أدى التناحر بين الفصائل المتقاتلة في ليبيا على إبقاء الإنتاج النفطي في البلاد عند مستوى قريب من 350 ألف برميل يوميًا وهو أدنى مستوى للإنتاج منذ الإطاحة بمعمر القذافي في ثورة فبراير في العام 2011، والتي تبعها حالة عدم استقرار في عموم البلاد سيطرت على إثرها الفصائل المقاتلة على الموارد النفطية في البلاد، وقد أفرزت تلك الحالة تشظي البلاد بين الفصائل المتناحرة أدت إلى تقاسم حقول وآبار ومرافئ النفط في البلاد، علمًا أنها تعد ثروة البلاد القومية التي تعتمد الحكومة على 90% من إيراداتها التصديرية.
تصدر ليبيا الخام الخفيف من ستة مرافئ رئيسية على طول ساحل البلاد على البحر المتوسط الممتد على مسافة تقدر بـ 2000 كيلومتر، منها خمسة مرافئ في الجزء الشرقي للبلاد وهي السدرة ورأس لانوف ومرسى البريقة والزويتينة وطبرق ومرفأ الزاوية في المنطقة الغربية.
تملك ليبيا أكبر احتياطيات نفطية في إفريقيا والمقدرة بنحو 48 مليار برميل.
وبعد تشكيل حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج برعاية الأمم المتحدة سعت لتوحيد الجهود ولم الشمل من جديد وإيقاف النزيف في الاقتصاد الوطني، حيث استطاع حرس المنشآت النفطية السيطرة على ميناءي رأس لانوف والسدر المغلقين منذ العام 2014.
وبحسب المتحدث باسم قوات حرس المنشآت النفطية الليبية الذي أفاد لروتيرز فإن الحرس وبالتعاون مع المؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة الوفاق الوطني ستتخذ الترتيبات اللازمة لإعادة فتح الحقول المغلقة في الزويتينة ورأس لانوف والسدرة الواقعة في منطقة الهلال النفطي لاستئناف العمل بها وضخ النفط الخام للأسواق، ويذكر أن الطاقة التصديرية لموانئ الزويتينة والبريقة ورأس لانوف تبلغ حوالي 500 ألف برميل يوميًا، وفي حال عودة العمل في تلك المرافئ والحقول فإنه من المتوقع أن يرتفع حجم إنتاج ليبيا من النفط الخام إلى مليون برميل يوميًا.
ومن شأن التنسيق بين المؤسسة الوطنية للنفط التابعة للمجلس الرئاسي في حكومة الوفاق الوطني وحرس المنشآت النفطية أن ينعش الآمال نحو عودة قطاع النفط الليبي للضخ لمستويات ما قبل الثورة الليبية عام 2011 على الرغم من الأضرار البالغة التي لحقت بالبنية التحتية النفطية من موانئ وخطوط أنابيب وخزانات ومستلزمات أخرى للإنتاج النفط وإصلاحها يحتاج لأعوام لتعود كما كانت عليه.
وسبق إعلان وزير الخارجية المفوض بحكومة الوفاق الشهر الماضي يونيو/ تموز، التوصل لاتفاق بين القوى المسلحة في ليبيا لتوحيد جهود إنتاج وتصدير النفط في البلاد من التشرذم بين بنغازي وطرابلس، وقد وافقت الفصائل على توحيد إدراتي مؤسسة النفط في بنغازي وطرابلس في إطار إدارة واحدة.
فالخلاف القائم على إدارة النفط في البلاد كان يكلف ليبيا خسائر تقدر بـ 10 مليون دولار يوميًا وفاقد إيرادات بلغ حتى منتصف الشهر الماضي 120 مليون دولار بحسب ما نقل عن رويترز.
تسعى المؤسسة الوطنية للنفط أن تكون هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن بيع النفط في ليبيا.
والمؤسسة منذ أوائل نيسان/ أبريل الماضي أصبحت تتبع سلطة حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، وفي بيان للمؤسسة ذكرت فيه أنها تعمل مع رئيس الحكومة فايز السراج والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق على ترك حقبة الانقسامات وأنه بات هناك إطار قانوني دولي للعمل من خلاله”.
التوافق بين حرس المنشآت والمؤسسة الوطنية للنفط له دور مهم في تحفيز عمل حكومة الوفاق نظرًا لاعتماد ليبيا على نحو 90% من إيرادات تصدير النفط، فالسحوبات من المصرف المركزي من احتياطي النقد الأجنبي بلغت نحو 70 مليار دولار منذ ثورة فبراير/ شباط 2011 كما أن أصول الهيئة الليبية للاستثمار لا تزال مجمدة، علمًا أن الهئية تدير الصندوق السيادي الليبي الذي يبلغ رأسماله 60 مليار دولار ويعد ثاني أكبر صندوق في إفريقيا ويحتل المرتبة الـ 20 على مستوى العالم حسب معهد صناديق الثروة السيادية وثاني أسوأ صندوق سيادي في العالم من حيث الشفافية بحسب معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.
كما أن الاتحاد الأوروبي سيسارع لتقديم يد العون للحكومة الليبية الجديدة في حال طلبت المساعدة وذلك لإيقاف تدفق المهاجرين إلى أوروبا من ليبيا فضلاً عن الفائدة التي ستجنيها المصافي الأوروبية التي توقف بعضها نتيجة تراجع إنتاج وتصدير النفط الليبي، ويصنف نفط ليبيا بقلة كثافته وعدم احتوائه على نسبة كبيرة من الكبريت.
ماذا يعني هذا لأسواق النفط؟
غاري شيلنغ سبق وتوقع أن يهبط سعر النفط مجددًا إلى دون 20 دولارًا للبرميل وربما يلامس مستوى 10 دولار مستشهدًا بعدة أمور منها عودة ليبيا للإنتاج كما في سابق عهدها قبل الثورة إلى حدود مليون ونصف برميل يوميًا.
يقف سعر برميل النفط اليوم عند 45 دولارًا للبرميل تقريبًا.
فالاتفاق الحاصل بين مؤسسة النفط الليبية وحرس المنشآت من شأنه أن ينظم عملية الإنتاج والتصدير إلى الأسواق العالمية ويزيد من وتيرة الإنتاج، وهذا يعزز المعروض في الأسواق العالمية التي تعاني أصلاً من التخمة والفائض في العرض الذي يقدر بين 1.5 إلى 2 مليون برميل يوميًا، ولو قيس ذلك مع ما يتم في دول أخرى كما تخطط له كل من إيران والكويت والعراق ودول أخرى لزيادة الإنتاج فإن الأسعار ستتجه للهبوط أكثر في حال لم يتم امتصاص الفائض من خلال اتفاقية بين دول الأوبك والدول خارجها باسترتيجية متفق عليها بين الجميع هذا فضلا عن تباطؤ معدلات النمو العالمية والتي تنبئ بطلب أقل للنفط على المدى القريب والمتوسط.