حالات التسمم الغذائي التي وصلت لمستشفيات قطاع غزة جراء أكل الفسيخ الفاسد لا تكشف عن جهل المواطن بما يضره وينفعه، وإنما تعكس إهمال الجهات المختصة وعدم المتابعة، ولا سيما أن معامل تغليف السمك المجمد وتحويله إلى فسيخ منتشرة في أحياء قطاع غزة، تمامًا مثلها مثل معامل الشامبو الذي يتم تركيبة محليًا، وتحت السلالم في كثير من مدن ومخيمات قطاع غزة، ولصقات الماركات العالمية جاهزة بكل أنواعها، والمواطن لا يمتلك مختبرات!
العلاج لكثير من القضايا التي تمس عصب المجتمع لا يصير بالمفرق، وفي المناسبات، العلاج يتم بالجملة، والتشدد في تطبيق القانون الذي يهدف إلى أمن المواطن وسلامته، وعلى سبيل المثال، فإن التساهل في تطبيق قواعد المرور على الطرقات في قطاع غزة قد أدى إلى الكثير من حوادث الطرق المرعبة، كان آخرها ثلاث حوادث في يوم واحد، تسبب فيها حمار تجره كاره، يصطدم مع دراجة نارية، وفي كل الأحوال فإن غالبية سائقي الدراجات النارية، ومعظم سائقي الكارات لا يلتزمون بقواعد المرور، ويسيرون ليلًا ونهارًا في الاتجاه المعاكس للسير، فهل من المستحيل معالجة هذه الأخطاء القاتلة؟
مثال آخر: لقد استورد تجار غزة 142 طنًا من الفسيخ المدخن “الرنجا”، لعيد الفطر، في الوقت الذي اشترى فيه التجار ضعف هذا الرقم من الأسماك المجمدة المنتهية الصلاحية، وقاموا بتدخينها محليًا، ولفها بملصقات مزيفة، أو قاموا بتمليحها محليًا، ومن ثم تم بيعها للمستهلك دون رقابة الجهات المعنية، ودون ملاحقة مسبقة لما يجري على الأرض من تصنيع.
وسأضرب مثلاً أخيرًا بالبطيخ الذي صار أغلى من البقلاوة في قطاع غزة، بعد أن منعت الزراعة استيراده من إسرائيل، بهدف حماية المنتج المحلي، لذلك صار سعر كيلو البطيخ ـ أبو قشر ـ في قطاع غزة 2 شيكل، في الوقت الذي صار فيه سعر كيلو الخوخ 3 شيكل فقط، ومن المؤكد أن تكلفة زراعة دونم البطيخ لا تعادل تكلفة زراعة دونم من المانجا!
لقد سمحنا بإدخال 600 طن بطيخ من إسرائيل، قبل العيد بأيام، وكان الهدف كسر احتكار السعر، ومنعنا بعد ذلك إدخال البطيخ الإسرائيلي لأن لدينا 5000 دونم مزروعة بالبطيخ في قطاع غزة، ونحن معنيون بحماية المنتج المحلي، هذا ما أفادني به المهندس تحسين السقا مدير عام التسويق والمعابر في وزارة الزراعة، وهنا لا بد من طرح السؤال: إذا كانت وزارة الزراعة معنية بحماية 500 مزارع بطيخ تقريبًا، فمن هي الجهة المسؤولة عن حماية 2 مليون مواطن فلسطيني في قطاع غزة، من حقهم أكل البطيخ، ومن حقهم شرائه بأسعار أقل؟
وإن كنت لا أنكر مجهودات وزارة الزراعة وحسن سياستها في هذا المجال، وهي التي تشجع على إنتاج 350 ألف طن من الخضار سنويًا ـ تسد حاجة سكان قطاع غزة بنسبة 98% ـ وهي التي نجحت في تصدير ما مقداره 13 ألف طن من الخضار إلى السعودية والأردن والضفة الغربية وأسواق إسرائيل، وهذه ميزة تسجل لها.
وإن كنت لا أنكر على وزارة الزراعة نجاحها في تصدير 1800 طن حمضيات إلى الأردن لأول مرة منذ عشر سنوات، إلا أن ذلك لا يقلل من حاجة الناس إلى البطيخ، ولاسيما أن غزة تستورد كل يوم ما مقداره 200 طن من الفواكه الإسرائيلية، فلماذا لا نستورد يوميًا 50 طن بطيخ إضافي، تسهم في تنقية كلاوي سكان غزة التي أوجعها أكل الفسيخ؟
ملاحظة: لأنه الاحتلال المطرز بحرير الاتفاقيات السياسية والاقتصادية، فقد صار قطاع غزة سوقًا مفتوحة للمنتجات الإسرائيلية رغم أنف الجميع، في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل السماح بتصدير فائض بطاطس قطاع غزة إلى أسواق الضفة الغربية، فالأولوية لتصدير فائض البطاطس الإسرائيلي، ولتغرق غزة ومنتجاتها من البطاطس في بحر اتفاقية باريس الاقتصادية.