رفع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تقريرًا إلى مجلس الأمن الدولي حول التجارب الصاروخية البالستية التي أجرتها إيران في شهر مارس من العام الجاري، حيث أكد في التقرير أن ما تجريه إيران من تجارب صاروخية لا يتفق مع الروح البناءة للاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع الدول الكبرى حول برنامجها النووي، بحسب وصف مون في تقريره.
إيران ردت على لسان وزارة خارجيتها اليوم واعتبرت أن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول تجارب إيران البالستية “يتناقض مع نص الاتفاق النووي”، داعية إياه إلى “تقديم تقرير منصف وواقعي حول عدم تطبيق الولايات المتحدة التزاماتها بموجب الاتفاق، وهو الأمر الذي تقر به كل الدول التي استأنفت علاقاتها مع إيران”.
التقرير المعني بالتجارب الصاروخية الإيرانية الذي قدم إلى مجلس الأمن كان سريًا، لكن وكالة فرانس برس نجحت في الاطلاع على نسخة منه، وأكدت أن بان كي مون أراد بتقريره أن يترك لمجلس الأمن مهمة استخلاص العبر وأخذ الإجراءات الملائمة تجاه إيران.
إلا أن الوكالة لاحظت رغم ذلك أن كي مون رفض في تقريره بشكل واضح أن يصف التجارب الصاروخية الإيرانية بمخالفة اتفاق فيينا مع إيران، ولكن استخدم وصف “الروح البناءة” للاتفاق النووي، حيث إنه بذلك يعني أن إيران ما زالت تلتزم بقرار مجلس الأمن الرقم 2231 الذي كرس الاتفاق النووي الذي خرج من العاصمة النمساوية فيينا العام الماضي ودخل حيز التنفيذ مطلع العام الجاري.
ولكن لم يخف الأمين العام قلقه من هذه التجارب بدعوى أن مثل هذه التحركات سوف تزيد من التوترات في المنطقة، وهو أمر سياسي آخر غير مفهوم ربطه في تقرير للأمم المتحدة مرفوع إلى مجلس الأمن بشأن الاتفاق النووي الإيراني.
ومن المقرر أن يناقش مجلس الأمن هذا التقرير في 18 من الشهر الجاري، غير أن مصادر دبلوماسية قالت إنهم لا يتوقعون من أعضاء مجلس الأمن الـ15 أن يصدر عنهم أي قرار بهذا الشأن أو حتى أي موقف رسمي.
هذا التقرير الذي وصفه البعض بأنه لا يقدم أي توصية واضحة بشأن البرنامج الصاروخي الإيراني، ترك المجال مفتوحًا أمام مجلس الأمن للتعامل مع إيران، غير أنه لم يدن الجانب الإيراني صراحة بأي انتهاكات بحق الاتفاق النووي.
جدير بالذكر أنه على إثر إطلاق إيران صواريخ بالستية في مطلع شهر مارس الماضي، أعلنت باريس وواشنطن ولندن وبرلين، وهي دول موقعة على الاتفاق النووي، في رسالة مشتركة أن عمليات الإطلاق التي جرت تنم عن ازدراء للقرار الدولي الرقم 2231، وكانت هناك نوايا لفرض عقوبات دولية جديدة على إيران عبر هذه الحجة، إلا أن روسيا، العضو الدائم صاحب حق الفيتو في مجلس الأمن، عرقلت أي محاولة لفرض عقوبات جديدة على إيران.
إيران تدافع عن تجاربها الصاروخية
تستند إيران في رفضها لربط برنامجها الصاروخي بالاتفاق النووي على أن الصواريخ المقصودة غير مرتبطة بالاتفاق النووي لأنها غير مصممة لحمل رؤوس نووية، وبالتالي لا معنى واضح لربطها بالالتزامات الدولية.
وتبنت روسيا حتى الآن الموقف الإيراني، وأشارت إلى أن نداءات الدول الكبرى بشأن برنامج الصواريخ البالستية لم يكن حظرًا رسميًا بل مجرد “نداء” موجه إلى طهران، حيث إن قرار مجلس الأمن حول الاتفاق النووي الإيراني رفع عن طهران غالبية العقوبات الدولية المفروضة عليها، ولكنه بالمقابل أبقى الحظر المفروض على إطلاقها أية صواريخ بالستية يمكن تحميلها رؤوس نووية، وهو ما نفته طهران عن تجاربها الصاروخية الأخيرة.
ومن النقاط المثيرة للاهتمام في تقرير الأمم المتحدة أن بان كي مون ذكر أن إيران تؤكد أنها “لم تسع يومًا إلى امتلاك أسلحة نووية”، ولا تملك صواريخ مصممة تحديدًا لحمل رؤوس نووية، وهي وجهة النظر الإيرانية التي تكررت في ردها حول تقرير الأمم المتحدة التي وصفته بغير الحيادي.
إذ تشكو إيران من خروقات في الاتفاق النووي من جانب الولايات المتحدة بالتحديد، حيث تشكو إيران من أن الولايات المتحدة لا تفعل ما ينبغي لطمأنة الشركات والمصارف الدولية التي ترغب بالتعامل مع إيران.
خلفية تاريخية حول برنامج الصواريخ البالستية الإيراني
منذ أواسط التسعينات في القرن الماضي، وضعت إيران في أعلى لائحة أولوياتها الاستحواذ على صواريخ قادرة على إصابة دولة الاحتلال الإسرائيلي وتطويرها، بحسب ما ذكر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وبدأت هذه الجهود مع عملية شراء صاروخ “نودونغ” المندفع بالوقود السائل من كوريا الشمالية، وأطلقت عليه إيران اسم “شهاب-3”.
خضع هذا الصاروخ لتعديلات ابتدأت من العام 2004، فتم تمديد مداه من 900 كلم إلى 1600 كلم تقريبًا، ونال الصاروخ ذات المدى الأطول عدة تسميات منذ العام 2007، ولكنه يُعرف غالبًا باسم صاروخ “غدر”.
وتشير الأدلة المتوافرة حتى الآن إلى أنه على إيران استيراد مكونات أساسية، ومواد الحشوات الدافعة، ومعدات تصنيع لدعم عملية إنتاج الصواريخ البالستية، بيد أن إيران باتت تعتمد على نفسها بشكل متزايد على مدى العقدين الماضيين، وقد استغل مهندسوها بطريقة ذكية ومبدعة التكنولوجيا المتاحة لهم لإنتاج صواريخ بمدى أطول قادرة على حمل أقمار اصطناعية لوضعها في مدارات حول الأرض.
واليوم، ومن التجارب المتكررة يبدو أن الصناعات الدفاعية والصناعات الجوية الفضائية الإيرانية تركز على تحسين اعتمادية قوتها الصاروخية ودقتها، فضلًا عن تطوير الوسائل للتفوق على الدفاعات الصاروخية.
ويذكر أيضًا أنه تباهى العميد حسين سلامي، نائب القائد العام لقوات حرس الثورة الاسلامية في إيران، بأنه “فيما يتعلق بالصواريخ البالستية، فهو على ثقة أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في السابق، كانا وحدهما قادران على التمكن من هذه التكنولوجيا، والآن يمكننا الإعلان أننا نملك هذه التكنولوجيا أيضًا”، وهو ما يعني أن هذا البرنامج الذي كان يسير بجوار البرنامج النووي قد حقق تقدمًا كبيرًا، وهو ربما تفسير لسعي الغرب لعرقلته في هذه المراحل.