يصفه البعض بأنه الأم تريزا في باكستان، لكن شيوخًا يُكفرونه هناك أيضًا! إنه عبدالستار إيدهي، الذي تُوفي أمس عن عمر يناهز 88 عامًا، لا يعرف الكثيرون أن صاحب جمعية “إيدهي” الخيرية الباكستانية التي تملك أكبر عدد من سيارات الإسعاف في العالم قد بدأ حياته العملية فقيرًا، قبل أن ينخرط في العمل في مجال توفير الخدمات الإنسانية المجانية، وكانت خدمة سيارات الإسعاف البداية، ومن ثم توسعت لتشمل إقامة دار للأيتام والأطفال غير الشرعيين، ليصبح عبد الستار إيدهي أشهر فاعل خير في باكستان، وُلد إيدهي عام 1928، وهو ينحدر من عائلة تجار من ولاية غوجارات في الهند، انتقل إلى باكستان عام 1947 ليبدأ عمله الخيري عام 1951.
تحولت خيمة عبدالستار إيدهي العلاجية في عام 1957، والتي أقامها من أجل مداواة المرضى من عدوى الإنفلونزا المنتشرة، إلى أكبر إمبراطورية خيرية في باكستان، حتى تعجب الباكستانيون من عدم حصوله على جائزة نوبل للسلام منذ عدة سنوات، فهو الاسم الذي تجده على سيارات الإسعاف في كل مكان بباكستان، وهو الاسم الذي يعتلي لافتات المطاعم الخيرية المجانية للفقراء، كما أنه الرجل الذي يرد بنفسه على اتصالات المحتاجين بمؤسسته الخيرية، فلا عجب من ذلك، فغرفة نومه تحتل مكانًا متواضعًا خلف مكتب عمله.
تحتوي إمبراطورية عبدالستار إيدهي على أسطول لسيارات الإسعاف يحتوي على 1200 سيارة، والعديد من المراكز والمستوصفات الطبية، كما تحتوي على المقابر الخيرية، والعديد من ملاجئ الأيتام، وملاجئ للنساء كذلك.
على الرغم من حب العامة لعبدالستار إيدهي، إلا أن له أعداءً وكارهين كذلك، أولئك من يحبون أن ينعتوه بالكافر، ففي شهر أكتوبر من العام الماضي، تم السطو على مقر مؤسسة إيدهي الخيرية بواسطة ثمانية رجال مسلحين، وتم سرقة خمسة كيلوجرامات من الذهب، ومبلغ يُقدر بمائتي ألف دولار، وهي الأموال التي تقوم المؤسسة بتخزينها وحفظها لكل من لا يقدر أو لا يرغب في حفظ أمواله في البنوك.
لم يكن كارهو مؤسسة إيدهي الخيرية من السارقين فقط، فعلى الرغم من تعويض الأموال المسروقة عن طريق تدفق تبرعات العامة للمؤسسة، إلا أنه تم محاربة عبدالستار إيدهي عن طريق الشيوخ ومكافحة حكومة باكستان، حيث أشارت إلى ذلك زوجته بلقيس في حديث لها بأن ما يفعله زوجها من المفترض أن تقدره الحكومة وتماثله في الفعل، لا أن تلومنا وتكافحنا.
على عكس عبد الستار إيدهي، تم تأسيس العديد من المؤسسات الخيرية الموازية لمؤسسة إيدهي في نفس المدينة كراتشي في باكستان، واحدة منها تخص “حافظ سعيد” المطلوب من قِبل الحكومة الهندية بسبب تدبيره المزعوم للحادث الإرهابي على مدينة مومباي عام 2011، ليهرب سعيد إلى كراتشي في باكستان ويؤسس منظمة الفلاح الخيرية بأسطول لسيارات الإسعاف يحتوي على 12 سيارة، إلا أن غرض المؤسسة ليس خيريًا في المقام الأول، بل يتخذها حافظ سعيد منصة لتدريب ودعوة الجهاديين ضد الهند، ليأتي اسمها ملاحقًا لكل حادثة إرهابية تظهر في المنطقة، إلا أنه يأمل أن يتقدم على مؤسسة إيدهي خلال عامين، وهو الذي استنكره عبد الستار إيدهي في ذلك الوقت قائلًا بأن مؤسسته صار لها عقود في العمل الخيري، ولا يمكن لمؤسسة أن تتقدم عليها خلال عامين فقط.
تم وصف عبد الستار إيدهي بالكافر من قبل العديد من شيوخ مدينة كراتشي، زاعمين أنه لا يمتلك الأخلاق الدينية التي تسمح له بإدارة العمل الخيري في مصلحة العامة، كما يزعمون بأنه لا يصلي صلواته، حيث صرحت زوجته بلقيس لصحيفة الغارديان بأن هناك عداء واضح ضد مؤسسة إيدهي الخيرية من قِبل الجماعات الدينية التي تشكك في أخلاق ودين زوجها، بالإضافة إلى عدم قبول يصل إلى مرحلة العداء من الأحزاب السياسية.
توفى عبد الستار إيدهي البارحة عن عمر يناهز الثامنة والثمانين عامًا نتيجة لتدهور حالته الصحية بسبب مرضه بالفشل الكلوي في مستشفى كراتشي في باكستان، حيث رفض في يونيو/ حزيران عرضًا من الرئيس آصف علي زرداري بالعلاج خارج البلاد، وأصر على الذهاب إلى مستشفى حكومي في باكستان.
عبد الستار إيدهي هو الرجل الذي عُرف دومًا بصاحب إمبراطورية الخير في باكستان، ولقبه الآخرون بأنه الأم تيريزا، وقد حصل على جائزة رامون ماغساسي للخدمة الاجتماعية كأفضل مؤسسة خيرية وخدمة اجتماعية في المنطقة عام 1986، وهي المؤسسة التي يتولي أولاده وزوجته إدراتها منذ تدهور حالته الصحية التي انتهت بوفاته.
وعبر رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، عن حزنه لوفاة إيدهي، وقال إنه “يدعو الله أن ينزله الدرجات العليا في الجنة”، وأضاف: “لقد فقدنا واحدًا من كبار من خدموا الإنسانية، لقد منح الحب للضعفاء والفقراء والمحتاجين”، كما وصفته ملالا يوسف زاي، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، بأنه “شخصية أسطورية”، وقالت: “لقد عاش من أجل الآخرين وسعادتهم، لم أر مثله أبدًا”، ودعته للحصول على جائزة نوبل للسلام.
You changed our lives. I thank you for that sir. RIP the noble Abdul Sattar Edhi ji. pic.twitter.com/RxDEFfEfVU
— BOHEMIA (@iambohemia) July 8, 2016
“أنت غيّرت حياتنا، وأنا أشكرك على ذلك يا سيدي، ارقد في سلام”
It's sad Abdul Sattar Edhi is no more. Having worked in government hospitals I was mostly amazed how organized everything he instituted was.
— Dr. Nauman Niaz (@DrNaumanNiaz) July 9, 2016
“إنه لشيء محزن ألا يكون عبد الستار إيدهي بيننا بعد الآن، لقد عملت في مستشفيات حكومية، إلا أنني لم أر تنظيمًا كتنظيم مؤسساته الطبية”
Q: why ur ambulances help Christians/Hindus? #AbdulSattarEdhi: "cos the ambulance is more Muslim than u". #respecthttps://t.co/tl1qtqNLnz
— Dinesh Ghodke (@DineshGhodke) July 9, 2016
“لماذا تساعد سيارات الإسعاف الخاصة بمؤسستك المسيحين والهندوس؟ – لأن سيارات الإسعاف الخاصة بي مسلمة أكثر منكم”
كانت حرب عبدالستار الخيرية ضد التعصب والوحشية في باكستان، فهو لم يؤمن بالسياسة ولا فتاوى الشيوخ، ولا بالطمع والمصالح الشخصية، بل كان هدفه أن يعيش من أجل الإنسانية فقط.
في تعقيب سابق لإيدهي نفسه على أقوال الشيوخ الكارهه له قال بأنه يعترف بكونه ملحدًا لا يستحق جنتهم، فهو لن يذهب إلى الجنة التي سيذهب إليها هؤلاء، بل قال بأنه سيذهب إلى الجنة التي ستأوي الفقراء والمساكين، فإلى هناك ينتمي وهناك يحب أن يكون.