وصل الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي مع نائبه الجنرال علي محسن الأحمر إلى محافظة مأرب اليمنية (شمال شرق العاصمة صنعاء) عبر مروحية عسكرية “أباتشي” يوم الأحد 10 يوليو، وهي الزيارة المفاجئة والأولى له منذ مغادرته اليمن أواخر مارس من العام 2015.
وقال الرئيس اليمني الذي ألقى خطابًا بهذه المناسبة وكان على يمينه الجنرال علي محسن الأحمر وعلى شماله مستشاره عبد العزيز جباري ومن خلفه طاقم من الحرس الخاص السعودي، إنه لن يسمح للحوثيين بإقامة دولة فارسية في اليمن، ولن يسمح لهم بالتطاول على 26 مليون يمني وتحويل اليمن إلى دولة تابعة لإيران، مكررًا كلامًا قاله في محافظة عدن بعد وصوله إليها العام الماضي برفع العلم اليمني فوق جبال مران بمحافظة صعدة التي تعد معقل الحوثيين.
وعاتب الرئيس اليمني في كلمته الأمم المتحدة على ما اعتبره وجود نوع من التلاعب والتخلي عن روح قرار 2216 من خلال طرح موضوع حكومة الوحدة الوطنية، واللجنة الاقتصادية المشتركة، واللجنة العسكرية المشتركة، وهو ما يعطي نوعًا من التشريع للحوثيين، بحسب حديثه، وهو حديث لم نعهده من قبل.
وزيارة الرئيس اليمني إلى مأرب التي تبعد نحو 173 كيلومترًا عن العاصمة صنعاء، لها دلالات ورسائل سياسية سنحاول قراءتها في السطور التالية.
رسائل سياسية
جاءت زيارة الرئيس هادي إلى مأرب التي حررت قوات التحالف العربي جزءًا منها العام الماضي، قبل انعقاد الجولة الثانية من مشاورات/ مفاوضات الكويت بخمسة أيام، وإعلانه من هناك بأنه لن يعود إلى الكويت حال استمرت الأمم المتحدة بالضغط عليه لتمرير خارطة الطريق التي استنبطها مبعوثها إلى اليمن إسماعيل ولد الشيح من رؤية الأطراف المتحاورة، لتكشف حقائق ما كنا قد تناولناها في موضوع سابق هنا عن خارطة أممية إلزامية لحل السلام في اليمن يشارك فيها كافة الأطراف وهو ما يرفضها هادي والمملكة العربية السعودية التي ترى في تنفيذها خسارة سياسية ودبلوماسية وقبل ذلك عسكرية لها أمام عدوها اللدود الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح (الذي يعد مساهمًا في هذه الخارطة) وكذلك أمام إيران (عدوتها الأولى) والولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تريد من خلال ذلك توصيل رسائل عدة أبرزها قدرتها على الردع السريع من أي اعتداء إيراني عليها، وثانيًا الاعتماد على نفسها بدون الولايات المتحدة الأمريكية.
ويلاحظ من ذلك حديثه الشرس ضد الأمم المتحدة وتحذيرها وإعلانه صراحة أن الشرعية لن تقبل أي التفاف على المرجعيات الأممية وفي مقدمتها القرار 2216، وهذا ما يؤكد أن من أوعزه على ذلك هي المملكة العربية السعودية، كمناورة لتحقيق شيء من المكاسب السياسية، فالرئيس هادي لن يستطيع الحديث مترجلًا دون إذن سعودي له بذلك.
وذلك استمرارًا لنغمة التهديد التي بدأها وزير الخارجية المخلافي ضد ولد الشيخ بالاسم، وهو ما يدل على شح الخيارات المتوافرة في صف “الشرعية” وحالة اليأس والعجز التي تدفعها إلى ارتكاب أخطاء سياسية فادحة، ممكن قد تقلب الأمم المتحدة عليه وهو ما قد يكشف ذلك خلال الأيام القادمة.
ويخطئ من يظن أن زيارة الرئيس اليمني إلى مأرب الهدف منها “تحرير صنعاء” فهي لا تحتاج لزيارة أو لموافقة دولية، فالسعودية لم تنتظر موافقة دولية لشن عاصفة الحزم، وليست بحاجة لموافقة دولية لاقتحام صنعاء، إن هي قادرة على ذلك.
لكن الزيارة التي عدها خبراء عسكريون أنها قد تكون لرفع معنويات المقاتلين في صفوفه للتقدم في الميدان والسيطرة على مناطق أكثر من شأنها تشديد الخناق على العاصمة اليمنية صنعاء تمكنه من الاستفادة بطرح نقاطه بقوة في مباحثات الكويت لكونه الطرف المنتصر والمسيطر ميدانيًا أكثر، إلا أن عودته السريعة من مأرب إلى الرياض، جاءت بنتائج عكسية على مقاتليه، وما يؤكد ذلك سيطرة الحرس الجمهوري الموالي للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح على جبل “أتياس” في مديرية صرواح وعلى معسكر “كوفل” ووادي الملح.
وكشفت الزيارة أيضًا نقطة مهمة تجاهلها البعض وهي وصوله مع نائبه الجنرال علي محسن الأحمر، فكون المكان ساحة لحرب، فإن حياة الرئيس في خطر، ومن الخطأ أن يزورها أعلى رأسين في السلطة (الرئيس والنائب) في وقت واحد وبطائرة واحدة، فمن الطبيعي أنه إذا حضر أحدهم أن يبقى الآخر في مكان بعيد، وفي حالة حدث مكروهًا للرئيس فإن النائب هو من سيدير المرحلة المتبقية من المباحثات، لكن زيارتهما الاثنين معًا كشفت أن هناك عدم ثقة بينهما.
فأرد الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي أن يزور مأرب ومعه الجنرال علي محسن الأحمر حتى لا يمكر به الأخير ويرسل معلومات إلى صنعاء حول توقيت زيارته ووصوله إلى مأرب من شأنه قد يكون ضحية مؤامرة عليه، وهذا ما يؤكد عدم وجود التفاهم في القيادة ويدل أيضًا على اختلاف في مسائل كثيرة غير واضحة المعالم، وقليل ما تظهر للسطح كما أظهرت بعضها هذه الزيارة.
خيبة أمل
انتقدت الأمم المتحدة وسفراء الدول الراعية للمبادرة الخليجية تصريحات الرئيس هادي، وأعربت عن خيبة أملها حيال تصريحاته الأخيرة التي قالت إن من شأنها “سد آخر فرص السلام والحل السياسي”، بعد إعلانه رفض الخطة الأممية للحل السياسي التي تقترح تشكيل حكومة توافق انتقالية تتولى تنفيذ استحقاقات التسوية.
وأعلنت الدول الراعية للتسوية اليمنية دعمها الكامل لجهود المبعوث الأممي إلى اليمن وسط انتقادات واسعة إلى هادي ومواقفه، فيما أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي موقفًا مماثلاً في دعم جهود المبعوث الأممي في مساعية للوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية، ويعد ذلك ردًا على الرسالة السياسية التي أرسلها الرئيس هادي وبها ارتكب أخطاءً فادحة.
مساء الثلاثاء 12 يوليو تراجع الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي عن تهديداته بعدم الذهاب إلى الكويت، واتهام الأمم المتحدة بمحاولة ما أسماها “شرعنة الانقلاب”، وقال إنه أبلغ المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ بعودة وفده إلى الكويت للمشاركة في الجولة الثانية من المفاوضات التي تديرها الأمم المتحدة المقرر استئنافها 15 يوليو 2016.
ويأتي ذلك بعد يوم واحد من إحباط المجموعة العربية ودول إفريقية مساع في مجلس الأمن الدولي لإصدار بيان يؤيد تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الحوثيين وممثلين عن الرئيس السابق علي صالح بالتزامن مع عمليتي الانسحاب وتسليم الأسلحة.
ودعمت دول غربية من بينها بريطانيا والولايات المتحدة صيغة بيان تراعي مطالب الحكومة اليمنية الرافضة تنفيذ خارطة طريق للحل بشكل متزامن، واعترضت روسيا على الصيغة ما حال دون تبني بيان لدعم جهود المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد لتحقيق تقدم في الجولة المقبلة من المحادثات في الكويت المقررة منتصف شهر يوليو الجاري.
بعد ذلك عادت الحكومة اليمنية في تصريحات أقل حدة من حديث الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي، ووضعت شروطًا للعودة إلى مفاوضات الكويت.
وقال وزير الخارجية عبد الملك المخلافي في تصريحات صحفية عقب لقاء هادي بالمبعوث الدولي، إن الحكومة تعمل كل ما من شأنه تحقيق السلام ولكن لن نقبل الخديعة أو الحيلة أو المخاتلة، نتصرف كحكومة مسؤولة أمام شعبنا عن استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.
وأكد أن إنهاء الانقلاب بكل آثاره هو المدخل الوحيد للسلام، ولن نقبل شرعنة الانقلاب لأن ذلك طريق لتدمير اليمن والإضرار بالمنطقة والأمن والسلم الدوليين.
وتدل مواقف الأخير أن حكومة الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي ستكون السباقة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، لأن مقاطعتهم المفاوضات تعني مغادرتهم للمشهد، لأنهم غير متواجدين في الميدان أو من يمثلهم.
ففي محافظة عدن وحضرموت تتواجد القوات الإماراتية وهي تغرد خارج السرب، وترفض الانصياع لأي قرارات أمنية تتخذها الحكومة اليمنية المتواجده هناك برئاسة بن دغر.
وفي محافظة يتقاسم سيطرتها الإخوان المسلمين والحوثيين والجماعات السلفية وتنظيم القاعدة، ولا وجود للحكومة أو من يمثلها هناك، وفي محافظة مأرب تتواجد قوات التحالف العربي مطعمة بيمنيين حديثي التدريب العسكري، وهي من تدير المعركة الخجولة هناك.
ويتضح من ذلك أن السعودية لا زالت تمتلك الكلمة الأخيرة ما دامت الشرعية عاجزة حتى تأمين نفسها أو البقاء في أي من المحافظات المحررة، وما يحصل الآن هي مناورة سعودية لتحقيق بعض المكاسب السياسية لا أكثر.