مع نهاية ٢٠١٤، سيكون معظم جنود الناتو قد غادروا أفغانستان، معلنين نهاية محبطة لتجربة غير عادية في بناء الدول. فرغم أكثر من ١٠٠ مليون دولار تم إنفاقهم على المساعدات التي تم إرسالها إلى أفغانستان، تبقى الإنجازات التي تم تحقيقها في مجال دعم الاقتصاد الأفغاني متواضعة للغاية.
إلا أن العديد من الانتقادات وُجهت إلى الجهود التي بُذلت لتعزيز النماذج الديمقراطية في مقابل الشكل الهرمي التقليدي من السلطة الذي حكم أفغانستان لمئات السنين.
لكن هل أفادت تلك المُثل الديمقراطية أفغانستان أم جعلت الأمور أسوأ؟
في دراسة حديثة أجراها معهم ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) بعنوان “هل حسّنت المجالس المنتخبة من كفاءة إدارة المحليات؟” حاول باحثون على مدار أكثر من ست سنوات معرفة ما إذا كانت المجالس المنتخبة والتي فُرض شكلها من الخارج على الأفغان، قد حسنت من طرق الإدارة المحلية في البلاد أم لا.
نتائج الدراسة باختصار تشير إلى أنه في حالة وجود مجالس منتخبة ومحددة المهام، تكون الكفاءة أعلى، إلا أنه غالبا ما تكون تلك المؤسسات قد بُنيت بالتوازي مع المؤسسات القديمة في الدولة والتي تعتمد على شيوخ القبائل وقادة المناطق في إدارة البلاد، وكالمَثل العربي الذي يقول “المركب التي لها رئيسين تغرق”، أدى وجود مجالس منتخبة بالإضافة إلى الشكل التقليدي من الإدارة المعتمد على المجالس العرفية، أدى إلى إضعاف المراقبة على المسؤولين ووفر فرصا أعلى للسرقات والاختلاس.
الدراسة اعتمدت على شقين رئيسيين، الأول بدأ في ٢٠٠٧ عن طريق تنظيم طريقة لانتخاب مجالس محلية من الجنسين لإدارة ٢٥٠ قرية من مجموع ٥٠٠ قرية شملتهم الدراسة. أما ال٢٥٠ قرية الأخرى فقد شكلت مجالس لإدارة القرى بدون انتخابات، ما أبقى البُنى الإدارية في أيدي المجالس العرفية المحلية.
أما الشق الثاني فقد كان بعد أربع سنوات من ذلك التاريخ، عندما قام الباحثون بتوزيع كميات من القمح على ال٥٠٠ قرية التي شملها البحث، مع اختلاف طريقة التوزيع.
ففي نصف القرى ذات المجالس المنتخبة، كان الباحثون يطلبون من المسؤولين المنتخبين بشكل مباشر أن يقوموا بمراقبة التوزيع، وفي النصف الآخر طلب الباحثون من أهل القرية أن يكون “قادة القرية” هم المسؤولين عن التوزيع، ومصطلح “قادة القرية” مصطلح غير محدد.
أما في ال٢٥٠ قرية التي لم تكن فيها مجالس منتخبة، فقد حاولت الدراسة أن تراقب سلوك النساء، طلب الباحثون من النساء أن يشرفن على عملية التوزيع في نصف تلك القرى في حين تُرك الأمر في بقية القرى لتقدير المجالس المسؤولة.
وبعدها بأسبوعين قام الباحثون باستطلاع رأي شمل عشرة آلاف قروي لمعرفة ماذا حدث للقمح، كم منه ذهب إلى أيدي المسؤولين، وإلى أي درجة شارك القرويون في عملية صنع القرار؟
النتائج كانت مفيدة للغاية، لمعرفة جودة وكفاءة الإدارة المحلية، وسلوك القادة، وغيرها.
في القرى التي سُئلت فيها المجالس المنتخبة أن تدير عملية التوزيع، كانت فرص الفئات الأكثر ضعفا في الحصول على القمح أعلى، لكن ذلك لم يؤثر كثيرا على عمليات الاختلاس أو ضم المواطنين لعملية اتخاذ القرار.
أما عندما لم تكن مسؤولية مراقبة التوزيع واضحة فقد ازدادت معدلات الاختلاس، مثلها تماما مثل القرى التي طُلب فيها من النساء المشاركة في مراقبة عملية التوزيع.
النتائج معبرة تماما عن كيف أن برامج التنمية من الممكن أن تضعف المحاسبة وكفاءة الإدارة المحلية في قرى أفغانستان.
هناك العديد من “مجالس الشورى” التي تُنشأ بشكل عرفي لإدارة المجالات المختلفة في حياة القرويين، لإدارة المياه والزراعة، وغيرها من المجالات التي تهم القرويين في تلك المناطق.
لذلك فإن الدراسة تخلص في النهاية إلى أنه مهما كان الشكل الذي يمكن به إدارة المناطق الريفية في أفغانستان، والأمر يمكننا تعميمه على الكثير من البلدان والمناطق الأخرى، فإنها لن تكون قادرة على العمل بدون تفاعل وقبول المجتمع. ولذلك فإن الدراسة تؤكد أن أفضل ما يمكننا فعله هو تعزيز دور المؤسسات القائمة (العُرفية)، وليس إنشاء مؤسسات جديدة (ديمقراطية) قد تسهم في تعميق المشكلة وليس حلها.
وسواء كانت تلك المؤسسات ديمقراطية أو عُرفية، قديمة أو جديدة، فإن الحوكمة تأتي بأفضل نتائجها عندما يكون السكان قادرين على معرفة من هم المسؤولون وكيف تتم محاسبتهم