أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يوم أمس، تحرير قاعدة القيارة الجوية وهي قاعدة جوية عراقية تقع في محافظة نينوى حوالي 300 كيلومتر شمال بغداد على بعد 16 كيلومترًا غرب مدينة القيارة، وتبعد عن مركز مدينة الموصل أقل من 70 كيلومترًا جنوبًا.
دخول الجيش العراقي للقاعدة فتح الباب واسعًا للكلام عن معركة تحرير الموصل وسيناريوهات التحرير، وهل ستكون غير مكلفة مدنيًا وفي البنى التحتية خاصة مع الكلام عن تواجد عسكري لقوات المارينز الأمريكية في القاعدة، وتحريرها بطريقة صامتة (رغم كبر حجم القاعدة وأهميتها الاستراتيجية)، إلا أن داعش انسحبت منها بسهولة مما عزز فكرة حدوث حالة من الانسحاب الجماعي لداعش كما حدث في الفلوجة، مقارنين معركة الموصل بمعركة الفلوجة التي رغم وجود بعض الانتهاكات لكن هذه الانتهاكات تعتبر بسيطة مقارنة بما كان متوقع لمدينة الفلوجة من دمار وانتهاكات.
في هذا المقال نركز على أبرز الفروق الجوهرية التي تجعلنا نفرق بشكل واسع بين طبيعة معركة الفلوجة والاختلاف الجذري مع معركة الموصل المرتقبة.
مساحة الأرض وعدد السكان
من أبرز ما يشكل عائقًا حقيقيًا هو الفرق الهائل في المساحة وعدد السكان والمواطنين بين المدينتين، حيث تمركزت معارك تحرير الفلوجة حول مركز قضاء الفلوجة الذي تبلغ مساحته الإجمالية حوالي 478 كيلومترًا مربعًا وهذه المساحة لو تم مقارنتها بمساحة مركز قضاء الموصل والنواحي التابعة له التي تدور فيها الآن بوادر المعركة والمناوشات، سنجد أن الفرق يبلغ حوالي 10 أضعاف، حيث يبلغ مساحة مركز قضاء الموصل والنواحي التابعة له 4471 كيلومترًا مربعًا وهذا الأمر يجعل عملية التطويق والانتشار للقطاعات العراقية ليس بالأمر السهل مطلقًا، إلا بعمليات اقتضام المساحة على فترة زمنية طويلة.
أما من ناحية عدد السكان فإن أعلى التوقعات لعدد المتواجدين لحظة انطلاق معارك تحرير الفلوجة لا يزيد عن 140 ألف مدني داخل مدينة الفلوجة، فيما رشحت بعض التوقعات بأن العدد لا يزيد عن 90 ألف مدني، ورغم هذا العدد القليل من المدنيين فإن الضعف في حمايتهم وعدم وجود أي مخيمات مجهزة دفعهم للخروج للصحراء، مما فاقم الأمر عليهم بشكل كبير جدًا.
بينما يوجد ما لا يقل عن 1.5 مليون مدني من أهالي الموصل ويعتقد بوجود 0.5 مليون نازح وصل للمدينة خلال العامين الماضيين نازحين من محافظة الأنبار وصلاح الدين إضافة لأقضية محافظة نينوى مثل تلعفر والبعاج والحضر التي شهدت عمليات عسكرية سابقة، فيما تقول أقل التقديرات إن المدينة فيها ما لا يقل عن 1 مليون مدني، الأمر المخيف للقوات المحررة، مما دفع وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي أن يطلب من الأهالي التزام البيوت لحظة بداية عمليات تحرير نينوى وعدم النزوح منها، الأمر الذي أثار زوبعة من علامات الاستفهام حول طبيعة المعركة التي ستكون في مدينة يقطنها ما لا يقل عن مليون مدني!
أحد مقاتلي الإيزيديين خلال حراسة جبل سنجار
الموقع الجغرافي وطبيعة الديمغرافية للسكان
تبعد الموصل عن بغداد مسافة تقارب حوالي 465 كيلومترًا، ويحدها من الشرق إقليم كردستان العراق ومن الشمال تركيا ومن الغرب سوريا فيما تنفتح على صحراء الجنوب، هذا الموقع يجعل تواجد أي قوات يحتاج لتوافق بين الأطراف الموجودة على تلك الأرض، على العكس من مدنية الفلوجة التي تقع على بعد 60 كيلومترًا شمال غرب العاصمة بغداد مما أتاح للقوات العراقية التحرك بسرعة وسهولة وإدامة زخم المعركة دون وقوف على مشكلة عائق الوقت والبعد الجغرافي، إضافة لعدم وجود أي جهة تمتلك قوات في تلك المنطقة خارجة عن سيطرة حكومة بغداد مما جعل التنسيق أسهل، والوصول لصيغة اتفاقية حول من سيقاتل في المعركة كان أسهل بكثير من مدينة الموصل التي تختلط على أرضها أنواع متعددة من البنادق تشكل مرجعيات مختلفة.
إن مدينة الفلوجة ذات الطابع الموحد من الناحية الديمغرافية للسكان ميزة إضافية لها، فهي تتكون من أغلبية مطلقة من العرب السنة التي يشكلها عشائر كبيرة معروفة مثل الدليم والجبور والكبيسات والبوعيسى والعزة والجنابيين وزوبع وقبيلة بني تميم بفروعها، بالإضافة إلى مجموعة من العشائر الأخرى الذي جعل الأمر أسهل من ناحية التواصل والخطاب والاتفاق معهم.
على العكس من ذلك تمامًا رغم أن الطابع العربي الإسلامي السني هو الطاغي والذي يشكل الأغلبية في مدينة الموصل فإنها تحتوى على مجموعات متعددة عرقية ودينية وقومية، ووجود عمليات قتل وتشريد لأقليات معينة دفع النسيج السكاني للمدينة مهدد بالانفجار.
فوجود مكون قومي غير العرب من أكراد وتركمان إضافة لأقلية دينية مسيحية ويزيدية تعرضت للظلم على يد داعش وتندفع للانتقام إضافة لوجود تجمعات شيعية من الشبك والتركمان، تجعل الأمر يحتاج لضمان حقيقي يمنع أي عمليات انتقامية عبثية واقتتال طائفي أو ديني وعرقي وهذا تحدٍ كبير لأي قوات ستدير معركة تحرير الموصل.
جانب من تدريبات “جيش العسرة” داخل شوارع الموصل
فرق القوة لداعش بين المدينتين
قدر عدد مقاتلين داعش في مدينة الفلوجة بحوالي 2000 مقاتل ويعتقد أن قوات النخبة لا تتجاوز 400 مقاتل، فيما تحتوى الموصل على تشكيلات متعددة لعناصر تنظيم الدولة داعش التي يعد من أبرزها “جيش العسرة” الذي تم تخريجه في العام الماضي ليكون الجيش المخصص للحفاظ على مدينة الموصل ضد أي قوات تحاول اقتحام المدنية، وتعتبر هذه القوات من قوات النخبة لداعش المدربة خصيصًا لهذه المهمة، ويقدر عدد هذا الجيش بـ 1500 مقاتل قتل ما يقارب الثلث في معارك بيجي ومعارك حول الموصل إضافة للقصف الجوي، كما توجد كتيبة الدرع التي تمتلك عربات مدرعة وبعض الدبابات، إضافة لوجود ما يقارب 3000 مقاتل أجنبي في الموصل انخفض هذا العدد خلال الأيام القليلة وفق معلومات من داخل المدنية لكن بقي عدد لا بأس به من هؤلاء المقاتلين وعوائلهم في المدينة وهم غالبًا من المقاتلين أصحاب الخبرات الواسعة، إضافة لوجود المقاتلين المنسحبين من المدن التي تم تحريرها ومقاتلين الذين تم تدريبهم من الأطفال الصغار من المتطوعين في صفوف التنظيم مجموعة ما لا يقل عن 10 آلاف مقاتل وما لا يقل عن 3000 مقاتل من الذين يمتلكون خبرات لا بأس بها ودراية بالمدينة.
تحرير الفلوجة والتأثيرات السلبية على معركة الموصل
استغلت داعش الانتهاكات التي وقعت على المدنيين في الفلوجة بشكل كبير جدًا لمحاولة إخافة الناس واستقطاب متطوعين جدد من الأهالي لغرض الحفاظ على مدينتهم وحياتهم التي صورتها داعش بهذا الشكل، خاصة أنها تمتلك كل وسائل الإعلام بالمدينة بعد عملية قطع الاتصالات والتضييق على الإنترنت ومنع أجهزة استقبال القنوات الفضائية ومصادرتها مما جعل إعلام داعش هو المصدر شبه الوحيد لتدفق المعلومات للناس هناك.
كما أن قصف الهاربين من عناصر التنظيم ومشاهد السيارات المحترقة في صحراء الأنبار جعلت عناصر داعش يفكرون ألف مرة قبل الخروج من المدينة والخروج باتفاق دون قتال كما حدث للفلوجة، الأمر الذي جعل الاتفاق معهم أمر صعب جدًا.
في ظل هذه الفروقات الجوهرية التي يجب أن تكون واضحة جدًا أمام من يقود عمليات تحرير الموصل ووضع هذه الفروق في نصابها الصحيح لنخرج بمعركة تحمي المدنيين وتحافظ على ما تبقى من المدينة المظلومة.