بدت الأمور على ما يرام ولا تشوبها شائبة حين جلس السياسي المخضرم عمرو موسى مع مجموعة من الرموز خلف طاولة نصبت لهم على منصة مؤتمر صحفي دعوا إليه الصحفيين في القاهرة.
ما أراده عمرو موسى هو محاولة إقناع الجمهور بتقبل الدستور المصري الجديد، وذلك تمهيداً للاستفتاء الذي سينظم الشهر القادم لإقراره.
ثم لاحظ أحدهم وجود مشكلة في اللوحة الإعلانية الضخمة التي ثبتت على الجدار خلف هذه الجوقة تظهر فيها صور لخمسة أشخاص، ومضمونها هو الترويج لفكرة أن الدستور سيكون “لجميع المصريين”.
لم تقتصر المشكلة، كما ورد في صفحة الأهرام على الإنترنيت، على أن من كتب اللوحة أخطأ في تهجئة كلمة المصريين فكتبها “المصرين” ولا في أن صورة الجندي في اللوحة استخدمت دون إذن مسبق من المصور صاحب الحق الحصري لها.
لا، وإنما تجاوز كل ذلك. فاثنان فقط من الأشخاص الخمسة الذين ظهرت صورهم في اللوحة كانوا مصريين. أما الثلاثة الآخرون فكانوا غربيين.
من بين الصور الخمس هناك صورة واحدة لامرأة، من المفروض أنها تمثل نصف الشعب المصري، إلا أنها في الحقيقة صورة امرأة كانت قد ظهرت من قبل في لوحة دعائية لشركة توظيف إيرلاندية كانت تبحث عن موظفات في إيرلاندا.
ولعلها لهذا السبب لم تكن ترتدي نقاباً أو خماراً كما تفعل معظم النساء في مصر اليوم. أو، لربما كان لذلك علاقة بحقيقة أن العسكر قاموا الصيف الماضي بانقلاب عسكري أطاح بحكومة الإخوان المسلمين التي يغلب على أنصارها من النساء الانتماء إلى تيار يحبذ ارتداء الحجاب.
اشتمال اللوحة على صورة لشخص مصاب بمتلازمة داون (المنغولية) قصد منه الإيحاء بأن الدستور يعنى بأصحاب الإعاقات، تماماً كما هو الحال في القانون الأمريكي. ولا عجب إذن أن الصورة فيما يبدو هي لرجل أمريكي.
وماذا عن الرجل الذي يرتدي معطفاً أبيض؟ أليس بالتأكيد طبيباً مصرياً ممن تطمئن لهم النفس وترتاح؟ وخاصة أن رقبته محاطة بسماعات التنصت الطبية، حتى لو كانت رقبته تحمل رأساً قسمات وجهه غربية؟
هذا الطبيب النبيل كان آخر ظهور له في موقع على الإنترنيت عنوانه https://www.ehowtogetridofstretchmarks.com/ وكان يعلق على رقبته نفس السماعات وتشرق من وجهه نفس الابتسامة.
إذن، لم تكن تلك بداية واعدة ومشجعة لأنصار مسودة الدستور. ومع ذلك مضى السيد عمرو موسى وشركاه قدماً وبلا تردد يستعرضون محاسن المسودة مؤكدين على أنها تمنح حقوقاً غير مسبوقة للمعاقين وللنساء وبأنها تطهرت من المواد الدينية المحافظة التي يشتمل عليها الدستور الحالي الذي تم إقراره في ظل سلطة الإخوان المسلمين في العام الماضي.
إلا أن النقاد يقولون بأن هذه المسودة مليئة بالثغرات وخاصة فيما يتعلق بالحريات المدنية، وبأن هذه الثغرات يمكن أن تستغل للالتفاف على حقوق الناس التي من المفروض أن يحميها الدستور.
وكل هذا يأتي في خضم مزاعم بأن الحاكم الفعلي لمصر، وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي، كشف النقاب عن رؤى ظهرت له في منامه يقول فيها بأنه علم بأنه سيصبح في يوم من الأيام رئيساً للجمهورية.
لعلنا نحتاج إلى “يوسف معاصر” ليفسر لنا هذه الرؤى. حينما احتاج فرعون مصر إلى من يرشده وينصحه، أخبره يوسف بأن عليه أن “يبحث عن رجل يتوسم فيه الأمانة والحكمة ليسلمه مقاليد الأمور في أرض مصر”.
كانت تلك خطوة ذكية، ولعل السيد عمرو موسى يتعلم درساً مما حدث بعد ذلك. إذ قال فرعون ليوسف: “ها أنذا أسلمك مقاليد الأمور في كل أرض مصر … ولن أعلو عليك إلا فيما يتعلق بشؤون الملك”.
هل يعني ذلك أن السيد عمرو موسى سيكون في العام القادم رئيساً لوزراء مصر؟ وبأن السيسي سيكون رئيساً لها؟
قد يكون إقناع الجمهور المصري بذلك أيسر من إقناعه بلوحة إعلان ورد فيها خطأ إملائي وثلاثة وجوه غربية واحد منها فقط لإمرأة.