في فيلم Inception يقوم ليوناردو دي كابريو بالتدخل في أحلام الآخرين لكي يزرع بذرة فكرة معينة في أذهانهم، الفانتازية العالية جعلتنا نراقبها من منطلق الاستحالة، لهذا سوف تصاب بالذهول، إن عرفت أن هناك بعض الباحثين قاموا بتطوير طريقة لـ “زرع” الفكرة في الحياة الحقيقية ومن دون أن يعرف أصحابها بذلك!
بلا فأس ولا محراث: كيف تزرع فكرة في ذهن إنسان؟
الفكرة الأساسية تقوم على نوم البشر المراد زرع الفكرة في أذهانهم، داخل جهاز تصوير وظيفي بالرنين المغناطيسي fMRI، ثم يقومون بلعب لعبة، لتقوم الآلة بعمل مسح لأدمغتهم أثناء اللعب، ثم ترد اللعبة بإعطائهم ردود فعل على ذلك، وبهذا، تتطور لديهم اتصالات دماغية جديدة، في عملية تسمى “الارتجاع العصبي”، حيث تستخدم البيانات الواردة من جهاز الرنين المغناطيسي لإخبار الشخص بما يدور في مخه، ما يسمح لك بالتحكم بنشاط المخ الخاص بك، ببساطة، الأمر أشبه برسائل مموهة للمخ.
أفضل تطبيق لهذه النظرية تم بواسطة العالم الياباني تاكيو واتانابي، المتخصص في أبحاث الاتصالات المتقدمة، وقد سمى طريقته “فك شفرة الارتجاع العصبي”، وهو يقوم بتنفيذ طريقته عبر إجراء مسح للمخ بآلة fMRI، لتعليم الشخص مهارة أو ربط معين، دون أن ينتبه الشخص أنه يتعلم شيئًا معينًا، وهو ما قام به بالفعل عندما علم الأشخاص المشاركين في تجربته أن يروا اللون الأحمر عند النظر لصورة شرائط سوداء وبيضاء، ودون أن يمتلكوا أدنى فكرة أنهم تلقوا تدريبًا على الأمر!
عمرها أكثر من 50 عامًا: أقدم مما نتخيل
جذور الفكرة لا تعود إلى الفيلم كما تتخيل، ففكرة “الارتجاع العصبي”، جاءت من بحث في العام 1960، أظهر أن الإنسان يستطيع تنظيم ضربات قلبه أو حرارته فقط بالتفكير في ذلك، فأدمغتنا تستطيع تنظيم الحرارة وضربات القلب، ما جعل العالم الياباني يفكر بتجربة ما إن كان هذا سينفع مع أنشطة أخرى للمخ.
عملية زرع الفكرة تستغرق عدة أيام، في البداية تمسح آلة الرنين المغناطيسي أدمغتهم كي تعرف شكل دماغهم المعتاد، وتستطيع تحديد حدوث نشاط في المخ فيما بعد، ثم يعرض الأشخاص موضع التجربة لثلاثة أيام من تدريب الارتجاع العصبي الجدي، ويقوم العلماء المراقبون بأمرهم بالنظر لمنتصف الشاشة أمامهم، وعندما تظهر الأشرطة السوداء العمودية على الشاشة، يأمرهم العلماء بمحاولة تنظيم نشاط مخهم بشكل ما، وبعد أن تختفي الشرائط، يتم إعطائهم درجة على أدائهم، ودفع مقابل مادي لهم على ذلك.
لكن، العلماء لا يذكرون كلمة واحدة للأشخاص عن التفكير بالألوان، ولا يأمرونهم بـ “رؤية” شيء معين في أدمغتهم، فقط يقولون لهم أن ينظموا نشاط مخهم، وهكذا، أدى كل شخص التدريبات 500 مرة، ثم قاموا بمنح درجة عالية للأشخاص الذين تحرك نشاط دماغهم معبرًا عن اللون الأحمر، حتى لو كانوا يبحثون بعيونهم عن الأشرطة البيضاء والسوداء، وقد كان هدف تدريب الارتجاع العصبي، هو بالضبط، بتقوية الوصلات في دماغ الشخص بين رؤية الأشرطة العمودية ورؤية اللون الأحمر.
بعد التجربة، سأل الباحثون الأشخاص عما كانوا يفكرون فيه عندما أحرزوا الدرجة العالية، والإجابات كانت مختلفة بشكل لا يصدق، أحدهم قال إنه تخيل حمارًا وحشيًا، الآخر تذكر مباراة جمباز أدى فيها بشكل جيد، وهناك آخر تذكر موقفًا تصرف فيه بعنف، الخلاصة أنه لا يوجد أحد منهم جاء على ذكر الألوان! لكن، في اليوم التالي أجابوا بأنهم رأوا شيئًا مصبوغًا بالأحمر، بعكس الأشخاص الذين لم يتلقوا تدريبات الارتجاع العصبي.
هل يمكن أن يعالج زرع الأفكار مرضى الاكتئاب والتوحد؟
العالم واتانابي يعتقد أن هذا الأسلوب قد ينفع في علاج اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والتوحد، ففي حالة الاكتئاب مثلًا، يمكن إعطاء الناس درجة عالية عندما يكون نشاط مخهم أقل اكتئابًا، أما بالنسبة للتوحد فقد يساعد هذا في تعطيل المناطق المخية المرتبطة بالتوحد، وقد بدأ واتانابي الأبحاث في ذلك بالفعل، الأمر يحتاج إلى خداع المخ، ففي حالة الاكتئاب، لا تستطيع أن تقول للشخص “كن سعيدًا”، وإنما يحتاج الأمر إلى خدعة وهمية، تزرع الفكرة في رأسه دون أن يشعر، مثلما حدث في فيلمInception، ربما لا يزال الأمر باكرًا، ولا توجد ضمانات على أن الأمر سينجح، لكنه يستحق المحاولة بالطبع.