مازالت بعض أسرار حرب 2003 خفية، فالمعلن من دوافع تحرير العراق أو إسقاط الطاغية صدام أو نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط،، بالأغلب تبريرات لا يصدقها عاقل، لأنها خيالية ولا تتفق مع عقلية الغرب وقاعدتهم في البحث عن الربح في أي تحرك أو جهد، لكن الساسة الغربيين مع ماكينتهم الإعلامية التزموا بهذه التبريرات، وكما هي قصة الكذب معروفة النهاية بحسب القانون الذي لا يتغير “حبل الكذب قصير”، فكان تقرير لجنة تشيلكوت صدمة كبيرة للبريطانيين وأوروبا.
ففي السادس من تموز الحالي صدر تقرير لجنة تشيلكوت، وهي عبارة عن لجنة تحقيق بريطانية مستقلة، مهمتها التحقيق حول المشاركة البريطانية في الحرب على العراق 2003م، وتهدف هذه اللجنة من خلال عملية البحث إلى كشف النقاب عن أسرار اتخاذ القرار البريطاني بالمشاركة في احتلال العراق، وجاء التقرير نتيجة ضغط مارسه ذوو الجنود البريطانيين، الذين قتلوا خلال العمليات العسكرية التي قام بها التحالف الدولي في المدن العراقية، التقرير الذي جاء ضمن 12 جزءًا، عبر أكثر من مليوني كلمة، وكلف عشرة ملايين جنيه إسترليني (نحو 13.5 مليون دولار).
أهم نقاط تقرير لجنة تشيلكوت
توصل التقرير إلى عدد من النقاط المهمة، والتي كشفت كذب الحكومة البريطانية والأمريكية، وأهمها:
1- العراق ونظام صدام حسين لم يكونا يشكلان أي تهديدٍ على بريطانيا ومصالحها، وقصة امتلاكه أسلحة دمار شامل غير صحيحة، ومبنية على معلوماتٍ استخباراتية مغلوطة.
2- الخيارات الدبلوماسية مع بغداد كانت متاحة، لكن قرار الحرب جاء مستعجلًا، قاطعًا الطريق على أي جهد تفاوضي.
3- لم تكن بريطانيا أو الولايات المتحدة تمتلك رؤية حقيقية لعراق ما بعد صدام، مما فاقم من تكاليف الحرب.
4- تكبد الشعب العراقي خسائر فادحة، ففي تموز 2009م كان عدد العراقيين الذي قتلوا من جرَّاء الصراع منذ عام 2003 قد وصل إلى 150 ألف عراقي على الأقل، فضلًا عن نزوح ما يزيد على مليون شخص.
تساؤل كبير
السؤال الذي يُطرح في هذا السياق: هل يمكن بناءً على تلك النقاط إلزام بريطانيا بدفع تعويضات للعراق، جراء مشاركتها في حرب غير مبررة ضد العراق، خصوصًا أن نتائجها جلبت الويلات للعراقيين؟
التقرير صرح بأنه كان يمكن حل مشكلة العراق بالحوار السياسي، حيث كان الطاغية صدام مستعدًا للقبول بأي شيء يطرح، لأنه دمية خاضعة تمامًا، فكان من الممكن عقد صفقة لإنهاء حقبة مريرة، لكن كان قرار الحرب مفروغًا منه، وهذا يعطينا الحق بالمطالبة بتعويض عن الأضرار التي حصلت للمؤسسات الحكومية، حيث يجب أن تتحمل بريطانيا تكاليف ما جرى، لأنها هي المتسبب بالدمار والخراب.
أعتقد لكي نكسب حقوقنا نحتاج إلى خمسة عوامل مفعلة على أرض الواقع، ومن دونها لن نحصل على دولار واحد، كتعويض عن دمار العراق، وهذه العوامل هي:
العامل الأول: السلطة متمثلة برئيس الوزراء، هنا يأتي دور السلطة العراقية في الاعتماد على التقرير، للضغط وتحريك القضية قانونيًا، فهنا الواجب والمسؤولية يحتمان على رئيس الوزراء المطالبة بتعويضات من بريطانيا، بحسب قاعدة “الزموهم بما الزموا به أنفسهم”، فالمسؤولية تقع أولاً على رئيس الوزراء في متابعة الحق العراقي بالمطالبة بتعويضات، لأن دخولهم للعراق تسبب في حصول كوارث، لكن مع الأسف إلى الآن رئاسة الوزراء لم تصرح بشيء مهم، كأنها لا تعلم بالأمر، وأعتقد الباعث على هذا التصرف السلبي هو، بسبب ضعف السلطة العراقية، وتحولها إلى مجرد تابع بسيط لقوى التغيير (أمريكا وبريطانيا)، فيكون من شبه المستحيلات مقاضاتهم عبر هذه النخبة الحاكمة الركيكة.
العامل الثاني: وزارة الخارجية أيضًا هي المعنية، فيجب أن يتحرك السيد الجعفري، بحسب القانون، للمطالبة بتعويضات من بريطانيا، خصوصًا أنها أثبتت على نفسها خطأ المشاركة، وأن مشاركتها كانت أحد الأسباب في ارتفاع الضحايا العراقيين إلى مائة وخمسون ألف، بالإضافة إلى انعدام الرؤية لما بعد صدام مما تسبب بدمار غير مسبوق للعراق، واعترافات بريطانية تجعل موقف العراق جيدًا في عملية المطالبة بحقوقنا، لكن المشكلة في وزارة الخارجية الخاضعة لضغوط كثيرة، تربك عملها وتعطل جهودها، مع الإشارة لضعف كوادرها من سنين، لأنها خاضعة للمحاصصة، لكنها العامل الأهم لأي جهد لكسب حق العراق.
العامل الثالث: أهالي الضحايا، فالآن من حقهم رفع قضايا ضد بريطانيا بالاستناد على تقرير لجنة تشيلكوت، لكسب التعويض عن فقدانهم بعض أفراد عوائلهم، ولو تم التحرك بشكل منظم، لإحداث تأثير حقيقي كبير على بريطانيا، وحصل على مساندة إعلامية عالمية، ودعم من المؤسسات الإنسانية، أي نحتاج لنخبة تقود العمل، ليتحرك أهالي الضحايا لرفع قضايا ضد بريطانيا.
العامل الرابع: الإعلام العراقي، كي نكسب قضايا تعويضات للعراق ولذوي الضحايا، نحتاج لبرنامج وطني موحد لكل القنوات الإعلامية، كي تكون الكلمة مؤثرة، مع الاستعانة بكوادر محترفة، تصور معي لو أعلنت ساعة الصفر لحملة إعلامية كبيرة، في المطالبة بتعويضات للعراق ولذوي الضحايا، فقط نحتاج لإرادة وطنية تفعل هكذا مشاريع مهمة للوطن والشعب.
العامل الخامس: منظمات المجتمع المدني ونقابة المحامين، أن تضع فرق محامين وترفع قضايا لإعادة حقوق الشعب العراقي من بريطانيا، نتيجة تدخلها غير المدروس، بالاعتماد على التقرير البريطاني، مع الاتصال بالمنظمات العالمية والنقابات، عبر برنامج حقيقي وفعال كي نكسب حقنا، ونستشعر فائدة تكون للمرة الأولى، من وجود المنظمات المجتمع المدني والنقابات.
لو تم الدفع بالعوامل الخمسة لساحة الفعل والتحرك فإن الكثير من الأشياء السيئة في عراقنا ستتغير، عسى أن نجد فجرًا قريبًا.