المحافظة على سعر غير حقيقي للجنيه المصري أمام الدولار كان خطأ برأي طارق عامر محافظ المصرف المركزي المصري بحسب مقابلات أجريت معه من قبل ثلاثة صحف مصرية نشرت يوم الأحد الماضي 3 يوليو/ تموز، وتحليل هذه الجملة قائم على أن اتباع سياسة نقدية من قبل المركزي قائمة على تثبيت سعر الصرف كان خطأ فالدفاع عن سعر صرف ثابت كلف خزينة الدولة مليارات الدولارات خلال السنوات الخمسة الماضية، فالبنك المركزي حصل خلال السنوات الماضية على ما يقرب من 22.5 مليار دولار ضاع أغلبها على استهداف سعر الصرف بينما كان الأولى أن يتم استخدامها في إصلاح السياسة النقدية ومنظومة النقد الأجنبي كما يشير إليه طارق عامر.
سعر الصرف الثابت يعني سعر صرف غير حقيقي ويعني خلق سوق سوداء تنافس السوق الرسمية وعندها يقع المركزي رهينة دائرة مفرغة يلاحق سعر السوق السوداء ليعادل السعر الرسمي ويتبع إجرءات من شأنها أن تنفر المستثمر الأجنبي وتبعث بحالة من عدم الاستقرار المالي في الأسواق وتستنزف موارد المركزي. لذا ومن منطلق هذا الكلام فإن العديد من المحللين رأوا أن رؤية المركزي المستقبلية إسقاطًا على كلام طارق عامر تقتضي تخفيض قيمة الجنيه المصري في الفترة المقبلة.
ويضيف عامر بقوله أنه لن يكون فرحًا برؤية سعر صرف الجنيه أمام العملات الصعبة مستقر بينما المصانع متوقفة، حيث أشار أن انخفاض قيمة الجنيه له آثار إيجابية على تنمية الصادرات الوطنية من خلال رفع الميزن التنافسية أمام المنتجات الأخرى.
سأل نون بوست الباحث في الشؤون الاقتصادية في مصر أحمد طلب حول تلك التصريحات، وأفاد أن هناك عدة أسباب تدعو طارق عامر لخفض قيمة الجنيه من جديد، فاستمرار ضعف الموارد الدولارية سواء من السياحة أو من قناة السويس وتحويلات المصرين العاملين في الخارج، وحالة الفشل التي وقع بها طارق عامر في أكثر من مناسبة للسيطرة على السوق الموازية “السوداء” باستخدام عدة أساليب وأدوات، لذا كان من المتوقع أن يلجأ للسلاح الأخير القائم على تخفيض الفجوة بين السعر الرسمي والسعر الموازي.
استمرار ضعف الموارد الدولارية سواء من السياحة أو من قناة السويس وتحويلات المصرين العاملين في الخارج يضغط على سعر صرف الجنيه المصري.
ويكمل طلب أن المفاوضات لاقتراض الحكومة المصرية ما يقرب من 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي حسب ما أكدته العديد من المصادر، والقرض سيعطى بشروط وسيكون أحد تلك الشروط الأساسية للموافقة على القرض هو بند إصلاح سوق الصرف وهو ما يحاول عامر فعله. وكما ذكر عامر أن هذا الاتجاه يأتي في محاولة لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وتشجيع للصادرات الوطنية.
وأشار طلب أن القيام بتخفيض الجنيه لن يكون كاف لإنهاء المشكلة التي يعاني منها سوق الصرف والاقتصاد المصري، وأن كل محاولات الحكومة ومحافظ المركزي في معالجة أزمة سعر الصرف لا تمس المشكلة الحقيقة المتعلقة بضعف المصادر الدولارية في البلاد ولا تعدو حلولهم عن كونها مسكنات لا أكثر والاستمرار على هذا النحو يعطي السوق مناعة سلبية من التفاعل مع هذه القرارات، لذلك على المجموعة الاقتصادية في الحكومة المصرية أن تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها والتحرك فورًا نحو حلول حقيقية تقوم على إعداد خطط زمنية واضحة للإنعاش المصادر الدولارية في البلاد وإيجاد مصادر بديلة أخرى والتخفيف من الاعتماد المفرط على الاستيراد من الخارج لما يخلفه من ضغط على خزينة الدولار في المركزي وعدم الاعتماد فقط على رفع أسعار الجمارك والضرائب لأن هذه الإجراءات ثبتت فشلها وتضر المواطن البسيط بشكل مباشر.
أزمة مالية خانقة
تعاني مصر منذ فترة من أزمة مالية في العملة الصعبة قامت عدة دول خليجية على مدى الخمس سنوات الماضية بدعم احتياطي النقد الأجنبي في المركزي، ويرجع المحللين الاقتصاديين هذه الأزمة إلى تقويم الجنيه المصري بأعلى من قيمته الحقيقية، وفي محاولة من المركزي لتقريب قيمة الجنيه لقيمته الحقيقة عمد إلى خفض سعر الجنيه إلى 8.85 جنيه مقابل الدولار من 7.73 جنيه في مارس/آذار الماضي وأعلن أنه سينتهج سياسة سعر صرف أكثر مرونة. إلا أن السعر لا يزال أعلى من القيمة الفعلية للجنيه إذ يباع الجنيه في السوق الموازية (السوداء) بأكثر من 11 جنيهًا للدولار مقابل 8.88 جنيه في البنوك الرسمية.
يتوقع محللون أن سعر الصرف الموازي سيزيد إلى 12 جنيه للدولار مرتفعًا من 11 جنيه بعد تلميحات طارق عامر بسبب شح الدولار في الأسواق.
وقد حذرت شعبة المستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة من موجة غلاء قد تصيب أسعار السلع في السوق المحلية في حال تم خفض قيمة الجنيه مرة أخرى، فأكثر من 60% من احتياجات مصر تستورد بالدولار كما أن أكثر من 50% من مستلزمات الإنتاج التي تحتاجهاالمصانع تأتي من الخارج، ومصر تستورد ما نسبته 95% من الزيوت و100% من الشاي وتعد أكبر مسود للقمح في العالم وبالتالي فإن أي خفض على قيمةالجنيه سيؤثر سلبًا على فاتورة الواردات ويرفع من الأسعار في الأسواق المحلية ومعدلات التضخم ولن يكون له فائدة ملموسة على الاقتصاد الوطني.
فكيف يكون تخفيض قيمة العملة له فائدة على الاقتصاد المحلي والدفاع عنه في الفترات الماضية كان خطأ!!