آخر تطورات معركة الكاستيلو: حلب تحارب شبح الحصار

أطلقت فصائل مقاتلة من المعارضة السورية معركة قبل أيام شمال مدينة حلب بهدف السيطرة على النقاط التي خسرتها أمام النظام السوري والمليشيات المساندة له اللذين أرادا فرض الحصار على منطقة سيطرة المعارضة عن طريق قطع طريق الكاستيلو الواصل بين مدينة حلب وريفها.
هذا الهجوم العكسي قادته جبهة النصرة وحركة أحرار الشام الإسلامية لصد هجوم قوات النظام والميليشيات المساندة له على طريق الكاستيلو، الذي اعتبروه شريان حلب الوحيد، بهدف إبعاد شبح الحصار عن المدينة، وذلك بعد أن سيطرت قوات النظام على طريق الكاستيلو قبل أيام، حيث منعت حركة المدنيين عليه، والمواد الغذائية عن المدينة، وسط تحذيرات ومخاوف على مصير 300 ألف مدني، متواجدين داخل مدينة حلب.
تمكنت قوات النظام من إحراز تقدم في معركة الكاستيلو بعد أن نقضت الهدنة المعلنة من طرفهم التي كانت من المفترض أن تكون 72 ساعة في جميع أنحاء سوريا، إلا أن المعارضة السورية فوجئت بالهجوم على مزارع الملاح شمالي حلب، حيث تمكنت قوات النظام من انتزاع نقاط استراتيجية هناك، تمكنت من خلالها فرض سيطرة نارية على طريق الكاستيلو.
ما هو طريق الكاستيلو؟
طريق بري يصل طوله حوالي 3 كيلومترات، تكمن أهميته الاستراتيجية بالنسبة للمعارضة السورية المسلحة في أنه يصل مناطق نفوذهم ببعضها في حلب مع ريفها.
بينما تحاول قوات النظام السوري والمليشيات الداعمة لها بمعاونة سلاح الجو الروسي قطع هذا الطريق بأي ثمن منذ فترة طويلة، لتنفيذ الحصار على مناطق سيطرة المعارضة، حيث تعرض طريق الكاستيلو منذ شهرين إلى قصف مكثف عنقودي وفسفوري وبالصواريخ وقذائف المدفعية والقناصات والبراميل المتفجرة من قبل النظام السوري.
وقد نجحت إلى حد كبير مؤخرًا الحملة النظامية على الكاستيلو بالسيطرة على ارتكازات نارية على جانبي الطريق، أدت إلى قطعه وجعلت أي هدف يتحرك على الطريق في مرمى نيرانها، وعلى إثر ذلك قُتل عشرات من المدنيين الذين حاولوا استخدام الطريق، حتى أطلق عليه “طريق الموت”.
المعارضة تحشد لمعركة “شريان الحياة”
أعلنت المعارضة السورية المسلحة عقب خطوات النظام السوري عن معركة يقودها “جيش الفتح” المؤلف من مجموعة فصائل سورية مقاتلة عن فتح معركة كبرى لإفشال مشروع النظام السوري لحصار مدينة حلب.
معركة كسر الحصار نجحت في بداياتها في إحداث كسر عسكري جزئي لسيطرة النظام ناريًا على الطريق، حيث أفادت مصادر إعلامية نقلًا عن فصائل مشاركة في المعركة بعودة طريق الكاستيلو الاستراتيجي في حلب إلى العمل بعد هجوم مشترك لجبهة النصرة والمعارضة السورية المسلحة، وأسفرت المعارك بحسب الإعلانات الأولية عن السيطرة على عدة مواقع استراتيجية في منطقة الملاح شمال حلب، وذلك بعد ساعات من بدء معركة “كسر الحصار” عن المدينة.
إلا أن ما حدث لم ينقل بدقة كافية، إذ إن التقدم سوق على أنه كسر جزئي للحصار الذي فرض على مناطق سيطرة المعارضة في مدينة حلب، الذي استمر ليومين بعد سيطرة قوات النظام ناريًا على الطريق الوحيد لإمدادات كتائب المعارضة والمدنيين بالمدينة.
والواقع بحسب الميدان يقول إن هجوم المعارضة وسيطرتها على مواقع استراتيجية لم يصلا إلى غايتهما ولم يمكنا المعارضة من جعل النظام بعيدًا بما يكفي عن الطريق لجعله آمنًا بشكل كامل، هذا بالإضافة إلى استمرار القصف المدفعي والجوي على المنطقة من قبل قوات النظام وجل ما حدث أنه أصبح بالإمكان إخراج الجرحى عبر الطريق.
وكذلك النظام بدأ يطلق دعاياته الإعلامية أثناء المعركة، حيث تم تصوير المعارك وتقدم النظام الجزئي في بدايتها على أنه قرب لحسم معركة حلب وتحريرها مما يسمونه “النفوذ التركي والأمريكي”، ولا ينكر أحد أن النظام يتشبث بهذه المعركة بالتحديد في حلب تحضيرًا لمعركة أخرى وهي معركة المفاوضات التي يريد النظام دخولها مجددًا ولكن هذه المرة بورقة حصار حلب.
ومجريات الأمور تشير إلى أن الاشتباكات لا تزال مستمرة حتى اللحظة، وهناك محاولات لاستعادة السيطرة على كل المواقع على محور طريق الكاستيلو من الجانبين، رغم أن روسيا قد أعلنت من قبل بأنه ليس لديها معارك في حلب، ولكن النظام السوري وحليفه حزب الله يؤكدان أنها معركة استراتيجية لا يمكن التخلي عنها.
في حين تحاول المعارضة السورية ألا تخسر هذه المعركة في هذا التوقيت الحرج، ولكن يبدو أن مجريات الأمور لا تسير في صالحهم كثيرًا، فبعد أن أعلنوا قرب استعادتهم السيطرة على طريق الكاستيلو، قالت مصادر عسكرية إن مقاتلي المعارضة السورية المسلحة قرروا الانسحاب من مواقعهم التي سيطروا عليها في محيط طريق الكاستيلو شمال مدينة حلب في شمال سوريا.
وقد أفادت المصادر الميدانية أن الانسحاب من محيط الكاستيلو جاء لأسباب عسكرية “دون إيضاح ماهية هذه الأسباب”، كما نقلت مصادر عن جبهة النصرة أن معركة “كسر الحصار” عن حلب قد توقفت للأسباب نفسها دون مزيد من التفصيل.
يذكر أن جبهة النصرة كانت قد أكدت قبل ذلك تنفيذها تفجيرين ضد تجمعات لقوات النظام في منطقة الملاح شمال حلب، في إطار بدء ما أسمته الجبهة كسر الخطوط الدفاعية الأولى لقوات النظام في المنطقة، كما أكدت النصرة حينها سيطرتها على عدة نقاط استراتيجية بالمنطقة، إلا أنه في النهاية أعلنت الفصائل المعارضة ما يمكن أن يُطلق عليه “الانسحاب التكتيكي”.
المعارضة تفتح معركة جنوب حلب
لم تتمكن معركة كسر الحصار في بدايتها من تحقيق الهدف المنشود بإزاحة قوات النظام السوري عن طريق الكاستيلو لكنها كانت قد بدأت بالفعل في خوض معركة أخرى في جنوب حلب لقطع طريق الراموسة، الشريان الوحيد للنظام في الأحياء الغربية من حلب.
والواقع يشيد بذلك حيث إن سيطرة مجموعات المعارضة المسلحة على بلدة خان طومان قبل أيام أربك المشهد الميداني، فالبلدة تتمتع بأهمية كبيرة لطرفي الصراع، بسبب وقوعها في منطقة جبل سمعان، على بعد نحو 10 كيلومترات جنوب غرب مدينة حلب.
وعلى ذلك تريد الفصائل المعارضة تحقيق أهداف استراتيجية من هذا التقدم أبرزها الانفتاح على بلدات وقرى ريف حلب الجنوبي، حيث تستطيع التحرك بسرعة نحو الوضيحي في الجنوب، أو نحو منطقة أورم الكبرى في الجنوب الغربي.
كما أن ذلك سيقربها من مدينة حلب وسيجعلها على تماس مباشر بالمدينة، وهو ما بدأت فيه جبهة النصرة بالفعل بالتقدم نحو بلدة الحاضر إلى الجنوب في عمق ريف حلب الجنوبي، فالوصول إلى الحاضر يعني الوصول إلى العيس ورسم الصهريج، والاقتراب كثيرًا من الطريق الدولي الاستراتيجي الذي يربط بين مدينتي حلب وحماة، مرورًا بخان شيخون وسراقب في محافظة إدلب.
أما النظام السوري فتقوم استراتيجيته حاليًا في عموم حلب على استكمال تقطيع أوصال الفصائل المعارضة، وإجبارها على خوض أكثر من معركة في آن واحد على ثلاث جبهات: جبهة الجيش، وجبهة الأكراد، وجبهة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ووسط كل هذا يحاول النظام السوري حصار المعارضة قدر المستطاع عن طريق قطع طريق الكاستيلو لتنفيذ الحصار على مناطق نفوذ المعارضة.
وفي النهاية لا يمكن اعتبار أن التحركات الأخيرة للنظام على جانبي طريق الكاستيلو تشير إلى تغييرات كبيرة، حيث يُشير بعض النشطاء إلى أن طريق الكاستيلو مقطوع ناريًا بالفعل منذ سبتمبر 2015، بسبب غارات النظام والاستهداف المدفعي، وهو ما يعني أن فرصة المعارضة في استعادة زمام المبادرة في معركة الكاستيلو ما زالت سانحة.