لا تزال حركة حماس تحت القصف الإعلامي الإقليمي الذي يتهمها تارة بالتماهي مع المشروع الإيراني في المنطقة، وتارة تتهم بتكريس الانقسام الفلسطيني من قبل وسائل إعلام تعادي مشروع الحركة المقاوم وتربطه بحالة الإقليم المعادية لجماعة الإخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسي بشكل عام.
هذه المرة كانت الأمور مختلفة بعض الشيء حيث اجتمع الهجوم على حركة حماس من النقيضين في يوم واحد، وذلك بعد أن أطلق تركي الفيصل الرئيس السابق للاستخبارات العامة السعودية هجومًا حادًا على الحركة.
حيث زعم الفيصل والذي يشغل حاليًا منصب رئيس مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، خلال مؤتمر للمعارضة الإيرانية احتضنته العاصمة الفرنسية باريس، أن “نظام الخميني – في إشارة للنظام الإيراني – يدعم حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين بهدف إشاعة الفوضى في المنطقة”.
هذه الاتهامات رفضتها الحركة بشكل مطلق في بيان لها صدر أمس الأحد، ذكرت فيه أنها تستنكر التصريحات الصادرة عن رئيس مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الأمير تركي الفيصل، السبت، أمام مؤتمر للمعارضة الإيرانية في باريس، مضيفة أنه “تعرض فيها بالإساءة والاتهام” لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية.
وأكدت الحركة أنها ترفض هذه التصريحات، ووصفتها بأنها “افتراءات لا أساس لها من الصحة، ومجافية للحقيقة والواقع”، واعتبرت الحركة في بيانها أن “هذه التصريحات تسيء إلى شعبنا وقضيتنا ومقاومتنا، ولا تخدم إلا الاحتلال الصهيوني، وتوفر له الذرائع لمزيد من عدوانه على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا”.
وأضاف البيان: “القاصي والداني يعلم أن حماس حركة فلسطينية مقاومة للاحتلال الصهيوني داخل أرض فلسطين، وذات أجندة فلسطينية خالصة لصالح شعبها وقضيتها وقدسها وأقصاها، وتتبنى الفكر الإسلامي الوسطي، ومنفتحة على جميع مكونات شعبها وأمتها والعالم، وحرصت الحركة طوال مسيرتها على النأي بنفسها عن أي صراعات أو تجاذبات أو أجندات أخرى”.
السعودية وإيران اتفقتا ضد حماس في هذا اليوم
من جانب آخر زعم المستشار الأعلى للحرس الثوري الإيراني العميد خسرو عروج أن حماس تسعى لتوقيع معاهدات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر تركيا.
إذ قال عروج في تصريحات نشرتها وكالة مهر الإيرانية: “إن حماس رفعت راية النضال والقتال لتدمير إسرائيل لكننا اليوم نرى كلامًا آخر وتفكيرًا مغايرًا لنهج الإمام الخميني الذي يرفض الجلوس مع الظالم على طاولة واحدة”، على حد قوله .
وكان رد فعل الحركة غير مختلف عما ردت به على اتهامات تركي الفيصل، حيث اعتبرت الحركة في تصريح صحفي مساء أمس الأحد، أن “ما جاء على لسان المسؤول الإيراني هي افتراءات باطلة ولا أساس لها من الصحة”، مشيرةً أن سياسة حماس الرسمية والفعلية هي عدم التفاوض مع العدو – إسرائيل -“، وأضاف تصريح حماس أنها “ستظل رأس حربة المقاومة في فلسطين حتى التحرير والعودة”.
هذه المفارقة تنم عن محاولات جمة من قلب الصراع السعودي الإيراني للزج بحركة حماس داخل آتون المعركة الإقليمية بينهما التي لا تنتهي إلى الحد الذي اجتمع فيه النقيضين على مهاجمة حركة حماس، وإن كانا بغير اتفاق، وكل من زواية ادعاء مختلفة.
ورغم أن إيران حاولت أن تعدل من موقفها بعد هذه التصريحات التي اتفقت مع السعودية بها في هذا اليوم بغير قصد، وأغضبت حركة حماس بالصورة التي ظهرت في تصريحات الحركة ردًا على ادعاءات المسؤول الإيراني، إلا أن هذا التناقض ينم عن أزمة داخلية في إيران فيما يتعلق بالتعامل مع حركة المقاومة الإسلامية حماس.
حيث أصدر الحرس الثوري الإيراني بيانًا عبر لجنة العلاقات العامة اعتبر فيه حركة حماس الخط الأمامي للمقاومة ضد الصهاينة، وذلك في معرض محاولة إصلاح ما أفسدته تصريحات نسبت إلى أحد مستشاري الحرس الثوري تتحدث حول مفاوضات مزعومة بين حماس والإسرائيليين عن طريق دولة تركيا بعد اتفاق المصالحة الأخير.
وأفادت وكالة مهر للأنباء: “أن العلاقات العامة للحرس الثوري شددت في بيانها على أن مقاومة الشعب الفلسطيني المظلوم ضد الصهاينة دخلت مرحلة جديدة عبر تشكل الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، ودبت معالم الخوف المتزايد لدى محتلي القدس الشريف وداعميهم الإقليميين وخارج المنطقة”.
مضيفًا البيان: “لا شك بأن حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تلقى منها العدو الصهيوني في الحرب الماضية ضربة قاضية وهزيمة مذلة، تقع في خط المقاومة الأمامي ضد الصهاينة”.
ووصف البيان: “دعم الشعب الإيراني لتطلعات القدس الشريف والشعب الفلسطيني من الاستراتيجيات التي لا مجال للطعن فيها للثورة الإسلامية وقوات الحرس الثوري”، منوهًا إلى أن الحرس الثوري يعلن عن مواقفه وآرائه عبر بيانات رسمية صادرة عنه أو عن القائد العام وممثل الولي الفقيه والعلاقات العامة في الحرس الثوري، وأن جميع الآراء والتصريحات حول القضايا المختلفة يعتبرها آراء شخصية وغير رسمية، وذلك في محاولة لإبعاد ما قاله العميد خسرو عن قيادة الحرس الثوري.
مشروع حماس بين مطرقة وسندان
لا شك وأن دلالة ما حدث في اليومين الماضيين من اتفاق الخصوم على مهاجمة حركة مقاومة محلية ينم عن رغبة ملحة لضمها إلى هذا الصراع الطائفي، وأنه مهما حدث فإن مشروع حركة حماس لن يكون مرضيًا عنه من أي طرف طالما لم ينضو تحت لوائه على طول الخط، وإلا سيتعرض للوصم بالإرهاب كما تتحدث السعودية دائمًا عن خصومها، أو ربما للمزايدات الإيرانية بالحديث عن تفاوضات مزعومة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي دون وجود أي دلائل على ذلك.
جدير بالذكر في هذا الموطن أن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل كان قد كشف عن تراجع الدعم الإيراني لحركته بسبب رفضها تأييد نظام الرئيس السوري بشار الأسد عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011.
وقال مشعل في مقابلة مع قناة “فرنسا 24” في منتصف شهر مارس الماضي إن الأزمة بين حماس والأسد أثرت على العلاقة مع إيران التي ردت بمراجعة الدعم المالي للحركة بشكل كبير بعد أن كانت أحد الداعمين الأساسيين لها.
وعلى النقيض حاولت السعودية أن تستميل حركة حماس في معركتها ضد إيران عقب اندلاع حرب اليمن، واستقبلت في هذا الإطار خالد مشعل ووفد من الحركة، وقد خفت حدة الهجوم من وسائل الإعلام السعودية على الحركة حينها، ولكن بدون أية مقدمات عاد هذا الهجوم مرة أخرى فيما يشبه إعلان رفض حماس الانجرار للحرب الطائفية التي تشعلها السعودية في المنطقة مع إيران.
أما عن حركة حماس فهي لا تزال تراوغ من أجل عدم إجبارها على الدخول في هذه الصراعات التي قد تدمر مشروعها من حركة تحرر وطني مرتبطة بالقضية الأكبر في الوطن العربي “القضية الفلسطينية” إلى جماعة أو حركة خاضعة لحسابات إقليمية، وما مشروع حزب الله عنهم ببعيد، حيث خسر الحزب رصيده في الشارع العربي بانخراطه في حرب ليست له لحساب داعميه الإقليميين، وهو ما رفضته حماس من أول يوم.
ولا شك أن حماس تحتاج إلى إيران كما تحتاج إلى السعودية، فالدعم الإيراني العسكري لا غنى عنه في ظل هذه الظروف، وكذا الحاجة إلى السعودية سياسيًا لتخفيف التوتر مع النظام المصري في ظل تصاعد الهجمة ضد جماعة الإخوان المسلمين في مصر وإصرار بعض أجنحة النظام على التعامل مع حماس بهذه الخلفية، وهو ما جعل لجوء حماس إلى الداعم الأول الإقليمي للنظام المصري منطقيًا، وعليه من غير المتوقع أن تسعى حماس لخسارة أحد الطرفين كليًا.
ومما يمكن الخروج به في الحالة الماثلة فيما يخص التعامل مع حركة حماس من قبل السعودية وإيران وتذبذب المواقف من الحركة، بأنها حالة نجاح جزئية في وسط حالة استقطاب حادة تسود الإقليم تحرق المشاريع الوطنية بصورة غير مسبوقة، حيث بدأت السعودية وإيران تتعاملان بمنطق من ليس معي في الحرب المزعومة فهو ضدي حتمًا، ونجاح حركة حماس في ظل ظروفها الحالية الصعبة التي تعاني منها في قلب الشعب الفلسطيني في الاحتفاظ بقدر من الاستقلالية التي تجعل من القوى الإقليمية المتصارعة تستنكرها ولو بأشكال مختلفة، هو مصدر قوة للحركة وليس مصدر ضعف.