أصدر الرئيس الروسي بوتين في يوليو/ تموز من العام الماضي قانونًا يقضي بتقديم موعد الانتخابات التشريعية في مجلس الدوما الروسي العام الحالي 2016 من ديسمبر/ كانون الأول إلى سبتمبر/ أيلول، حيث جرت العادة أن تنظم الانتخابات كل خمس سنوات في أول يوم أحد من شهر كانون الأول ووفق التعديل الحاصل فإن الانتخابات ستجرى هذه المرة في يوم الأحد الثالث من شهر أيلول حسب ما جاء في بيان الكرملين.
وقد صادق كل من مجلس الدوما والجمعية الاتحادية على القانون الجديد لتجرى الانتخابات بشكل مبكر لأول مرة منذ تولي بوتين السلطة، كما تعد هذه الانتخابات الأولى من نوعها، حيث إنها ستشهد ترشيح نصف المرشحين على القوائم الحزيبة والنصف الآخر في مقاطعات أحادية التفويض.
ويجدر التنويه حول التغييرات الحاصلة قبيل الانتخابات البرلمانية في لجنة الانتخابات المركزية في روسيا، إذ اختارت اللجنة الناشطة الحقوقية “إيلا باميلوفا” لمنصب رئاسة اللجنة لتصبح أول سيدة تتولى هذا المنصب الهام في تاريخ روسيا الحديث.
ويذكر محللون أن انتخاب باميولوفا لرئاسة لجنة الانتخابات المركزية يشكل خطوة على طريق تخفيف المشاحنات بين المعارضة والسلطة الحاكمة قبيل عقد الانتخابات من جهة، ومن جهة أخرى لإثبات شفافية عملية الاقتراع وتجنب ما حصل في الانتخابات الأخيرة، ففي انتخابات الدوما في العام 2011 عمت البلاد احتجاجات حاشدة رفضًا لنتائج الانتخابات البرلمانية بدعوى تزوير نتائج الانتخابات.
كما أعلنت لجنة الانتخابات المركزية في روسيا في بادرة هي الأولى من نوعها توجيه دعوات للمنظمة العربية للإدارات الانتخابية للمشاركة في مراقبة الانتخابات البرلمانية الروسية، ومن بين المدعوين أيضًا مكتب المؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي.
مهمة حزب “روسيا الموحدة” في الانتخابات: النصر
شدد بوتين في خطاب ألقاه أمام المشاركين في مؤتمر الحزب الحاكم “روسيا الموحدة” في أواخر الشهر الماضي على إجراء الحملات الانتخابية دون مخالفات وفي تنافس عادل ونزيه، مؤكدًا أن نتائج الانتخابات ستحدد مسار تطور البلاد في الأعوام المقبلة، وذكر ديمتري ميدفيدف رئيس الحزب ورئيس الوزراء أن المهمة الوحيدة للمرشحين في الانتخابات تتمثل في تحقيق نصرًا نزيهًا، إلا أن 42% من الروس يعتقدون أن الانتخابات لا تعدو أن تكون مجرد صراع سياسي بين المعارضة والسلطة، فبوتين من خلال وجوده في السلطة في الخمسة عشر عامًا الماضية خلق مناخًا سياسيًا موبوءًا جعل فيه تزوير الانتخابات أمرًا ضروريًا.
حزب روسيا الموحدة في هذه الانتخابات سيكون حريصًا للغاية ألا يتكرر سيناريو انتخابات عام 2011 حين اجتاحت البلاد مظاهرات عارمة بدعوى تزوير نتائج الانتخابات، حيث يتطلع الكرملين بحسب تقارير صحفية أن يتحكم بأصوات الناخبين بشكل أوسع قبل أن تتم العملية الانتخابية ويشجعه على هذا تحكمه المطبق بوسائل الإعلام المحلية التي لا تخرج عن رغبة الحزب الحاكم.
ومن بين الإجراءات التي اتبعها الحزب عدد من التعديلات القانونية المتعلقة بالنظام الانتخابي بما يصعب وصول الأحزاب إلى مجلس الدوما ويزيد من القيود المفروضة على تسجيل الأحزاب السياسية ويساهم في تقييد مشاركة الأحزاب ببعض المناطق ويحد من قدرة المراقبين على مراقبة عملية الاقتراع.
حيث تتنافس أربعة أحزاب رئيسية في روسيا على البرلمان هي الحزب الحاكم روسيا المتحدة الذي يسيطر على نسبة 53% في المجلس، والحزب الشيوعي 20%، وروسيا أولاً 12%، والحزب الليبرالي 12%، ويجدر الذكر أن الحزب الحاكم خسر ما يصل إلى 77 مقعدًا لصالح الأحزاب الثلاثة الرئيسية ما جعله يملك أغلبية طفيفة.
وبحسب تقرير ورد في مركز إدراك للدراسات والاستشارات فإنه من المتوقع أن يواجه الكرملين هذا العام منافسة أقوى من الانتخابات السابقة من قبل منافسيه، إذ اتفقت الأحزاب الثلاثة على عدم المنافسة مع بعضها في 40 من الدوائر الانتخابية صاحبة المقعد الواحد حيث سيتم تقسيم هذه المناطق بحيث يحصل كل حزب على 10 مقاعد، ولا تسعى الأحزاب المنافسة بهذه الطريقة لكسر أغلبية حزب روسيا المتحدة في البرلمان إنما تعزيز قوة الأحزاب المعارضة الأخرى وممثليها أيضًا، وبهذا تسعى لعرقلة مشاريع قوانين يود الحزب الحاكم تمريرها في البرلمان.
وفي تقرير على بلومبيرغ يظهر المشهد السياسي في روسيا أنه أصبح مملًا بسبب تكرار نفس الوجوه السياسية سنة بعد أخرى منذ العام 1990 بقيادة بوتين والموالين له، وتعد الانتخابات الحالية الأولى من نوعها التي تجري في ظل انكماش اقتصادي يضرب البلاد مع بقاء الرموز والأسماء التي تمسك بالمشهد السياسي والاقتصادي فاسدة وبدون تغيير، ويرى التقرير في النهاية أن الروس لا يبذلون جهدًا كبيرًا لتغيير الوجوه القديمة في السلطة.