هل توجد مسوغات لحدوث تقارب تركي مصري في هذه الفترة؟

screen_shot_2016-07-08_at_5

يُتابع الجميع التحولات الأخيرة التي تمر بها السياسة التركية الخارجية على مدار الأيام الماضية، حيث ذهبت تركيا لتسوية الملفات الخارجية الملتهبة مع جيرانها مع بروز وعود بانتهاج سياسة جديدة تحد من التوترات الحادثة بين تركيا والعديد من دول الإقليم.

كانت هذه السياسة قد بدأت إبان فترة تواجد البروفسير أحمد داوود أوغلو في رئاسة الوزراء، حيث دخلت تركيا في مفاوضات مع دولة الإمارات العربية المتحدة لتسوية علاقاتهما بعدما مرت بفترة صعبة تبادل فيها الجانبان الاتهامات بصورة غير مسبوقة، إلى أن توصل الجانبان إلى ضرورة تجاوز الخلافات الحالية وقد برزت وقتئذ وساطة سعودية في الأمر.

وفي عهد أوغلو أيضًا انطلقت المفاوضات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي انتهت منذ أيام بعقد اتفاق مصالحة بين الجانبين تعود العلاقات بموجبه إلى طبيعتها بعد تأزمها لـ 6 سنوات متتالية، ثم برزت ملامح سياسة تصفير المشاكل بعد توقيع الاتفاق التركي الإسرائيلي في موقف تركيا من روسيا الذي بدا أكثر مرونة من ذي قبل، حيث أنتج تجاوزًا لحادثة إسقاط الطائرة الروسية بعد رسالة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين حملت اعتذارًا ضمنيًا، توالت بعده خطوات عودة العلاقات الطبيعية بين الجانبين على أكثر من صعيد.

هذه الملامح بالطبع انعكست على كافة القضايا الخارجية المتشابكة في الإقليم فيما يتعلق بتركيا، ومنها بالتحديد الموقف التركي من النظام المصري الوليد، حيث خرجت حينها أكثر من رسالة من مصادر تركية مسؤولة تتحدث عن ضرورة عودة العلاقات التركية المصرية إلى طبيعتها، ملمحين إلى أن الخلافات السياسية لا يجب أن تنعكس على العلاقات بين الشعبين ولا سيما الجانب الاقتصادي الذي تضرر بشدة من التوترات بين مصر وتركيا على خلفية الانقلاب العسكري الذي حدث في مصر منذ 3 سنوات.

ومؤخرًا نشر موقع ترك برس المتخصص في الشؤون التركية خبرًا أعلن فيه نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم شعبان ديشلي عن أن وفدًا رفيع المستوى من حزب العدالة والتنمية يستعد لعمل زيارة رسمية لجمهورية مصر العربية، وذلك تمهيدًا لتطبيع العلاقات مع الجانب المصري، وأضاف ديشلي أن الهيئة ستزور مصر بعد عطلة عيد الفطر.

وبجانب هذا نقلت صحيفة غونيش التركية عن ديشلي قوله إن هذه الزيارة ستكون في سياق تمهيد  لزيارات أخرى على مستوى الوزراء بين البلدين.

وقد رأى متابعون أن هذا التحرك التركي جاء وفقًا لسياسة الحكومة الجديدة في حل الأزمات القائمة بين أنقرة ودول المنطقة، خاصة بعد قيام أنقرة مؤخرًا بتطبيع العلاقات مع روسيا وإسرائيل.

هل يوجد تضارب في الداخل التركي تجاه مصر؟

الموقف التركي من النظام في مصر يبدو متضاربًا بعض الشئ، إذ أن التصريحات الرسمية الصادرة بخصوص الموقف السياسي التركي من النظام المصري تؤكد رفضهم لممارسات النظام من بعد الانقلاب العسكري، وإن كانت حدة هذه التصريحات قد خفت كثيرًا عن ذي قبل، بعدما كانت لا تعترف بالنظام المصري الجديد بالكلية، إلى أن اتجهت للتعامل مع الأمر الواقع لكن بمتطلبات سياسية منها الإفراج عن المعتقلين وعلى رأسهم الرئيس السابق محمد مرسي.

ثمة تصريحات أخرى تخرج لتؤكد أن المواقف السياسية لا يجب أن تنعكس على العلاقات الكلية بين الجانبين وبالطبع أهمها العلاقات الاقتصادية، لذا تطالب هذه الجهات بتنحية المواقف السياسية الصفرية جانبًا لصالح تطبيع العلاقات تدريجيًا بما يخدم مصلحة البلدين.

وبين هذا وذاك يبدو أن هناك رغبة قوية داخل الإدارة التركية لتطبيع العلاقات مع مصر إلى حد يغير من واقعها الحالي بحيث تنتقل من حالة العداء إلى صيغة أفضل بين البلدين، لكن لا أحد يعرف هذه الصيغة حتى الآن، في ظل إصرار أنقرة على احتضان مجموعة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين ووسائلهم الإعلامية، وهو ما يُثير حفيظة الجانب المصري الذي يعتبر هذه التصرفات عداءً صريحًا للنظام في القاهرة الذي يصنف الجماعة وأعضائها ككيان إرهابي.

هل توجد أطراف تركية تعمل على عرقلة هذا التقارب؟

رغم ما تبديه أنقرة من مرونة حالية تجاه الموقف من مصر، إلا أنه مؤخرًا صدر تقرير صحفي أكدت فيه صحيفة “حرييت” التركية المعارضة في تقرير منشور لها انعقاد ثلاثة لقاءات بين مسؤولين في المخابرات المصرية، ومسؤولين من حزب العمال الكردستاني، في العاصمة المصرية القاهرة، خلال الأشهر الأخيرة، وذلك بالاعتماد على تقارير استخباراتية تركية.

تشير هذه التقارير إلى أن اتصالات سرية بين الجانبين تمت بوساطة عراقية، حيث سافر وفد من حزب العمال الكردستاني إلى القاهرة عبر منحه تأشيرات لمصر من خلال السفارة المصرية في بغداد.

وتضيف هذه التقارير أنه كان في استقبال وفد الحزب المصنف كمجموعة إرهابية في تركيا وفدًا من قيادات المخابرات العامة المصرية، الذين طلبوا من حزب العمال الكردستاني مساعدتهم في جمع المعلومات عن قيادات جماعة الإخوان المسلمين المصريين المقيمين على الأراضي التركية، وفي المقابل تعهدت المخابرات المصرية بتقديم الدعم المالي والتسليح للحزب.

تسريب مثل هذه المعلومات لن يكون في صالح التقارب بين الجانبين أبدًا، وقد يرى البعض أن خروج هذه المعلومات في هذا الوقت بالتحديد، سيزيد من وتيرة العداء بين أنقرة والقاهرة.

في حين أن البعض الآخر يرى أن القاهرة تبتز الجانب التركي بالرد على دعم جماعة الإخوان المسلمين، بدعم لحزب العمال الكردستاني كنوع من الضغط الممارس على الجانب التركي بشكل يمكن النظام من الحصول على ورقة مساومة أمام الأتراك.

كما ذهب مراقبون إلى التشكيك في المعلومات الواردة بهذا التقرير نظرًا لعدم منطقية طرحها، إذ يتحدث التقرير عن الاستعانة بحزب العمال الكردستاني في مراقبة أنشطة جماعة الإخوان في تركيا، في حين أن النظام المصري لديه القدرة على فعل ذلك من خلال وسطاء كثر في تركيا ليس من بينهم الحزب، وهو ما يعزز أن هذا التقرير قد يستخدم في أغراض الدعاية من الجانبين التركي والمصري.

ما مسوغات استعادة العلاقة في هذا التوقيت؟

استعادة العلاقات بين تركيا ومصر واستئنافها بصورتها الطبيعية أمر شبه مستحيل في هذه الأونة على الأقل، أما أن تعود بشكل تدريجي فهذا هو الأقرب للجانب التركي وكذلك للجانب المصري الذي يسعى لفض الشراكات الإقليمية بين جماعة الإخوان وبعض الدول في المنطقة، وقد كانت البداية بدولة قطر التي خفضت من سقف دعمها للجماعة وتقاربت مع النظام المصري بصورة غير مسبوقة منذ وقوع الانقلاب العسكري.

أما على صعيد الجانب التركي فيمكن النظر إلى المصالح الاقتصادية في المقام الأول التي ستكون المحرك الأول والدافع الرئيسي لمحاولة التطبيع، حيث تعد مصر أحد أهم الأسواق المستهلكة في الشرق الأوسط بالنسبة لتركيا، وقد انخفضت قيمة التجارة بين البلدين بفعل الواقع السياسي، وعليه فإن هناك ضغوطًا اقتصادية داخل مؤسسة الحكم في تركيا لتجاوز هذا الواقع إلى المصالح الاستراتيجية.

وكذلك التحركات التركية الأخيرة تجاه الإمارات ودولة الاحتلال الإسرائيلي وروسيا قد تسهل إعادة طرح صياغة جديدة لعودة العلاقات بين أنقرة والقاهرة تدريجيًا في أقرب وقت، سيما أن مصر تتمتع بعلاقات وثيقة في هذه الأونة بهذه الأطراف، علاوة على التقارب التركي مع المملكة العربية السعودية أحد الرعاة الإقليميين للنظام المصري.

ولكن حتى الآن لا أحد يعلم ماذا ستقدم تركيا في مقابل هذا التقارب للنظام المصري الذي سيطلب بالتأكيد التضييق على أنشطة جماعة الإخوان في تركيا، ولا يعرف حتى الآن الموقف التركي من هذا المطلب المتوقع.