تقدم أقارب الصحفية ماري كولفين، مراسلة الحرب الأميركية المخضرمة التي قضت قبل أكثر من أربع سنوات في قصف مدفعي في مدينة حمص بسوريا، بدعوى قضائية تتهم الحكومة السورية باستهداف وقتل قريبتهم كجزء من إستراتيجية الحكومة المنهجية لإخراس الصحفيين المدنيين والنشطاء الذين يغطون الحرب السورية، وذلك وفقًا لما نقلته صحيفة النيويورك تايمز في تقرير لها نُشر يوم السبت حول الموضوع.
تشير الصحيفة في تقريرها بأن الدعوى المدنية، التي تقدم بها أقارب الصحفية يوم السبت أمام محكمة فيدرالية في واشنطن، تؤكد بأن مسؤولين سوريين رفيعي المستوى، من بينهم شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، المدعو ماهر الأسد، وكبار المستشارين الآخرين، عملوا بشكل جماعي على تحديد وتعقب واستهداف الصحفيين الأجانب والسوريين الذين يساعدونهم، حيث تحدد أوراق الدعوى تفاصيل جديدة عن الأحداث التي أدت إلى وفاة السيدة كولفين، بالتعويل على شهود عيان ومصادر حكومية ووثائق تم الكشف عنها فيما يصفه محامي الأسرة بـ”التحقيق الذي استمر لمدة ثلاث سنوات”.
جدير بالذكر بأن السيدة كولفين، المراسلة المخضرمة لصحيفة الصنداي تايمز في لندن، قُتلت في 22 فبراير 2012، جنبًا إلى جنب مع المصور الصحفي الفرنسي ريمي أوشليك، جرّاء قصف حكومي سوري استهدف مبنى كان يستخدمه الصحفيان؛ حيث وقع الهجوم خلال أسابيع من القصف الذي استهدف حي بابا عمرو في مدينة حمص، فيما يعد أول مرة تستخدم فيه قوات الحكومة تكتيكات الحصار والقصف العشوائي على المناطق التي يسيطر عليها الثوار السوريون، وذلك قبل ظهور الجماعات المتطرفة الإسلامية المسلحة كجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
نقلت النيويوك تايمز في تقريرها تأكيدات أسرة السيدة كولفين وزملائها بأن الهجوم الذي استهدفها كان متعمدًا، حيث جاء عقب ساعات قليلة من إطلاقها لتقرير حي اتهمت فيه الحكومة السورية بقصف وتجويع المدنيين الذين يرتجفون بردًا، وبالمقابل، أوضحت الصحيفة بأن الحكومة السورية لطالما زعمت بأن هجماتها تستهدف الإرهابيين، وبأن الصحفيين الذين يعملون ضمن الأراضي التي تقع خارج سيطرة الحكومة، ينتهكون قواعد القانون السوري على مسؤوليتهم الخاصة.
ولكن اليوم، يقول المدّعون بأنهم يقدمون دليلًا على ما وصفوه بأنه “جريمة القتل التي نجمت عن سياسة الحكومة السورية”.
في هذا السياق، تلفت التايمز إلى ما يقوله سكوت غيلمور، المحامي في مركز واشنطن للعدالة والمساءلة، بأن هذه الدعوى تمثل أول محاولة لرفع دعوى قضائية ضد الحكومة السورية لممارستها ضمن الحرب بموجب القانون الجديد الذي يسمح للأميركيين بمقاضاة الحكومات الأجنبية، مثل سورية، التي تعتبرها الولايات المتحدة راعية للإرهاب.
كما تكشف الصحيفة بأن الدعوى القضائية تتهم، إلى جانب ماهر الأسد، تسعة مسؤولين سوريين، من بينهم رئيس الاستخبارات علي مملوك وضباط جيش النظام السوري في حمص، بتطوير وتنفيذ إستراتيجية ضد الصحفيين والناشطين؛ حيث تكشف الأوراق عن تفاصيل الاجتماعات التي ساعد من خلالها أحد المخبرين السوريين المسؤولين الحكوميين لتحديد موقع مركز البث الصحفي من خلال تتبع بيانات الهاتف، كما تؤكد أوراق القضية بأن أحد زعماء الميليشيات الموالية للحكومة، والذي يدعى خالد فارس، تلقى “سيارة فاخرة سوداء” بعد ثلاثة أيام من وفاة الصحفيين كمكافأة له على المساعدة التي قدمها.
تنقل النيويورك تايمز أيضًا عن شقيقة السيدة كولفين، كاثلين كولفين، قولها بأن الدعوى التي تقدمت بها العائلة لا تهدف فقط إلى “تقديم القتلة إلى العدالة لها”، بل أيضًا لمساعدة الضحايا السوريين في سعيهم لمساءلة الحكومة السورية عن الأعمال الوحشية التي ارتكبتها ضدهم.
“أنا لست الوحيدة التي فقدت شقيقنها”، قالت كاثلين كولفين للنيويورك تايمز، وتابعت: “آمل أن نقدم جميع الجناة إلى العدالة بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وكلي أمل بأن هذه الخطوة هي الأولى”.
تشمل أوراق الدعوى وثيقة حكومية تسلّط الضوء على استجابة الحكومة السورية للاحتجاجات التي بدأت في أوائل عام 2011، والتي أسفرت على مدار الأشهر المقبلة عن مقتل الآلاف من الناشطين المدنيين خلال المظاهرات، وإلقاء القبض على عشرات الآلاف من المحتجين والناشطين المعارضين، حيث تكشف النيويورك تايمز في تقريرها بأن الوثيقة هي عبارة عن رسالة مؤرخة في 6 أغسطس 2011، من مكتب الأمن القومي في حزب البعث الحاكم إلى المسؤولين في المحافظات المضطربة، بما في ذلك حمص، تأمرهم باعتقال منظمي الاحتجاجات وغيرهم ممن “يشوهون صورة سورية في وسائل الإعلام الأجنبية”.
كما تشير أوراق الدعوى بأنه وفي يناير 2012، قال رئيس الاستخبارات السورية مملوك، ونائب وزير الدفاع حينها، آصف شوكت، لمراقبي جامعة الدول العربية بأن الصحفيين الأجانب هم عملاء للاستخبارات، وطالبوا بكشف المعلومات المتعلقة بهم، فضلًا عن قولهم بأنه القوات الحكومية قادرة على تدمير بابا عمرو في غضون 10 دقائق لولا وجود الكاميرات.
وعلاوة على ذلك، تكشف الأوراق أيضًا بأنه وفي فبراير من عام 2012، تناهى إلى علم مملوك ونائبه المدعو رفيق شحادة، وصول الصحفيين، كولفين وأوشليك، إلى حي بابا عمرو بحمص من خلال جهات اتصال استخباراتية في لبنان، وفي 21 فبراير، اعترض مسؤولو الاستخبارات العسكرية إشارات هواتف الصحفيان، واتصل المخبر الحكومي في بابا عمرو بالسيد فارس ليحدد له موقع مركز الإعلام، وبالمحصلة، وفي وقت مبكر من اليوم التالي، استهدفت قذائق المدفعية المركز مسفرة عن مقتل كولفين وأوشليك.