شهدت فترة الخمسينات من القرن الماضي، بداية تشكل العلاقات بين دولة الكيان الصهيوني ودول القارة الإفريقية، حينما سوقت الدولة الوليدة وقتها لنفسها باعتبارها دولة فتية وديمقراطية جديدة بالمنطقة، مستغلة المزاج الإفريقي العام في هذا التوقيت، مع بداية نشأة الدول الإفريقية الحديثة.
صورة من حرب أكتوبر 1973
مد وجزر
لكن حرب العام 1967 والفترة ما بينها وبين حرب 73 أسهمت في تفكير دول القارة الإفريقية في مراجعة منهجيتها الداعمة لقبول دولة الكيان، وأدى العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن إلى تغيير صورة إسرائيل في نظر الأفارقة إلى دولة عدوانية وتوسعية، ومن ثم بدأ مسار قطع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول إفريقية هي غينيا وأوغندا وتشاد والكونغو برازفيل، ثم جاءت حرب أكتوبر 73 لتشهد جماعية في قطع العلاقات الإفريقية بدولة الكيان، حيث اتخذت 31 دولة قرارًا ملزمًا من منظمة الوحدة الإفريقية بقطع العلاقات معها، وبعد توقيع مصر وإسرائيل على اتفاقية كامب ديفيد للسلام في عام 1978، بدأت المياه الإسرائيلية لتسير بجداولها الإفريقية من جديد، ومنذ ذلك الحين وتعمل دولة الكيان على محاولة كسر حاجز الرفض بينها وبين دول القارة الإفريقية.
فكانت تسعينات القرن العشرين هي مرحلة الصعود في علاقات إسرائيل وتعاونها سياسيًّا وتجاريًّا واقتصاديًّا مع عدد من الدول الإفريقية، خاصة في شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية لهذه الدول، فضلاً عن حضورها على نحو خاص في إثيوبيا، لمحاصرة الأمن القومي المصري من خلال التهديدات المرتبطة بمياه النيل، وحاليًا ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع 41 دولة من بين الدول الـ 54 الإفريقية، كما أن لديها سفارات في 11 دولة من تلك الدول، فيما ترتبط بتحالفات خاصة مع دول مثل إثيوبيا وإريتريا ورواندا وبوروندى وكينيا.
التسلل لإفريقيا
وعلى المستوى التنظيمي حصلت إسرائيل على وضعية “عضو مراقب” في منظمة الوحدة الإفريقية، وكان مقرها الأساسي في أديس أبابا، وتمتعت بهذا الوضع حتى عام 2002، حينما جرى حل المنظمة واستبدالها بالاتحاد الإفريقي كإطار منظم للعلاقات الإقليمية الإفريقية، وحاولت إسرائيل استعادة تلك المكانة فتقدمت في عام 2003 بطلب الانضمام إلى “الاتحاد الإفريقي” كعضو مراقب، إلا أن طلبها قوبل بالرفض.
مؤخرًا زادت أهمية إفريقيا بالنسبة لدولة الكيان، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتداعيات ذلك على مستقبل أوروبا وإمكان تفككها وإضعاف اقتصادها في ظل تدفق المهاجرين، وهو ما جعل دولة الكيان تؤمن بأهمية إفريقيا كلاعب مهم في السياسة الدولية خلال الفترة الراهنة.
صفعة نتنياهو
سيرًا على هذا النسق بدأت الزيارة المكوكية الأخيرة لرئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، لعدد من دول القارة السمراء بدأت بأوغندا ثم كينيا فإثيبويا ورواندا، استغرقت 8 أيام، بعد أقل من شهر واحد فقط من زيارة وفد دبلوماسي رفيع المستوى من الخارجية الصهيونية لإثيوبيا وكينيا.
رأى خبراء السياسة الدولية أنها – أي الزيارة – لن تخرج عن ملفات أربع وتستهدف في الأساس تحقيق أمنين رئيسيين، بالإضافة إلى عدد من الأهداف الفرعية الأخرى التي تصب في تحقيق هذين الأمنين بصورة مباشرة وغير مباشرة، أولها الأمن المائي من خلال ضمان توفير المياه لدولة الاحتلال لسنوات قادمة، عن طريق تمويل بناء السدود على النهر، وهو ما ترحب به دول الحوض بصورة كبيرة، والثاني هو الأمن القومي، وهو ما يتمثل في استخدام بعض الملفات كورقة ضغط على صنّاع القرار في مصر وبعض الدول العربية، بما يخدم أهداف الكيان في مسيرة الصراع العربي الإسرائيلي، وفي مقدمتها ملف “سد النهضة” الإثيوبي، إضافة إلى تأليب دول الحوض على مصر، بما يفتح الباب لإسرائيل لممارسة ابتزازها السياسي، وكذلك منافسة القوى العالمية الأخرى في الوجود الإفريقي وفي مقدمتهم الصين والهند وروسيا، كما ستعمل على تكثيف تعاونها في عدة مجالات، على رأسها المجالات العسكرية والأمنية والزراعية والمائية والاقتصادية، وتنفيذ مشروعات مشتركة تقلل من كمية المياه لمصر والسودان.
اختراق دولة الكيان للقارة الإفريقية يمكنها من العبور نحو الأهداف الأخرى، خصوصا الدور الإفريقي في المنابر العالمية والداعم للقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى ذلك، تبدو الأهداف الاقتصادية حاضرة وبقوة، حيث انضم للوفد السياسي لنتنياهو، أكثر من مئتي رجل أعمال، كانوا يدخلون إفريقيا تحت غطاء شركات أوروبية، وسعت الزيارة لكسب الأسواق الإفريقية، خصوصًا في المناطق الاستراتيجية في القارة السمراء، بينها مناجم المعادن الثمينة والذهب واليورانيوم والأحجار الكريمة بكل من كينيا ورواندا.
ترحيب إثيوبي
ما يدعم هذه التصورات هي تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين، التي أكد فيها أن بلاده ستدعم تحرّكات إسرائيل الساعية لـ “استعادة مكانتها في الاتحاد الإفريقي”، متابعًا أنه “لا يوجد سبب يمنع إسرائيل من صفة عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي”، فيما تلمح مصادر بداخل دولة الكيان إلى أن نتنياهو حصل خلال مشاركته في قمة إقليمية مصغرة حول الأمن والتصدي للإرهاب في أوغندا، مع رؤساء دول وحكومات كينيا ورواندا وإثيوبيا وجنوب السودان وزامبيا وملاوي، على تعهد من هؤلاء بـ “قبول إسرائيل كدولة مراقبة لدى الاتحاد الإفريقي”، وهو ما ترفضه دولة السودان على لسان وزير خارجيتها إبراهيم غندور، لافتًا إلى أن مطالبة بعض الدول الإفريقية بانضمام إسرائيل إلى عضوية الاتحاد الإفريقي، غير واردة قانونيًا، وهي مجرد استهلاك إعلامي ليس إلا.
واقعية ومخاوف
- هنا يبرز تساؤل هام حول احتمالات حصول تل أبيب على عضوية الاتحاد الإفريقي وتداعيات ذلك في حال تحققه؟
واقعيًا، الأمر غير قائم على الأقل حاليًا، فميثاق الاتحاد يحدد آلية الالتحاق به، حيث ينضم إلى الاتحاد كافة الدول الإفريقية والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، ويهدف إلى تضامن الشعوب الإفريقية، والدفاع عن سيادة الدول الأعضاء والتكامل الاقتصادي، وبالتالي فلا مجال واقعيًّا للحديث عن انضمام دولة الكيان إلى عضوية الاتحاد، وهي غير واردة قانونيًا، لأنها ليست دولة إفريقية بحكم الواقع الجغرافي، واتفاقية تأسيس الاتحاد لا تشير إلى إمكانية دخول أعضاء من خارج القارة الإفريقية، أما ما يسمح به ميثاق الاتحاد، فهو منح صفة مراقب لبعض الدول التي تربطها علاقات خاصة بدول القارة، وهذا الوضع يتيح لهذه الدول أن تحضر جلسات الاتحاد ومنها الجلسة الافتتاحية، لكن لا يحق لها التصويت على أي قرارات.
وتشمل قائمة الدول التي تتمتع بصفة المراقب في الاتحاد الإفريقي دولًا مثل تركيا وكازاخستان وبعض الدول الخليجية، فضلًا عن فلسطين التي حصلت على هذه الوضعية في عام 2013، وبالتالي يمكنها – دولة الكيان – استعادة وضعية مراقب بالاتحاد الإفريقي.
زوما: عقدة نتنياهو
دلائل أخرى قد تعني رفض الطلب الإسرائيلي على الأقل في المستقبل القريب، فمن ناحية أولى يرى البعض أن تولي الجنوب إفريقية نكوسازانا دلاميني زوما رئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي، ربما يعرقل خطط تل أبيب في هذا السياق، خاصة في ظل تاريخ العلاقات بين إسرائيل وجنوب إفريقيا، والذي يشوبه دعم إسرائيل للنظام العنصري في جنوب إفريقيا قبل إنهائه، لذا فإن دعم إثيوبيا وكينيا لانضمام إسرائيل إلى الاتحاد الإفريقي، موقف يمثل الدولتين فقط، حيث إن قرار قبول انضمام إسرائيل للاتحاد يحتاج إلى موافقة بالإجماع، وهو ما لا يمكن لإسرائيل تأمينه في اللحظة الراهنة.
سد النهضة
تداعيات مقلقة
أما التداعيات المتوقعة في حال تحقق حلم دولة الكيان في اختراق الاتحاد الإفريقي، فتتمثل في أن صفة المراقب في منظمة الاتحاد الإفريقي تترتب عليها مجموعة من التداعيات أو النتائج التي تصب في صالح إسرائيل، فيما تعد خصمًا مباشرًا من رصيد الدول العربية، على عدة أصعدة منها التنظيمي أو المؤسسي، حيث يحق للدولة المراقب أن تقدم المقترحات والتعديلات وأن تشارك في المناقشات التي يشهدها الاتحاد، كما يحق لها أن تطلب الانضمام للكثير من الاتفاقيات العالمية التي يعد الاتحاد طرفًا فيها، وبالتالي ستستفيد دولة الكيان من ذلك باطلاعها على كافة المعلومات التي تخص المنظمات التابعة للاتحاد الإفريقي، مثل الجمعية العامة للاتحاد الإفريقي واللجان المتخصصة، ومحكمة العدل الإفريقية، ما يدعم مركز إسرائيل كفاعل دولي.
من بين المزايا أيضًا التي ستحصل عليها تل أبيب جراء صفة المراقب بالاتحاد، الاستفادة من كتلة التصويت الإفريقية الضخمة التي تضم 54 دولة في المحافل الدولية، لتأييد القرارات التي في مصلحة دولة الكيان، لاسيما في الجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من المحافل التي لا تتمتع فيها الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف والراعي الأول لإسرائيل، بحق النقض “الفيتو”، وهو ما ترجم جزئيًا حينما رفضت دول إفريقية قبل عدة أشهر التصويت على مشروع قرار يطالب تل أبيب بفتح مفاعلاتها النووية لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أما على مستوى القضية الفلسطينية فيطالب الاتحاد الإفريقي إسرائيل في كل قمة يعقدها بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967، فضلًا عن أن الاتحاد معروف عنه مواقفه الثابتة في دعم إقامة الدولة الفلسطينية، ويدين باستمرار الاستيطان الإسرائيلي، وحقيقة وجود فلسطين كمراقب بالاتحاد يدفع بدولة الكيان للعمل بقوة على إيصال صوتها خلال اجتماعات الاتحاد، لتحدث حالة من التوازن مع الخطابات التي يلقيها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يحرص على إلقاء خطاب في كل اجتماع للاتحاد.
وأخيرًا لا يمكن إغفال التداعيات ذات الأبعاد الاستراتيجية التي ترتبط بشكل مباشر بملف مياه نهر النيل، والذي يشهد خلافات متصاعدة بين دول المنطقة، بسبب اتفاقية عنتيبي التي تهدد الحقوق التاريخية لدولتي المصب، مصر والسودان، في مياه النيل، فضلًا عن قضية سد النهضة الإثيوبي.
ويمكن القول أن حضور إسرائيل لاجتماعات الاتحاد الإفريقي بصفتها مراقب سيكون له تأثيرات مباشرة على هذه الملفات لدى مناقشتها، إذ سيسمح ذلك لإسرائيل بالتأثير على قرارات الاتحاد وأصوات الدول الأعضاء، وذلك عبر إمكانية الوعد بتقديم منح ومساعدات لتلك الدول، لدفعها إلى التصويت بشكل يخدم المصالح الإسرائيلية في هذا السياق.