يبدو أن “الطموح” الإسرائيلي في الوصول إلى أعلى الهيئات الحقوقية والإنسانية الدولية، لا يعرف أي حدود، خاصة بعد صدمة وصول الاحتلال لرئاسة مؤسسة هامة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد تواطؤ أربع دولة عربية بالتصويت لصالح إسرائيل.
هذه المرة الطموح الإسرائيلي سيتخطى باب الأمم المتحدة “الصغير” ويتوجه نحو الباب الأكبر الذي يؤهلها رسميًا للسيطرة على العالم أجمع، وبدعم ومساندة من الأب الأكبر وهي الولايات المتحدة الأمريكية، للوصول نحو مجلس الأمن الدولي.
الغريب في الأمر، أن وصول الاحتلال لأرفع المناصب الدولية لترؤس بعضها، جاء بسبب التواطؤ العربي والدولي مع الاحتلال، على حساب الجرائم التي تقوم بها إسرائيل يوميًا بحق الفلسطينيين والانتهاكات التي تنفذ ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية.
خطر إسرائيل القادم
مسؤول فلسطيني رفيع المستوى كشف لـ “نون بوست” أن السلطة الفلسطينية وبالتعاون مع الدول العربية، يتحركون من أجل إفشال مخطط إسرائيل للوصول إلى مجلس الأمن الدولي، وترؤس لجنة قانونية بداخل المجلس.
وأوضح لـ “نون بوست” أن السلطة تلقت تحذيرات من المساعي الإسرائيلية الجديدة، وبدأت فعليًا خطوات إقناع الدول الأوروبية بمساعدة الاحتلال في الوصول لمجلس الأمن الدولي، والتحكم والسيطرة على العالم، رغم كل الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين.
السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد السابق للجامعة العربية، حذر بدوره من خطورة فوز إسرائيل برئاسة لجنة قانونية أممية معنية بمكافحة الإرهاب، مؤكدًا أنه لا يمكن القبول بهذه الخطوة إنسانيًا وأخلاقيًا، كون إسرائيل “أكثر الدول ذات السجل السيء والقبيح والعدواني داخل الأمم المتحدة”.
وقال صبيح: “هناك خطورة أشد من رئاسة إسرائيل للجنة القانونية، تتمثل في إمكانية وصولها إلى مجلس الأمن الدولي من خلال هذه اللجنة”، موضحًا أنه يتوجب على الدول العربية والإسلامية أن تدرس هذه الخطوة جيدًا، لترى إن كانت أمام قوى دولية وأوروبية تعمل على إنجاز السلام في الشرق الأوسط، أم أن إسرائيل لها “اليد الطولى” في كل مشاريع السلام المطروحة على الطاولة.
صبيح أضاف، “نحن أمام صفحة جديدة في التاريخ الدولي وعلى العرب أن ينتبهوا لها جيدًا، ويدرسوا إمكانية مقاطعة أعمال اللجنة ومحاصرتها دوليًا”، مشيرًا إلى أن الموقف الأوروبي الذى تبنى رئاسة إسرائيل للجنة بضغط أمريكى فاضح، خلق حالة شاذة على المستوى الدولي، وضرب عرض الحائط بهيبة الأمم المتحدة وسمعتها، وأضر بها أبلغ الضرر.
إلى ذلك، أضاف صبيح، “الأمر يدعو للعجب فعلاً، فإسرائيل آخر دولة على مستوى العالم يحق لها أن تتولى رئاسة اللجنة القانونية بالأمم المتحدة، لأنها دولة شاذة عن الأمم المتحدة وقراراتها، كما أن القرارات التي تدين الاستيطان الإسرائيلي، والقرارات التي ترفض ضم أراضي الآخرين بالقوة، وضم القدس والضفة الغربية والجولان، علاوة على انتهاكاتها المستمرة بحق الشعب الفلسطيني جهارًا نهارًا أمام العالم أجمع، تؤكد أن وصولها لهذا المكان نكسة دولية بمعنى الكلمة”.
تواطؤ جديد
سعي إسرائيل للحصول والسيطرة على مؤسسات مجلس الأمن، جاء بعد “الفضيحة” عندما كشفت مصادر دبلوماسية، أن أربع دول عربية على الأقل، صوتت لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي التي فازت برئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة قبل أسابيع، وهي المرة الأولى التي تتولى فيها رئاسة واحدة من اللجان الدائمة الست للمنظمة الدولية منذ انضمامها لها عام 1949.
حينها أعربت دولة الكويت نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي عن رفضها الشديد ترشيح إسرائيل لرئاسة اللجنة الأممية القانونية (اللجنة السادسة) المختصة بالنظر في المسائل المتعلقة بالقانون الدولي إضافة إلى مسائل محاربة الإرهاب.
من جهته اشتكى رئيس الوفد الفلسطيني في الأمم المتحدة رياض منصور من نتائج التصويت، مؤكدًا أن الدول العربية والإسلامية حاولت منع فوز إسرائيل، ووصف حينها إسرائيل بأنها أكبر منتهك للقانون الدولي وتوقع أن يهدد انتخاب دانون “عمل اللجنة السادسة”.
يذكر أن إسرائيل ترشحت عن مجموعة منطقة “غرب أوروبا وآخرين” وحصلت على أغلبية مريحة من الأصوات بواقع 109 أصوات مقابل 175 صوتًا صحيحًا في الجمعية العامة المؤلفة من 193 دولة، وجاءت السويد في المركز الثاني بـ 10 أصوات.
مخططات خطيرة
هنا رأى المحلل السياسي نشأت الناصري، في حديث خاص لمراسل “نون بوست”، أن إسرائيل تخطط منذ شهور طويلة لترؤس كل المؤسسات على المستوى الدولي، والتي بدأتها برئاسة اللجنة القانونية للأمم المتحدة، إلى أن وصلت لرئاسة مؤسسة مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن الدولي.
وأوضح، أن إسرائيل تدعمها قوى غربية كبيرة، وقد تكون هناك دول عربية أيضًا تدعم توجهاتها من تحت الطاولة في السيطرة على المؤسسات الدولية بأكملها، وتحجيم الدور العربي والفلسطيني على مستوى المؤسسات الدولية.
الناصري، لفت إلى أن الوضع العربي المترهل والانقسامات الحاصلة واستقواء بعض الدول العربية بالغرب، أدى وبشكل أساسي إلى التغول الإسرائيلي في المؤسسات الدولية وتراجع الظهور العربي، مشيرًا إلى أن ذلك لا يخدم الحقوق الفلسطينية ويعطي طوق النجاة لإسرائيل للهروب من المحاكمة الدولية.
المحلل السياسي، دعا إلى تكثيف وتوحد الجهود العربية، قبل وصول رأس الإرهاب “إسرائيل” إلى رئاسة اللجنة الخاصة بمجلس الأمن، مؤكدًا أن وصول الاحتلال لذلك المنصب سيعد كارثة خطيرة وسابقة غير معهودة في التخاذل والضعف العربي الذي ساهم في تقوية إسرائيل وتعاظم جبروتها بحق الفلسطينيين وحقوقهم ومقدساتهم الإسلامية والمسيحية.
وحاولت إسرائيل عام 2002 و2003 و2005 التسلل للجان حقوق الإنسان، لكنها فشلت في الحصول على الأصوات اللازمة، إلا أنها انتخبت لأول مرة عام 2003 في لجنة نزع السلاح، ودخلت لجنة مكافحة المخدرات في العام نفسه، وفي يوليو 2005 عـين محام إسرائيلي، ديفيد شاريا، في منصب مستشار قانوني للمديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب، وهي لجنة مهمة تشرف على أعمال فريق دولي يقدم المشورة لمجلس الأمن حول جهود مكافحة الإرهاب.
ويجب القول هنا، انه لا يوجد بند في القانون الدولي الآن إلا وهناك أسئلة حول مدى التزام إسرائيل به، فمن قانون حقوق الطفل إلى قانون البحار، ومن قرار تصفية الاستعمار إلى منع التمييز، ومن اتفاقية جنيف الرابعة إلى اتفاقية منع التمييز ضد المرأة، ومن عدم جواز احتلال أرض الغير بالقوة، إلى عدم شرعية بناء المستوطنات أو لا شرعية بناء الجدار العازل أو تغيير معالم القدس أو ضم الجولان أو الاعتقال التعسفي والاستخدام المفرط للقوة والقتل خارج نطاق القانون، واعتقال الأطفال وتعذيبهم، إلى عدم الانصياع المتواصل لقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، بما في ذلك قبول عضويتها المشروطة بتنفيذ قراري 181 (التقسيم) و194 (حق العودة)، ويجب ألا ننسى أنها دولة من بين أربع دول في العالم لم توقع اتفاقية عدم الانتشار النووي.