لكل عصر رجالاته، ولكل رئيس مريدوه من طبقة الكهنوت التي تقف خلفه وربما أمامه، بعضهم يفعل ذلك عن اقتناع، والآخرين اعتادوا على مسح جوخ الحكام في أي نظام وأي وقت، وبعضهم الثالث يبحثون فقط عن منافعهم الشخصية، هذه الفئة المنتقاة يطلق عليهم بطانة الرئيس أو المبشرون بجنته.
وفي مصر منهم الكثير لكن الرئيس الحالي على رأس السلطة في مصر المشير عبدالفتاح السيسي – أو الرسول – كما وصفه بعض منتفعي السلفية وشيوخ السلاطين، اختار فقط عشر شخصيات في دائرة ضيقة جدًا، لا يثق في سواهم ولا يأمن إلا لهم، ربما خوفًا من الجملة المعلقة خلف مكتبه الرئاسي بقصر الاتحادية “الجزاء من جنس العمل”، ذات الأصل الشرعي في الحديث الشريف “كما تدين تدان”، وكأنه يخشى أن يتكرر معه ما فعله مع رئيسه السابق محمد مرسي، صحيح أنه تحرك في الثالث من يوليو 2013 بناء على مطالب شعبية، لكن خيانته لقسم الولاء للرئيس الأسبق المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين مازالت تقض مضاجعه، تلك البطانة، أو كهنوت الرئيس هم أصحاب الياقات البيضاء، الذين يملكون مفاتيح الأسرار في كل العصور، ليبقى في النهاية لكل عصر رجاله.
رجال حول الرئيس
على مدى التاريخ ومؤسسات الرئاسة بكل دول العالم تدار عبر فئات ثقة حول الرئيس معلومون جميعًا لكل المواطنين ووسائل الإعلام، إلا في مصر فقد يبقى هذا الأمر سرًا إلى أن ينهي الرئيس ولايته، أو يموت وهو الشائع في مصر قبل ثورة 25 يناير، حيث لم يغادر أي رئيس كرسي السلطة – باستثناء محمد نجيب – إلا بالوفاة مثل جمال عبدالناصر وأنور السادات، قبل أن تطيح تحركات يناير ويونيو بالرئيسين مبارك ومرسي، وهنا نبحث عن نقطة هامة وهي كيف تدار مؤسسة الرئاسة؟ ومن هم الذين يثق فيهم الرئيس، وما هي المراحل التي يمر بها أي قرار قبل صدوره؟
اللواء عباس كامل
الصندوق الأسود
يأتي في مقدمة هذه الشخصيات خزينة أسرار السيسي، اللواء عباس كامل، ويعد الساعد الأيمن له منذ أن كان الأخير مديرًا للمخابرات العسكرية، ويوصف الآن بوسائل الإعلام المصرية بالرجل الثاني في الدولة.
كامل هو الصديق والمستشار المقرب من السيسي، ويكاد يكون المحرك الرئيسي والمراجع لكل ما على “السيسي” عمله، كان شخصًا مجهولاً حتى منتصف العام 2013 وبرز دوره خصوصًا بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، ويعد أقرب إلى السيسي حتى من وزير دفاعه، ورافقه في العديد من زياراته الخارجية، وبعد أن خرجت العديد من التسريبات من مكتبه أصبح محط أنظار الجميع في مصر ومحيطها الإقليمي.
كان الظهور الأول لاسم اللواء عباس كامل في أقدم تسريبات السيسي أثناء حديثه مع الصحفي ياسر رزق، حينما أجاب سؤالاً عن عدد شهداء فض اعتصام جماعة الإخوان برابعة العدوية فأجاب السيسى: اسألوا عباس، بل إنه ظهر بصحبته قبل أداء اليمين الدستورية كرئيس، وجلس بجواره في طائرته التي أقلته إلى مبنى المحكمة الدستورية بالمعادي، فضلاً عن تواجده بمقر المحكمة الدستورية، وقصري الاتحادية والقبة، أثناء حفل التنصيب.
- محاولة تجميل
بعد التسريبات المشينة المنسوبة لمكتب كامل حاولت وسائل الإعلام المصرية تبييض وجهه أمام الرأي العام المصري والخليجي، بعد أن طالت تلك التسريبات بعض من قادة الخليج، فبدأت العديد من القنوات والصحف تتناول سيرته الذاتية بفخر واصفة إياه بأنه رجل يملك “عقلية عسكرية تنظيمية هائلة..”، وإحدى هذه الصحف نشرت أن كامل كان له دور في ليلة أن قرر السيسي التراجع عن الترشح لـ “الرئاسة”، فسارع كامل بعرض عدد من السيناريوهات على السيسي في حال عدم ترشحه، منها عودة جماعة الإخوان للحكم، وتفكيك الجيش وإعدام السيسي نفسه بتهمة الخيانة، وسيناريو آخر أقنعه به وهو ارتفاع حدة الغضب الشعبي، وربما “ثورة ثالثة..”، حتى إنه أقنع السيسي بأنه “رجل المستحيل”!
الآن يمثل كامل الدرع الواقية لرفيقه بالمخابرات الحربية، وهو المسؤول عن تحديد مواعيد لقاءات ومقابلات الرئيس، والتى يتم الإعداد لها قبلها بفترة ويعرضها على الرئيس، ولديه حق القبول أو الرفض، أيضًا إعداد المذكرات والرسائل بمقتضى توجيهات الرئيس، وإبلاغها الجهات المعنية، والتخاطب مع أجهزة الدولة، ومتابعة تنفيذ قرارات وتعليمات الرئيس، ويحدد جميع اتصالاته داخل مصر وفق نظام شفرة سرية متعارف عليها للحيلولة دون حدوث اختراق لها، ويمارس عباس نشاطه من مكتبه الواقع في شارع الاستاد البحري بمصر الجديدة، بالإضافة إلى وجوده مع الرئيس باستمرار في قصر الاتحادية.
ثعلب المخابرات
الشخصية الثانية في بطانة السيسي هو اللواء محمد فرج الشحات، المدير الحالي للمخابرات العسكرية، والذي يعد نسخة طبق الأصل من السيسي، يمارس نفس دوره قبل توليه وزارة الدفاع، وسيرته العسكرية تطابق سيرة رئيس الدولة، بما في ذلك الدراسات في الولايات المتحدة وبريطانيا والبعثات الى المملكة العربية السعودية، وتدرج في المناصب القيادية بالقوات المسلحة، فتولى قيادة اللواء 12 مشاة ميكانيكي، ثم ملحقًا للدفاع في المملكة العربية السعودية، ثم قائدًا للفرقة 16 مشاة بالجيش الثاني الميداني، ثم تمت ترقيته إلى رتبة اللواء، وعمل مساعدًا لمدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، ثم رئيسًا لأركان الجيش الثاني الميداني، ثم قائدًا له خلفًا للواء أركان حرب أحمد وصفي، وجاء لهذا المنصب بعد إطاحة السيسي باللواء صلاح البدري، دون سبب واضح، وتم تعيينه مساعدًا لوزير الدفاع.
- تورطه بقضية ريجيني
وظهر اسم الشحات في الرسالة التي بعثت من طرف مجهول إلى السفارة الإيطالية في برن السويسرية، تتهمه بالوقوف حول مقتل “ريجيني”، وسط معلومات – غير مؤكدة – منشورة على صفحة العقيد الهارب خارج مصر عمر عفيفي عن تورطه في الفضيحة بعد أن أخفى على صديقه عباس كامل أن جثة ريجيني بها آثار تعذيب، فأمر الأخير بإلقاء الجثة بأحد طرق 6 أكتوبر، لتصوير الحادث على أنه تصادم طريق، لكن آثار التعذيب فضحت المستور، وبات الشحات أحد أهم أسباب العلاقات المتردية الآن بين مصر وإيطاليا.
عبدالغفار: ذراع البطش
الشخصية الثالثة المبشرة بجنة السيسي هي شخصية اللواء مجدي عبدالغفار، وزير الداخلية الحالي، والذي يمثل عصا الأمن الداخلي للنظام، ومهامه تحكي كل شيء عن شخصيته، حيث عمل في الاستخبارات ما يقارب الأربعين عامًا، وكان له في عهد مبارك منصب في جهاز أمن الدولة، وعين بعد ثورة 25 يناير وحل جهاز أمن الدولة السابق، رئيسًا لجهاز الأمن الوطني الجديد، وجاء تعيينه في منصب وزير الداخلية بعد إقالة اللواء محمد إبراهيم، لتهدئة الضباط والقيادات الرافضة لإقالة إبراهيم، فاختار السيسي أن يكون بديل إبراهيم من قطاع الأمن الوطني، حتى يضمن سيولة المعلومات من الداخلية للرئاسة، وحتى لا تمنعها الوزارة والقيادات الرافضة لإقالة إبراهيم، وبالتالي كان اختيار عبد الغفار من قلب مصدر المعلومات الخاص بالداخلية “الأمن الوطني”.
ورغم الخطايا الكثيرة لوزارة الداخلية في عهد عبدالغفار لم تجرؤ مؤسسة الرئاسة على إقالته، وكانت أكبر وليس آخر تلك الخطايا هي اقتحام نقابة الصحفيين، لاعتقال عضوين صحفيين بها بتهمة الإضرار بالأمن العام، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة ومطالبات بإقالته لم تلتفت الرئاسة لأي منها.
ظل السيسي
رابع أركان الرئاسة هو العقيد محمد شعراوي، وهو الحارس الشخصي للرئيس عبدالفتاح السيسي، أو ظل الرئيس كما يطلق عليه إعلاميًا، وسبق له العمل ضمن وحدة العمليات الخاصة ”777”، وكان أول ظهور له مع الرئيس السيسي، عندما استقل دراجة مرتديًا ملابس رياضية، ومازال شعراوي يلازم السيسي كـ ”ظله” في كافة تحركاته سواء الداخلية أو الخارجية، فظهر خلفه أثناء حضور قداس عيد الميلاد العام الماضي، وأثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصر، وظهر أيضًا خلف السيسي خلال إلقاء كلمة ختام المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ، حتى في صلاة الجمعة والعيد يكون خلف السيسي، كما يجلس إلى جوار سائق السيارة التي يستقلها الرئيس.
يعد شعراوي صاحب المهام الصعبة في نخبة السيسي، وقائد بقية الحرس الخاص، ويعمل مع السيسي منذ أن كان وزيرًا للدفاع، ضمن تشكيلة من الحرس بقى عدد من أفرادها ضمن طاقم الحراسة الحالي، وظهر برفقة السيسى حاملًا “رشاش آلى قصير” أثناء الإدلاء بصوته في الاستفتاء على الدستور في إحدى مدارس مصر الجديدة، خلال رئاسته لوزارة الدفاع.
واجهة النظام
ويأتي السفير علاء يوسف، كأحد أهم أركان نظام السيسي، فهو المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، الذي خلف السفير إيهاب بدوى، الذي تم تعيينه في منصب سفير مصر بدولة فرنسا، ضمن الحركة الدبلوماسية الجديدة، يتواجد دائما داخل مقر رئاسة الجمهورية من السابعة صباحًا، لترتيب لقاءات الرئيس مع المكتب الإعلامي ومحرري الرئاسة، ثم يحضر جميع اللقاءات، وبدأ حياته بالخارجية في العام 91، وعمل ضمن الوفد المصري لدى الأمم المتحدة في جنيف، وكان من المسؤولين عن الملفات التي تتعلق بالجانب الاقتصادي، ويتميز بالدبلوماسية وقليل الحديث لوسائل الإعلام، ويشارك في اجتماعات السيسي سواء مع شخصيات داخلية أو خارجية.
صمام الأمان
يوصف اللواء أسامة الجندي، مدير أمن الرئاسة، من قبل وسائل الإعلام بأنه صمام أمان السيسي، والذي يشرف بنفسه على كل كبيرة وصغيرة داخل مؤسسة الرئاسة، وطور المنظومة الأمنية داخل قصر الاتحادية، وأشرف بنفسه على عمليات مسح قصور الاتحادية والقبة، للتأكد من عدم وجود أجهزة تنصت، وجهز مبنى المستشارين بمنشية البكري، وقاعة اللقاءات الكبرى للرئيس، وأمنها بأحدث الوسائل والأفراد.
أشرف الجندي مع وزارة الداخلية على الخطة الأمنية التي وضعتها الوزارة لتأمين مراسم تنصيب السيسي، ويقوم بمهمة حلقة الوصل بين الشرطة والقوات المسلحة، والحرس الجمهوري وشرطة رئاسة الجمهورية.
مهندس المراسم
يعد اللواء حاتم قناوى، كبير أمناء رئاسة الجمهورية، ويشرف على تسليم الأوسمة، ودخول وخروج الرئيس، وتنظيم حفلات الاستقبال والتشريفات، ويرافق السيسي في كافة الجولات الداخلية والخارجية، ومنها زياراته لدول الجزائر وغينيا الاستوائية والسودان، إضافة إلى تواجده في مراسم أداء الحكومة اليمين الدستورية، وحفلات تخرج طلبة الكليات العسكرية والشرطة.
رجل كل العصور
يصح أن نطلق على اللواء عبد المؤمن فودة، رجل كل العصور، فقد عاصر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وخلفه محمد مرسي، والسابق عدلي منصور، ولا يزال يمارس عمله مع السيسي، وتم تعيينه كبير الياوران قبيل تنحي مبارك بـ4 سنوات.
في فترة المجلس العسكري عقب ثورة 25 يناير، أصدر المشير حسين طنطاوى، رئيس المجلس العسكري في الفترة الانتقالية، قرارًا بتولي فودة رئاسة اللجنة المالية والإدارية في القصر، عقب عزل الدكتور زكريا عزمى، رئيس ديوان رئاسة جمهورية في عهد مبارك، وعقب تولى الرئيس الأسبق محمد مرسي تمت عودته لمكانه الأصلي كبيرا للياوران، ورافق مرسي في بعض الجولات خارج القصر، وما بعد 3 يوليو والإطاحة بالرئيس مرسي، تم تعيينه قائمًا بأعمال رئيس الديوان في المرحلة الانتقالية الثانية، خلفا لمحمد رفاعة الطهطاوي، والآن يلازم السيسي في كل تحركاته واحتفالاته وجولاته الداخلية.
الحرس الجمهوري
يعد اللواء محمد زكي، قائد الحرس الجمهوري، من أهم أركان حكم السيسي، وتشمل مهامه حماية الرئيس والنظام الجمهوري بأكمله، وهو صاحب واقعة قصر الاتحادية الشهيرة خلال فترة حكم الرئيس مرسي، حينما سمح للمتظاهرين بالاقتراب من بوابة القصر، بدعوى أن قوات الحرس تؤدي دورها في تأمين وحماية النظام الرئاسي والقصور من الداخل، وأمر وقتها بإزالة كل الحواجز الخرسانية والمعدنية من جوانب الشوارع المحيطة بقصر الاتحادية، ونقلها بجوار سور القصر، لتكون حرمًا للقصر خلال تظاهرات 30 يونيو، وكان أول من قام باعتقال الرئيس الأسبق بعد الإطاحة به في 3 يوليو.
سيدة القصر الحديدية
تستحق السفيرة فايزة أبو النجا، مستشار السيسي لشؤون الأمن القومي، هذا اللقب، حيث احتلت في 2012 المركز الـ19 في قائمة مجلة “فورين بوليسى” لأقوى 25 امرأة في العالم، كما أُشيد بها في كتاب “شارون فريمان” تحت عنوان “حوار مع قيادات نسائية إفريقية قوية” ضمن الـ11 سيدة الأكثر قوة في إفريقيا.
اختيرت أبو النجا كأول سيدة تتولى وزارة التعاون الدولي في 2001 ثم انتخبت عام 2010 كعضو بمجلس النواب عن مدينة بورسعيد، وفازت بأحد المقعدين المخصصين للنساء عن المحافظة، وبعد إسقاط نظام مبارك لم يختفِ اسمها، وتولت وزارة التخطيط والتعاون الدولي في حكومة أحمد شفيق، واستمرت في نفس الوزارة في حكومة عصام شرف، ثم أصبحت متحدثة للحكومة في عهد الجنزوري، وعادت بقوة في عهد السيسي عندما أصدر قرارًا بتعيينها مستشارًا للرئيس لشؤون الأمن القومي، كأول سيدة تشغل هذا المنصب بعد خلوه لمدة 41 عامًا في عهد السادات، وهو ما اعتبرته النيويورك تايمز، إصرارًا من قبل حكومة السيسي على تجاهل استمرار تحالفها مع واشنطن، فضلاً عن كونه إشارة لمستقبل مظلم لمنظمات المجتمع المدني.
وتلعب أبو النجا في الفترة الحالية دورًا هامًا في التحضير لجولات السيسي الأوروبية، وشاركت في وضع أجندة لقاءات الرئيس في إيطاليا وفرنسا واللقاءات الإفريقية الأخيرة، والتعاون مع مجلس الدفاع والأمن القومي الروسي، الذي زار مصر مؤخرًا بدعوة منها.