مع دقات السابعة مساء غد الأحد بتوقيت جرينتش، تتوجه عيون وأفئدة عشاق الساحرة المستديرة صوب ملعب دو فرانس بقلب العاصمة الفرنسية باريس، وجولة جديدة من جولات الإثارة والمتعة الكروية، حيث يحل “برازيل أوروبا” المنتخب البرتغالي ضيفًا على “الديوك الفرنسية” في مباراة لا تقبل القسمة على اثنين، حين يسدل الستار على بطولة أمم أوروبا 2016.
الديوك الفرنسية التي انهت عقدة الماكينات الألمانية بهدفين دون رد في المباراة التي جرت بينهما في الدور قبل النهائي، تدخل اللقاء على آمل التتويج باللقب للمرة الثالثة في تاريخ الفريق، وذلك بعدما حصدت اللقب عامي 1984 و2000.
بينما يدخل المنتخب البرتغالي هذا اللقاء في محاولة لأن يجد لنفسه مكانًا في قائمة كبار هذه البطولة، حيث فشل في التتويج بلقب كأس الأمم الأوروبية منذ انطلاقها، واكتفى بلقب الوصيف 2004، والخروج من دور النصف النهائي في 1984، و2000، و2012.
التاريخ الذي يصب في صالح المنتخب الفرنسي في مواجهة طموح لاعبي البرتغال، يضع المباراة خارج نطاق التكهنات، فهل يحمل كريستانو رونالدو كأس البطولة للمرة الأولى في تاريخه ليحقق رقمًا قياسيًا جديدًا في مشواره الكروي؟ أم ينجح زيدان فرنسا الجديد “جريزمان” في أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه بقيادة الديوك إلى منصات التتويج؟
مشوار الفريقين في البطولة
أداء الفريقين طوال مشوار البطولة أخرجهما من قائمة المرشحين للنيل باللقب، وبالرغم من الأداء المتوسط للديوك الفرنسية مقارنة بالمنتخب البرتغالي إلا أن هذه البطولة في نسختها الحالية شهدت خروجًا مبكرًا للكبار المرشحين بالتتويج وفي مقدمتهم إيطاليا وألمانيا.
المنتخب الفرنسي نجح خلال دور المجموعات في الفوز على رومانيا 2: 1، ثم ألبانيا 2: 0، وتعادل 0: 0 مع سويسرا، وفي ثمن النهائي فاز على أيرلندا 2: 1، ثم على أيسلندا 5: 2 في ربع النهائي، قبل أن يفوز على ألمانيا بثنائية نصف النهائي.
أما المنتخب البرتغالي فكان أكثر المتفائلين يستبعد تأهله لدور الـ16 على الأقل، حيث فشل في تحقيق أي فوز خلال الـ 90 دقيقة في مشواره خلال دور المجموعات وثمن وربع النهائي، إلى أن فاز على ويلز بهدفين في الدور نصف النهائي.
استهل رفقاء رونالدو مبارياتهم الثلاثة الأولى بدور المجموعات بالتعادل، أمام أيسلندا 1: 1، أمام النمسا 0: 0 وأمام المجر 3: 3، ليصعدوا كأفضل ثالث في مفاجأة أحبطت البرتغاليين، ثم فازوا بهدف وحيد في الدقيقة الـ 117 من الوقت الإضافى على منتخب كرواتيا فى دور ثمن النهائي، قبل أن يفوزوا بركلات الترجيح على بولندا فى ربع النهائي بنتيجة 5/3 بعدما انتهى وقت المباراة الأصلي بالتعادل الإيجابي بهدف لكل منهما، ثم الفوز على منتخب ويلز “المكافح” 2: 0 في نصف النهائي، ليجد البرتغاليون أنفسهم على موعد جديد مع التاريخ، فهل ينجح رونالدو ورفقاؤه في كتابة تاريخ جديد لبرازيل أوروبا على حساب الديوك الفرنسية؟
تشكيلة الفريقين
خشية المغامرة غير المحسومة، استقر المدرب الفرنسي ديدييه ديشامب، على التشكيلة الأساسية التقليدية لمنتخب الديوك، في مواجهته الحاسمة أمام البرتغال، والتي خاض بها جميع مباريات الفريق خلال مشوار البطولة، وجاءت على النحو التالي: هوجو لوريس، باتريس إيفرا، أنطوان غريزمان، ديميتري باييه، أوليفييه جيرو، بلايز ماتويدي، بول بوغبا، موسى سيسوكو، باكاري سانيا، لوران كوسييلني، صامويا أومتيتي.
أما مدرب المنتخب البرتغالي سانتوس، فقد أبقى على تشكيلة فريقه التي خاض بها آخر مباراة أمام ويلز والتي انتهت بالفوز بهدفين دون رد، وجاءت على النحو التالي: باتريشيو، جيريرو، ألفيش، فونتي، سيدريك، دانيلو، أدريان سيلفا، جواو ماريو، ريناتو سانشيز، رونالدو وناني، مع احتمال عودة المدافع المخضرم ولاعب ريال مدريد الإسباني بيبي بعد تعافيه من مشكلة بالفخذ.
الفريقان باتا كتابًا مفتوحًا للجميع، وهناك قراءة جيدة من مدرب كل فريق للفريق الآخر، إلا أن قدرة لاعبي كل فريق على ترجمة خطة المدرب في أرض الملعب، فضلاً عن المهارة الفردية للاعبين ستكون الفيصل في حسم اللقب.
تاريخ المواجهات بين الفريقين
التاريخ في مواجهة الطموح، هذا ملخص 15 مواجهة خاضها الفريقين طيلة مشوارهما الكروي، كانت الكلمة العليا فيها للديوك الفرنسية بالفوز 13مباراة منهم 3 مباريات رسمية و10 ودية، بينما فازت البرتغال في مواجهتين فقط، ولم تنته أي مباراة بين الفريقين بالتعادل مطلقًا، وعلى صعيد الأهداف فقد أحرزت فرنسا 33 هدفًا بينما أحرزت البرتغال 13 هدفًا فقط.
استهل الفريقان مشوار المواجهات بلقاء ودي عام 1952 انتهى بفوز فرنسا بثلاثية نظيفة، كما أن آخر مباراة بينهما كانت ودية أيضًا في سبتمبر الماضي، فاز فيها المنتخب الفرنسي بهدف وحيد أحرزه الغائب عن تشكيلة فرنسا لهذا اليورو ماتيو فالبوينا قبل نهاية المباراة ببضع دقائق من ركلة حرة سددها مباشرة لتسكن شباك حارس المرمي روي باتريسيو.
أما على صعيد المواجهات الرسمية بين الفريقين، فقد التقيا في ثلاث مبارايات، الأولى في نصف نهائي بطولة اليورو عام 1984 التي كادت البرتغال أن تحسمها لصالحها، فبعد تقدمها نجح لاعبو المنتخب الفرنسي في إدراك التعادل، ثم لجأوا للأشواط الإضافية للحسم وفي الوقت الإضافي الثاني، وقبل نهاية المباراة بثوانٍ نجح ميشيل بلاتيني في إحراز الهدف الثالث لفرنسا لتنتهي المباراة بنتيجة 3:2.
ثم التقى الفريقان في نفس البطولة “كأس الأمم الأوروبية” للمرة الثانية عام 2000، حيث فازت فرنسا بهدفين مقابل هدف في دور النصف نهائي، أحرزت البرتغال الهدف الأول عبر نونو جوميش وتعادل تيري هنري، وأيضًا المباراة اتجهت للأشواط الإضافية وفي الشوط الرابع أحرز زين الدين زيدان هدف فوز فرنسا من نقطة الجزاء لتتأهل لمواجهة إيطاليا وتفوز بنفس النتيجة.
أما المواجهة الثالثة والأخيرة فكانت في كأس العالم 2006، حيث فازت فرنسا بضربة جزاء أحرزها زين الدين زيدان لتتأهل فرنسا للدور النهائي وتخسر أمام إيطاليا.
صفارة تحكيمية عنصرية
في قرار مفاجئ للبعض، استقرت لجنة الحكام بالاتحاد الأوروبي لكرة القدم على اختيار الحكم الإنجليزي مارك كلاتنبرج لإدارة نهائي اليورو بين فرنسا والبرتغال، بالرغم من الاتهامات التي وجهت له في الآونة الأخيرة.
كلاتنبرج البالغ من العمر 41 عامًا يعتبر أحد أفضل الحكام على الساحة الأوروبية الآن، فهو ثالث نهائي يديره هذا العام بعد نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي بين مانشستر يونايتد وكريستال بالاس ونهائي دوري أبطال أوروبا بين ريـال مدريد وأتيتكو مدريد في ميلانو، كما أنه ثاني حكم يدير أكبر مناسبتين في أوروبا بعد بيدرو بروسينا، وثالث حكم إنجليزي يدير نهائي اليورو في التاريخ.
اختير كلاتنبرج حكمًا دوليًا عام 2007، ليدير بعدها عشرات المباريات الهامة والخطيرة، كان أهمها نهائي أولمبياد لندن 2012، والسوبر الأوروبي عام 2014، وأدار ثلاث مباريات في اليورو هذا العام كحكم ساحة وهي مباريات بلجيكا وإيطاليا والتشيك وكرواتيا وسويسرا وبولندا.
أٌتهم الحكم الإنجليزي بالعديد من التهم خلال العشر سنوات الأخيرة، كان أهمها اتهامه بـ “العنصرية” وذلك عقب إدارته مباراة تشيلسي ومانشستر يونايتد عام 2012، حيث صرح مسؤولون بإدارة تشيلسي أن كلاتنبرج لم يكتف بقراراته “المعاكسة” بطرد لاعبين من الفريق بل وجه إساءات عنصرية للنيجيري أوبي ميكيل، وحقق الاتحاد الإنجليزي والشرطة الإنجليزية في الواقعة قبل أن يتم إغلاق التحقيقات لعدم كفاية الأدلة، إلا أن ذلك لا يقلل من قيمته كـ “حكم ساحة” متميز وعلى قدر عال من المهارة والأداء الجيد والمقنع.
رونالدو: رجل الأرقام القياسية
بالرغم مما تمثله هذه المباراة الحاسمة من أهمية كبيرة في تاريخ الكرة الفرنسية والبرتغالية على حد سواء، إلا أنها تمثل قيمة ومكانة استثنائية للاعب البرتغالي المخضرم وهداف ريال مدريد كريستيانو رونالدو، فهي الورقة الرابحة التي من الممكن أن تحسم الجدل المستعر بين رونالدو وميسي على لقب أفضل لاعبي العالم، خاصة بعدما فشل نجم ريال مدريد في حسمه أمام نجم برشلونة في الآونة الأخيرة.
فرصة تاريخية في انتظار نجم البرتغال إذا ما حقق اللقب مع منتخب بلاده، فبعد هدفه في شباك ويلز في نصف نهائي البطولة، تقاسم رونالدو صدارة الهدافين التاريخيين للبطولة مع الفرنسي ميشيل بلاتيني، ولكل منهما تسعة أهداف، ليحفر اسمه في العديد من الجوائز الفردية، وينقص رونالدو البالغ من العمر (31 عامًا) فقط التتويج بهذا اللقب ليدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية.
نجح رونالدو في كسر العديد من الأرقام القياسية خلال هذه البطولة، حيث بات الهداف التاريخي برصيد 9 أهداف (مناصفة مع ميشيل بلاتيني)، كما أنه اللاعب الوحيد الذي سجل في أربع نسخ مختلفة (2004 و2008 و2012 و2016)، كذلك الوحيد الذي سجل أكثر من هدفين في أكثر من بطولة (3 في نسخة أوكرانيا وبولندا 2012 و3 في فرنسا 2016)، كما يعد أكثر اللاعبين خوضًا للمباريات، إذ خاص 20 مباراة طوال مشوار منتخب بلاده في البطولة، فضلاً عن كونه أول لاعب يخوض الدور نصف النهائي في ثلاث مناسبات: 2004 و2012 و2016، كما أنه الهداف التاريخي للمنتخب البرتغالي برصيد 61 هدفًا، و أكثر لاعب خوضًا للمباريات، حوالي 132 مباراة.
أما عن أرقامه القياسية مع الأندية في بطولات أوروبا، فيعد كريستيانو رونالدو، الهداف التاريخي في البطولات الأوروبية برصيد 96 هدفًا، والهداف التاريخي لريال مدريد برصيد 364 هدفًا، كما أنه أكثر اللاعبين فوزًا بجائزة الحذاء الذهبي الأوروبية، إذ حصل عليها 4 مرات.
كما يعد رونالدو أكثر اللاعبين المختارين من قبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في فريق العام، حيث تم اختياره عشر مرات، في 2004، ومن 2007 حتى 2015، فضلاً عن اختياره أفضل هداف في مختلف المسابقات التابعة للاتحاد، فهل يدخل رونالدو التاريخ من جديد بلقب هو الأول مع منتخب بلاده؟
ساعات قليلة ويسدل الستار على بطولة أمم أوروبا 2016، فهل يواصل التاريخ مساندته للديوك الفرنسية أم ينجح كريستيانو ورفاقه في قلب الطاولة وتدوين اسم المنتخب البرتغالي بجوار كبار القارة الأوروبية؟