بعد عامين من إعلان الخلافة وسط ضجة إعلامية كبيرة، والقيام بالعديد من الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، تقوم داعش بإعداد أتباعها بهدوء لانهيار خلافتها في نهاية المطاف.
فبحسب ما ورد في تقرير واشنطن بوست، اعترف قادة الجماعة في رسائل علنية بتراجع ما اكتسبته الجماعة الإرهابية في ساحة المعركة، بينما تستعد لاحتمالية سقوط بقية المعاقل،
لكنها في الوقت نفسه مازالت مستمرة في حملتها الأخيرة من العنف، كما لو أنها تحرك الإرهابيين تحت الأرض، ويعتقد خبراء مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة أن الهجمات الأخيرة في بغداد وإسطنبول هي نوع من ردة الفعل على الانتكاسات العسكرية في سوريا والعراق.
ويرى المحللون أن هذه الهجمات الإرهابية سوف تستمر بكثافة خاصة مع تطور الجماعة من شبه دولة ذات حيازات إقليمية إلى شبكة منتشرة وغامضة لها فروع وخلايا في 3 قارات على الأقل، كما يرى مسؤولون أمريكيون أن فقدان الجماعة للكثير من الأرضي يشكل ضربة قاسية ويحد من قدرتها على جمع المال وتدريب المجندين والتخطيط لعمليات إرهابية معقدة، لكن الطبيعة اللامركزية للجماعة تضمن بقاء خطورتها لبعض الوقت في المستقبل.
ويرى جنرال سلاح الجو المتقاعد مايكل هايدن، أن داعش على خلاف القاعدة – التي كان تنظيمها هرميًا ومركزيًا إلى حد ما – تمتلك طاقة كبيرة، وعدم القدرة على التنبوء بحركتهم الشعبوية.
لكن المسؤولين في الجماعة ما زالوا مصرّين على أن مشروع الخلافة ما زال قابلاً للتطبيق رغم اعترافهم بالنكسات العسكرية التي تجبرهم على تغيير استراتيجيتهم، وقال أحد النشطاء في داعش والذي رفض الكشف عن هويته، إنهم يستقبلون يوميًا أشخاصًا يرغبون في عودة الخلافة ويعلنون عن رغبتهم في تقديم العون للجماعة.
كانت الجماعة قد قامت الشهر الماضي بإغلاق مقاهي الإنترنت في إحدى المحافظات السورية، وقامت بتدمير أجهزة التلفاز وأطباق الأقمار الصناعية في محافظة أخرى، ووصفت ذلك بأنه محاولة للقضاء على أداة “نشر معتقدات كافرة”، وبذلك قطعت فعليًا الحصول على أي أخبار من العالم الخارجي.
بلا مدن أو أرض
وكما ورد في التقرير، فقد تزامنت تصريحات المسؤولين في الجماعة بشأن سقوط الخلافة، مع الفترة التي شهدت تراجع مقاتلي حزب الله في عدة جبهات من الفلوجة في وسط العراق إلى الحدود السورية التركية، وكانت جريدة النبأ التابعة للجماعة قد أشارت في افتتاحيتها الشهر الماضي إلى احتمالية فقدان داعش لجميع الأراضي التي حصلت عليها، لكنهم ما زالوا مصرين على قيام دولة الخلافة، وقالوا إن خصومهم غير قادرين على تدمير مدنهم أو قتل جنودهم وإمامهم، وإذا كانوا يرغبون في تحقيق انتصار حقيقي فعليهم الانتظار حتى ينتهي جيل كامل من المسلمين الشاهدين على قيام الدولة الإسلامية وعودة الخلافة.
تكرر الموضوع ذاته في خطبة أبي محمد العدناني – المتحدث الرسمي للجماعة – قبل شهر رمضان، حيث دعا إلى القيام بحملة إرهابية كبيرة في رمضان، لكنه أشار أيضًا إلى وقوع خسائر فادحة بين أتباعه، وأضاف العدناني قائلاً “لقد خسرنا عندما كنا في الصحراء بلا مدينة أو أرض، لكننا لن ننهزم إذا حصلنا على الموصل وسرت والرقة – إشارة إلى معاقل الجماعة في العراق وليبيا وسوريا -“.
أصداء الماضي غير المشرف
يرى المحللون أن استشهاد الجماعة بهزيمتها عام 2008، هي محاولة للحد من أضرار الهزيمة وتذكير الناس بأن لهم تاريخًا طويلًا وأنهم قادرون على الاستمرار لفترات طويلة، كما يقول كول بونزيل من جامعة برينستون، قسم دراسات الشرق الأدنى.
ويعتقد ويل ميكانتس الباحث بمعهد بروكينغز، أن الهجمات على مطار أتاتورك بإسطنبول وسوق الكرادة ببغداد، والتي تعتبر أهدافًا سهلة للإرهابيين ومعنية فقط بوقوع الكثير من الضحايا المدنيين، هي مجرد محاول لطمأنة اتباع الجماعة بشأن حيويتها وقدرتها على العمل.
وأضاف ويل أن الهجمات الناجحة في الخارج دليل على فشل في الداخل، فبعد سنوات من التفاخر بأنهم جماعة لا تقهر، بدأ العدناني في الاعتراف بخسائر المعركة مع محاولة تصوريها بشكل إيجابي، إنهم لا يحاولون الظهور بمظهر الأذكياء، لكنهم يحاولون إعداد أتباعهم للتعامل مع الخلافة التي لم تعد خلافة.
اعترف ناشط الجماعة الذي رفض ذكر اسمه أن بعض اتباع الجماعة أصبحوا على وعي بأخطاء قادة الجماعة، لكنه وجه رسالة إلى كل المتحالفين ضد الجماعة قائلاً “لن ننساكم، سنأتي إلى بلدانكم ونضربكم، بطريقة أو بأخرى”
وفي النهاية، يرى مسؤولو الاستخبارات الأوربية أن مرحلة جديدة قد بدأت بالفعل، حيث تقوم داعش بالتوسع باستخدام تكتيكات أخرى والبدء بإنشاء مكاتب خدمات مشاريع خفية في المدن الكبرى.