خطت الأردن خطوة جريئة وحاسمة، بالاستعاضة عن البطاقات الشخصية للمواطنين بأخرى ذكية تخلو من خانة الديانة، دون توضيح أي أسباب لتلك الخطوة، الأمر الذي أثار جدلاً على الساحة الأردنية حول الهدف من شطب الديانة في بلد لا يعاني من أزمة طائفية.
وقام العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بدعم مشروع البطاقة الجديدة معنويًا، وذهب شخصيًا إلى دائرة الأحوال المدنية، وأصدر أولى هذه البطاقات التي تحتوي على شريحة إلكترونية تضم معلومات تستخدم لأغراض أمنية وشخصية، كما أعلنت دائرة الأحوال المدنية.
وطبقًا للمعلومات التي صرح بها مسؤولون أردنيون مؤخرًا، فإن بطاقة الأحوال المدنية الجديدة هي بطاقة ذكية تشتمل على بيانات لخدمات معينة ليتم عن طريقها الانتخاب في البرلمان والبلديات، وتحوي المعلومات الأساسية للمواطن، وقد يضاف إليها معلومات كتلك المتعلقة بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وزمرة الدم، وهي معدة لاستيعاب أي تطبيقات أخرى قد تتم إضافتها مستقبلاً.
سلخ الهوية الإسلامية
وأثار إلغاء اسم الديانة من الهوية نقاشًا مجتمعيًا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، واستهجن أردنيون قرار إزالة الديانة من البطاقة الشخصية في بلد نص دستوره في مادته الأولى على أن “دين الدولة هو الإسلام”.
واعتبر النائب الأردني السابق زكريا الشيخ، إزالة خانة الديانة “استهدافًا للإسلام، وعملية لسلخ هوية الدولة الأردنية والهوية الإسلامية”، وقال في تصريحات صحفية له: “أنا ضد هذا الإجراء، وأعتبره تطاولاً على هوية الدولة القائمة والمستمدة شرعيتها من الشرعية الدينية والإسلامية، كما أن القيادة الأردنية استمدت شرعيتها من الشرعية الدينية، فأي تطاول على هذه الشرعية هو تطاول على شرعية القيادة الإسلامية”.
وأضاف الشيخ أن إصدار البطاقة الجديدة “يأتي كجولة من جولات التيار الإلحادي الذي ينشط حاليًا، ويسعى لأن تكون المناهج التعليمية في الأردن بلا قرآن، وهويته بلا أديان، ومحاولة لتحويل بوصلة الحرب الحقيقية التي يجب أن تكون ضد تنظيم داعش، وتوجيه السهام نحو جوهر الإسلام، ومظاهر التدين والدين”.
أما أحمد الهاشمي أحد المعارضين لحذف خانة الديانة من البطاقة قال: “الدين جزء لا يتجزأ من هيبتي كأردني، والأهم أن ديانة الأردن هي الإسلام، فلم الخجل من الديانة؟”.
وكذلك زيد محمدي، والذي كانت له أسباب أخرى للاعتراض على الفكرة، وكان تعليقه “أنا ضد هذه الخطوة، لتمييز المسلمين عن غير المسلمين، وذلك لاختلاف العادات ما بين الديانات، ولمعرفة ما هو المسموح لشخص معين، وما المرغوب من عادات وأفعال، ومن الممكن الاستفادة منها في المحاكم”.
وبالنسبة لمحمد عبد الفتاح، فهو يرى أنه لا بد من ذكر الديانة في البطاقة، لكنه ضد استخدامها بشكل عنصري، موضحًا “يفترض استبعاد من يتعاملون مع الناس على أساس الديانة، وليس استبعاد الديانة من أجل هؤلاء الأشخاص”.
الدين ليس بكلمة تكتب
وفي رده على الجدل حول إزالة خانة الديانة، قال مدير دائرة الجوازات الأردنية مروان قطيشات، إن “الدين ليس بكلمة تكتب، أو حتى لحية، بل إنني كلما أشاهد شخصًا بلحية؛ أدقق في معاملته بشكل أكبر”، واستدرك قائلاً: “الديانة موجودة في الشريحة الإلكترونية، ولكنها غير مرئية في البطاقة”.
وأوضح أن “المعاملات الشرعية والإرثية والزواج، تقدم عن طريق دفتر العائلة الذي يحتوي على الديانة”، مشيرًا إلى أن “المملكة اطلعت على البطاقات الشخصية في المناطق العربية المجاورة، كالسعودية وغيرها، ووجدت أنها لا تحتوي على الديانة”، نافيًا في الوقت نفسه أن تكون هنالك إزالة لاسم العشيرة من البطاقة.
وتحتوي البطاقة – بحسب دائرة الأحوال المدنية – على 16 علامة أمنية، تجعلها غير قابلة للتزوير، مضافًا إليها بصمات أصابع اليد، وتقنية التوقيع الإلكتروني، ويؤكد قطيشات أن البطاقة “تراعي روح العصر، وتعتمد على صفات فنية بيولوجية، كبصمات اليدين، وقزحية العين”.
ورحب المواطن الأردني محمود إبراهيم بهذه الخطوة وقال: “أنا مع الخطوة بالتأكيد، لأننا نعيش في دولة لا فرق فيها بين الديانات، وجميعنا كمسيحيين ومسلمين علينا أن ندافع عن الدولة التي نعيش فيها”.
ولاقى إلغاء اسم الديانة من البطاقة، ترحيبًا كبيرًا من قبل طوائف دينية اعتبرت القرار “خطوة أولى نحو إزالة التمييز بحقهم”.
وقالت الناطقة باسم طائفة البهائيين في الأردن، تهاني روحي في تصريحات صحفية: “إن حذف اسم الديانة من البطاقة الشخصية، أزال التمييز النفسي الذي يتعرض له أبناء الطائفة البهائية في المؤسسات الرسمية والمعاملات الشخصية، حيث كانت توضع نقاط مكان خانة الديانة في البطاقة القديمة، ما شكل تمييزًا”.
ولا تعترف الحكومة الأردنية رسميًا بالبهائية كدين، ولا توجد أرقام محددة حول أعداد البهائيين في الأردن، ولكن باحثين يقدرونها بحوالي الألف شخص، أغلبهم من أصول إيرانية، هاجروا إلى بلاد الشام في القرن التاسع عشر، ويتواجدون بأعداد أكبر في العراق ومصر وسوريا.
ويرى سفيان الهاشمي أحد المؤيدين لإلغاء الديانة من البطاقة: “كون ديانتي مكتوبة على بطاقة الهوية لا يعني بأي حال أنني ملتزم أو مقصر بها، ولا يوجد أي فائدة من وجودها كخانة في البطاقة، ونحن نعرف بعضنا البعض، وحرية الاعتقاد مكفولة من القانون”.
ومن الناحية القانونية اعتبرت المحامية تغريد الدغمي قرار إزالة خانة الديانة من البطاقة الشخصية “منسجمًا مع الدستور الأردني، الذي نص على أن الأردنيين أمام القانون سواء”، وقالت الدغمي التي أعدت دراسة حول واقع الأقليات الدينية في الأردن: “نتحدث بأننا دولة مواطنة ودولة قانون، فالأصل التعامل بين المواطنين دون تمييز، إذ تنص المادة السادسة من الدستور على أن الأردنيين سواء أمام القانون، لا تمييز بينهم على أساس اللغة أو الدين أو العرق”.
وأضافت خلال تصريحاتها الصحفية، أن إزالة خانة الديانة “يزيل التمييز بحق بعض الطوائف”، مشيرة إلى وجود ديانات أخرى في الأردن كالمسيحية والبهائية، وتابعت: “قد يتعرض أشخاص كالبهائيين للتمييز في العمل والحياة الاجتماعية، ولا يتعلق الموضوع بالبهائيين وحدهم، فكل من يبدل دينه يتعرض لمثل هذا التمييز”.
وتسأل أدهم إسلام متعجبًا: “ما أهمية هذه الخطوة طالما عليّ في أرض الواقع أن أثبت ديانتي أمام الجهات المختصة، سواءً لتسجيل المواليد الجدد، أو لأقوم بالزواج أو الطلاق، أو في قضايا الميراث ودفن الموتى، أو لأثبت أمام القانون إن كنت مذنبًا أم لا في حال قمت بالإفطار في نهار رمضان، أو لدى الاعتذار عن حضور مُقرر التربية الإسلامية في المدارس؟”.
وتبين أرقام رسمية تقدمت بها الحكومة الأردنية في تقريرها الدوري الثالث، المقدم للجنة المعنية بحقوق الإنسان، أن عدد الأشخاص المنتمين لديانات غير الإسلام في الأردن يتراوح بين 3 و4%، ويشكل المسيحيون النسبة الأكبر2.3 % بواقع حوالي 150 ألف شخص.
مصر تمهد الطريق
وفي مصر قدم قبل أيام النائب بالبرلمان المصري علاء عبد المنعم مواد مشروع قانون “المواطنة وعدم التمييز” والموقع من 60 نائبًا، وجاء فى 18 مادة، تضع تعريفًا محددًا للمواطنة، وتنص على إلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي، وتضع عدة عقوبات في حال إنشاء جمعيات تحث على العنف.
ومن الجانب الديني قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن ما أقدمت عليه الحكومة الأردنية بالقيام بإصدار بطاقات شخصية للمواطنين، تخلو من خيانة الديانة، شأن داخلي ولا نتدخل في الشؤون الداخلية، وأضاف كريمة في تصريحات صحفية، أن الأمر يختلف بالنسبة لمصر، خاصة وأن التيار السلفي يعمل منذ القدم على تأجيج أعمال الفتن بين أبناء المجتمع الواحد، وذلك بنشر فتاوى تثير الكراهية بين المسلمين والأقباط منها على سبيل المثال لا الحصر، عدم جواز تهنئة الأقباط.
مشيرًا إلى أنه لو تم تفعيل هذا القرار من قبل السلطات المصرية، سينجم عنه كوارث اجتماعية كثيرة ولا حصر لها، منها استغلال غياب خانة الديانة من قبل البعض في الزواج من الأقباط، الأمر الذي تنجم عنه مخالفة شرعية، بالإضافة إلى الأحداث والمشاكل المجتمعية والعكس.
من جهته قال الدكتور حامد أبو طالب، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إن مسالة وجود خانة للديانة في الهوية الشخصية، من الأمور التنظيمية، والتي اختص بها القانون وفقًا للوائح المنظمة في هذا الشأن، مؤكدًا أن وجود خانة الديانة أمر في غاية الأهمية وفيه تيسير لمصالح الناس.
وتعود أزمة خانة الديانة لعام 2004، عندما تم الإعلان عن إلغاء البطاقات الورقية واستبدالها ببطاقة الرقم القومي، حيث رفضت وزارة الداخلية وقتها استصدار بطاقات جديدة للبهائيين تدون ديانتهم في خانة الديانة، وذهبت مصادر رسمية، إلى أن هذه الخطوة قد تعني أن الدولة المصرية تعترف بالديانة البهائية، رغم أنه كان مسموح لهم بتدوين ديانتهم في البطاقات الورقية.
بعد 5 سنوات، حسم القضاء الإدارى الجدل، حيث أصدر حكمًا فى مارس 2009 بأحقية البهائيين باستصدار بطاقات الرقم القومي، وفي أغسطس من العام نفسه أصدرت وزارة الداخلية أول بطاقة رقم قومي لمواطنين بهائيين هم: عماد رؤوف هندي ونانسي رؤوف هندي تتضمن في خانة الديانة، وهو ما وصفه حينها تقرير الحريات الدينية الصادر عن مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل فى الخارجية الأمريكية بالتطور الإيجابي.
وقال التقرير الصادر في عام 2009: “كانت هناك بعض التطورات الإيجابية: الإجراءات التي اتخذتها المحاكم ووزارة الداخلية والتي فتحت الباب أمام إمكانية حصول جميع البهائيين بالبلاد على وثائق للهوية القومية تحتوي على شرطة، أو كلمة “أخرى” في خانة الانتماء الديني”.
واتخذت عدد من الدول في منطقة الشرق الأوسط خطوات تتجه إلى إلغاء خانة الديانة من بطاقات الهوية، فعلى سبيل المثال قررت الحكومة التركية حذف خانة الديانة من البطاقات الشخصية لمواطنيها، فى إطار سعيها للانضمام للاتحاد الأوروبي، وتأكيدًا على التزامها بالمعايير المدنية لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية، وأصدرت وقتها هويات جديدة للمواطنين تحتوي على شرائح إلكترونية، تغيب عنها ديانة الشخص الحامل لها، في حين تحتوى الشريحة الإلكترونية معلومات مفصلة حول ديانة المواطن.