة في إيران
السنة في إيران ليست بالعدد القليل فطبقا لكتاب “الحقائق” الصادر عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بلغ عددهم 9% أي ما يقارب من (14-19) مليون نسمة من عدد السكان الايرانين في 2012 ويتركزوا في أقاليم معينة منها مشهد، وبلوشستان، وإقليم خرسان أي علي مناطق الجوار مع دول النفط العربي وهذه المناطق تعاني الإهمال العمد مع سبق الاصرار والترصد.
تاريخ السنة
أبرز من أثر في تاريخ المسلمين السنة في إيران هو عبدالملك ريجي مؤسس حركة “جند الله” التي قامت بالعديد من الاعمال المسلحة من أهمها خطف 9 جنود إيرانيين وإطلاق سراح ثمانية وقتل التاسع في 2005 وتم تصنيفها كجماعة إرهابية .
يقول هنري كيسنجر في كتابة “النظام العالمي”: “الصراع مع إيران بالنسبة للسعودية وجودي إنه يشمل إستمرار المملكة وشرعية الدولة وبالأكيد مستقبل الإسلام” من هذا المنطلق وفي ظل تساوي القدرات الدفاعية والحربية الإيرانية والسعودية التي أصبحت رداع لكلا الدولتين من المستبعد تماما قيام حرب مباشرة لذلك تعمل كلا الدولتين بحرب الوكالة في اليمن وسوريا ولبنان بين وهابية السعودية وشيعية إيران وتحاول كل دولة توظيف قوتها الناعمة للتأثير علي الطرف الآخر.
إيران
وتتمثل قوة إيران الناعمة في رأي الباحث الايراني “عباس مالكي” في اللغة الفارسية وفي التشيع واعتبره الباحث جزءا من القوة الناعمه وهذا يكذب إدعاءات إيران بمحاولة نشر اللغة ولكن التشيع وهذا ما ظهر جليا في البحرين والدعم الإعلامي والسياسي لشيعة البحرين كما ذكره مركز واشنطن وخاصة إحتجاجات 2011 وخلايا التجسس التابعة لفيلق القدس بالحرس الثوري الايراني وتصريحات ايران بأن البحرين مقاطعة ايرانية مقتطعة.
السعودية
لم تفكر يوما في استخدام القوة الناعمة في مواجهة التوغل الإيراني في المنطقة ولكن تسارع بالحشد الميداني ضد إيران حتي لا تضع موضع قدما لها ومثال صريح علي ذلك خط فهد وهو خط وهمي رسمته المملكة السعودية يقسم الخليج من الشمال إلي الجنوب يخضع لحماية المملكة أثناء حرب الخليج الاولي وعندما تعدت إيران الخط تم إسقاط طائرتين من طراز إف4 ولم تحاول إيران الاقتراب مجددا، ثم الحشد التي قامت به السعودية لاكتساب الشرعية الدولية لدخول اليمن من خلال التحالف العربي التي أصبحت عملياته تستنزف ما تبقي للسعودية من جاذبية إقليمية في المنطقة، والمدقق للسياسة السعودية يلاحظ صدام هذه السياسة وكأن ليس لديها خيار آخر غير العمل الميداني وليس العمل في الداخل الايراني.
تتحرك السعودية بدوافع الفوائض البترولية التي تحققها لتوسيع دورها الإقليمي في المنطقة لكن لم نسمع عن دعم سعودي سواء إعلاميا أو سياسيا لتمكين السنة في إيران أو المطالبة بحقوقهم رغم أن الصراع بينهما علي أشده لكن يكتفي ساسة السعودية بسياسة الحشد ولا تستطيع التشهير بسياسات إيران الطائفية أو دعم إرهاب الحوثيين أو نظام الاسد كل ما تجيده السعودية هو الحشد الإعلامي التي تقوم به لحشدها الميداني مما يبرز قصور كبير في السياسة الخارجية السعودية منذ نشأة المملكة.
علي المملكة مراجعة سياساتها الخارجية تجاة إيران ومحاولة استخدام بوصلة الأماكن المقدسة لتحريك سنة إيران تجاه ولاية الفقيه والمطالبة بالمساواة لكافة المواطنين بدلا من ميزانيتها الدفاعية المرهقة والتي تعد الثالثة عالميا والتي لا تضمن إستمرارها بعد نضوب البترول.