نشأت كيانات مصرية معارضة واندثرت أخرى على مدار ثلاث سنوات مرت من عمر الانقلاب العسكري في مصر، حاولت جميعها الوقوف بوجه النظام الوليد الذي يحاول تثبيت أركانه، لكنها لم تفلح حتى اللحظة في الصمود أمام مهمة معارضة هذا النظام بالصورة التقليدية المتعارفة في مصر على اختلاف القوى السياسية التي وقفت خلف هذه التجمعات.
وظلت التحديات الأبرز متمثلة في الانقسام المجتمعي الحاد الذي حدث بعد انقلاب الـ 3 من يوليو، وعدم قدرة الفصائل المعارضة على الاجتماع على كلمة سواء، بالإضافة لغياب أي مشروع واضح يقدم كبديل للشعب المصري قبل الدعوة إلى التغيير النظام في ظل حالة سُبات سياسي.
كان آخر هذه المحاولات “إعلان فبراير”، الذي أطلقه بعض شباب ثورة يناير من تيارات معارضة مختلفة، في الـ 27 من فبراير الماضي، لكن سرعان ما اختفت المحاولة وذهبت أدارج الرياح.
كيان جديد
انفرد موقع “عربي 21” بخبر اقتراب شخصيات مصرية معارضة “لم يسمها” من الإعلان عن كيان معارض جديد جامع لأطراف الثورة المصرية، ليتولى مسؤولية التعبير عنها في الداخل والخارج تحت اسم “الجميعة الوطنية للشعب المصري”.
أورد الموقع أن هذا الكيان الجديد يستلهم تجربة الحملة المصرية ضد التوريث، والجمعية الوطنية للتغيير، التي ظهرت في أواخر عصر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وقد أوضحت مصادر لـ “عربي 21” أنه سيتم الإعلان، خلال مؤتمر صحفي عالمي، يُعقد الأيام المقبلة، كذلك عن رؤية واستراتيجية لمواجهة سلطة الانقلاب العسكري، وأيضًا عن مشروع وطني جامع للمرحلة الانتقالية التي ستلي ذلك.
وأضافت المصادر أن صياغة هذا المشروع استغرقت فترة طويلة (أكثر من عام ونصف)، وتم تعديله أكثر من مرة سواء بالحذف أو الإضافة من أجل الوصول إلى أكبر قدر ممكن من التوافق بين مختلف القوى والشخصيات الوطنية والثورية، كاشفة عن أنهم أدخلوا مؤخرًا تعديلًا ينص على “عودة شرعية الرئيس محمد مرسي”، وفق ضوابط بعينها، بحسب ما ورد في خبر الموقع.
يحمل مشروع الكيان القادم اسم “وطن للجميع.. وثائق تأسيسية لإنقاذ الدولة المصرية وتأسيس النظام الديمقراطي”.
حيث يؤكد القائمون على المشروع الجديد أن فاعلية المبادرات السياسية تقتضي التقدم خطوات إلى الأمام نحو تجميع الجهود، وإيجاد مرجعية موحدة للثورة، وعقل مدبر لها، يتفاعل بإيجابية مع التطورات السريعة ومطالب الشعب، ويكون قادرا على وضع الرؤى والغايات الكبرى، وكذلك الأهداف والمسارات المرحلية.
كما أكدوا على أن الجمعية سوف ينبثق عنها مكتب سياسي يقوم بالعمل التنفيذي والإعداد للثورة، وفرق عمل متخصصة تعكف على إعداد السياسات العامة والبرامج التفصيلية لإدارة البلاد وتوفير الاحتياجات المعيشية والأمن للمواطنين فور سقوط النظام.
ودعت المجموعة القائمة على هذا الكيان الجديد إلى تبني ما أسموه المسار الثوري في سبيل استعادة الحريات والديمقراطية والالتزام الكامل بالسلمية واللاعنف، كمبدأ أصيل واستراتيجية ثابتة، لتحقيق القصاص العادل وسرعة الوفاء لحقوق الشهداء والمصابين والمعتقلين، من خلال نظام مستقل للعدالة الانتقالية يضمن كشف الحقائق، وجبر الأضرار، ومحاسبة المتورطين، والإصلاح المؤسسي، والمصالحة المجتمعية.
وأوضحوا أنه ستكون بالجمعية سكرتارية عامة دائمة تقوم بالمهام الإدارية واللوجستية، ومكتب سياسي عبارة عن هيئة استشارية من الخبراء والأكاديميين، ولجنة حل الأزمات والتحكيم، تُشكل من شخصيات قانونية وعامة تحظى بالاحترام والقبول، على ألا تكون في أية مناصب تنفيذية أو قيادية، ولجان متابعة ومراقبة لفرق العمل التابعة للمكتب السياسي، على أن تشكل من أعضاء الجمعية من خارج المكتب السياسي، واللجان التابعة له تٌشكل لجنة تحضيرية للمؤتمر التأسيسي للجمعية يكون من مهامها الترشيح والبت في عضوية أعضاء الجمعية.
ووفقا لنص المشروع الذي نشره موقع “عربي21″، يمثل المكتب السياسي الذراع التنفيذي للجمعية الوطنية، وهو الجهة المسؤولة عن تنفيذ قراراتها والحراك السياسي في الداخل والخارج، ويشكل لجان فنية للمساعدة هي لجنة اتصال سياسي، ولجنة اتصال خارجي، ولجنة حقوقية، ولجنة إعلامية وإلكترونية، واللجنة المالية، والعضوية، وفرق عمل متخصصة لوضع خطط وبرامج إدارة البلاد بعد نجاح الثورة.
يضع هذا الكيان خطة للوصول إلى مرحلة انتقالية تبدأ هذه المرحلة الانتقالية- وفقا لهذا التصور المقترح- فور التخلص مما أسموه “دولة الظلم والفساد”، ويتم خلالها إدارة المرحلة الانتقالية على أسس توافقية وتشاركية، ووضع قواعد النظام الديمقراطي التنافسي وتقوم على 3 مستويات هي “الديمقراطية التوافقية (مدتها 18 شهر)، والديمقراطية التشاركية (مدتها 18 شهر)، وحتى الوصول للديمقراطية التنافسية وترسيخ النظام الديمقراطي”.
كما في تصور هذه الجمعية للمستقبل أن يكون هناك مجلس رئاسي يشكله البرلمان من 3 شخصيات ممثلة بالتيارين المدني والإسلامي والمؤسسة العسكرية، وتحظى بإجماع وطني، وتتولى الهيئة المهام البروتوكولية ومهام الإشراف على تنفيذ السياسات العامة للثورة، وتخضع الهيئة الرئاسية لرقابة البرلمان.
وكذلك ستكون هناك حكومة انتقالية يتوافق عليها البرلمان تعينها الهيئة الرئاسية، وتتشكل من رئيس حكومة من التكنوقراط، وتقسم الوزارات إلى أربع مجموعات يترأس كل منها نائب لرئيس الوزراء على أن يمثل هؤلاء النواب التيارات السياسية الرئيسية.
كما يفترض أن تتشكل هيئة تأسيسية من قبل برلمان الثورة لوضع الدستور، وعرضه للحوار المجتمعي والتعديل قبل الاستفتاء عليه في نهاية هذه المرحلة، مع استمرار عمل مؤسسات المرحلة “الديمقراطية التوافقية” ، واستمرار عمل اللجان والمجالس النوعية ، والشروع في إعداد الدستور الدائم للبلاد ومنظومة القوانين المنظمة للحياة السياسية، واستكمال المصالحة الوطنية وإعادة التماسك المجتمعي.
وتناول المشروع المقدم من هذا الكيان مقترحات أكثر تفصيلًا فيما يتعلق بملامح المرحلة الانتقالية، وطرق شروعهم في تنفيذها، فيما يذكر أنه يعد المشروع الأول للمعارضة المصرية الذي يتناول أمورًا تفصيلية كهذه في ظل النظام الحالي، وينتظر كثيرون معرفة القوى السياسية المشاركة في هذا المشروع الجديد الذي لا يعرف مصيره حتى الآن.