ليست متابعة وزير الخارجية المصري سامح شكري لمباراة نهائي اليورو الأوروبي في منزل رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتناوله العشاء الودي خلال ذلك، بالدليل الوحيد على ما آلت إليه الأوضاع في مصر بعد أحداث الـ 30 من يونيو، وظهور نظام الانقلاب العسكري، وما يتعلق بذلك من تحولات في العلاقات المصرية الإسرائيلية على الصعيد الرسمي.
“سلام دافئ” و”تعاون غير مسبوق” هي رسائل متبادلة بين رأس الدولتين طوال 3 سنوات، انتهت بإعادة العلاقات إلى طبيعتها رسميًا بعد أن بلغت ذروتها على الصعيد الأمني بشهادات إسرائيلية عدة، ومنذ أيام تكللت مجهودات التطبيع بالزيارة الأولى لدولة الاحتلال الإسرائيلي بعد آخر زيارة لوزير خارجية مصري وهو أحمد أبو الغيط الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية، وذلك منذ العام 2007.
ما يحدث من تطورات بين النظام المصري الحالي والكيان الصهيوني يمكن فهمه في إطار توحيد الأجندات الإقليمية الذي حدث على مدار السنوات الثلاث الماضية، حيث وضع الإسلام السياسي الحركي في مرمى نيران القاهرة وتل أبيب بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر على يد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي بمباركة إسرائيلية تظهر في كل وقت وحين على لسان مسؤولي الدولة العبرية.
كما أن هذا الاندفاع المصري يمكن وضعه في سياقه أيضًا، حيث إن تل أبيب هي التي عملت بكل ثقلها الدولي السياسي على شرعنة نظام الانقلاب العسكري في مصر، لنزع عنه هذه الصفة في المحافل الدولية، ولدى الأنظمة الغربية، وقد نجحت حملات غسيل سمعة النظام المصري من قبل دوائر النفوذ الصهيونية إلى حد كبير في ذلك، وهو القبول بهذا النظام على ما هو عليه لاعتبارات المصالح الإقليمية.
وفي المقابل دفعت مصر مقابل ذلك الكثير، بداية من إعادة مستويات التطبيع الرسمية مع الكيان الصهيوني إلى أعلى المستويات، ثم التحرك لصالح إسرائيل في ملف قطاع غزة وحركة حماس، بعد أن اتفقت القاهرة وتل أبيب على تصنيف الحركة “كحركة إرهابية”، وقد اتخذ الجانب المصري إجراءات في قضية الحصار والأنفاق ما لم يجرؤ نظام حسني مبارك في أوج قوته على فعله، وانتقلت الاقتراحات الإسرائيلية لمحاربة وحصار الأنفاق إلى واقع مفروض، تلك الأنفاق التي تعتبر شريان الحياة لقطاع غزة في ظل الحصار المفروض عليها من كل الجوانب.
تعاون أمني في سيناء
التعاون الأمني في سيناء بين النظام المصري ودولة الاحتلال الإسرائيلي في ظل الاضطرابات المسلحة التي تشهدها سيناء كان واضحًا للعيان، وآخر شواهده كانت في الوقت الذي يزور فيه وزير الخارجية المصري القدس، حيث نقل موقع “بلومبرغ” عن مسؤول إسرائيلي سابق حديثه عن قيام إسرائيل بغارات ضد المسلحين في سيناء بمباركة مصرية عن طريق طائرات دون طيار.
هذا التقرير، الذي تم نشره خلال زيارة لوزير الخارجية المصري سامح شكري إلى القدس، له من الدلالات الكثير التي تسلط المزيد من الضوء على التعاون الأمني السري، الذي يأتي مرفقًا بعلاقات وثيقة بشكل متزايد على الصعيد السياسي بين البلدين.
جدير بالذكر أيضًا أن إسرائيل كانت قد سمحت لمصر بتحريك أسلحة ثقيلة من دبابات ومدفعيات ومروحيات هجومية إلى داخل سيناء لمحاربة المسلحين هناك، مع غض الطرف عن بنود في اتفاق السلام التاريخي بين البلدين من عام 1979.
هذا التعاون الوثيق لا يعبر عنه سوى تصريحات السفير الإسرائيلي العائد إلى القاهرة، حاييم كورين، الذي قال: “هذه واحدة من أفضل الفترات” من حيث التعاون بين الحكومتين، وأضاف: “هناك تعاون جيد بين الجيشين، ولدينا تفاهمات حول شبه جزيرة سيناء، وفي الأساس، نحن متفقان حول التنمية في المنطقة”.
ولكن يعتقد البعض أن مسألة التطبيع الرسمي كانت ولا زالت شائكة، ويمكن وضعها في سياقها الحالي الخاص بطبيعة نظام انقلاب الثالث من يوليو الذي اعتمد على الكيان الصهيوني كداعم إقليمي ودولي، أما ما يحذر منه مراقبون مؤخرًا هي محاولة النظام المصري الحالي بزعامة السيسي وأجهزته الأمنية سحب هذا التطبيع الرسمي إلى الحالة الشعبية تحت مبررات المصلحة والسلام وغيره من الاستهلاكات التبريرية.
دلالات ردود الأفعال على زيارة وزير الخارجية
بالرغم من استهجان الأمر على أكثر من صعيد، وهي الحالة الطبيعية منذ معاهدة السلام، حيث مواجهة التطبيع الرسمي بآليات استهجان شعبي ومجتمعي، وكانت الأنظمة المصرية المتعاقبة تتفهم ذلك الأمر تمامًا.
إلا أن هذه المرة ظهرت عناصر مدفوعة من دوائر مؤيدة باستماتة لهذا النظام لمحاولة ترويج هذه التصرفات الرسمية التطبيعية مع الاحتلال الإسرائيلي ودلالاتها الخطيرة، بداعي المصلحة المصرية، وخلط أزمة التطبيع بالفشل في أزمة سد النهضة، وتارة التطبيع باسم القضية الفلسطينية.
حتى إن التيارات الناصرية التي تصنف نفسها نظريًا كأشد المعادين للمشروع الإسرائيلي في المنطقة، خرجت رموزها لتبارك زيارة وزير الخارجية بشكل غير مسبوق، كما خرجت وسائل إعلام موالية للنظام للحديث عن أهمية السلام مع دول الجوار، وكأن مصر عائدة من حرب مع إسرائيل منذ شهور وعليه تجب مثل هذه الخطوات الأخيرة.
وقد كانت بداية هذه القصة عند ترويج رواية بدعم النظام تصنف حركة مقاومة فلسطينية كحماس بالإرهاب لأول مرة في التاريخ، وتنظر إلى التخابر أنه مع دول عربية، وليس مع العدو الإسرائيلي كما جرت العادة، وهو ما اعتبره البعض محاولات لإجراء تغيير في العقيدة الرسمية والشعبية وتغيير بوصلتها المتجهة دومًا نحو إسرائيل، إلى اختراع أعداء وهميين تحت بند الإرهاب، وعليه يجب التطبيع مع إسرائيل من أجل محاربة الإرهاب.
كل هذا مرورًا بالإشادات الإسرائيلية بتغيير المناهج الدراسية في مصر التي تتناولهم بالعداء، عندما قال باحث إسرائيلي إن بلاده تشعر بالارتياح إزاء المناهج التعليمية الجديدة في مصر، لأنها تجعل من إسرائيل شريكة صديقة، وتحتفي باتفاق السلام بين البلدين وتجعل منه مفتاحًا ضروريًا للانتعاش الاقتصادي الذي تحتاجه مصر.
وفي دراسة أعدها الباحث بمعهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب أوفير فاينتر، ونشرت ضمن مجلة “تقدير استراتيجي” قال الباحث إن هذا التحسن يبدو ملموسًا حتى مقارنة بأوضاع المناهج الدراسية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وهو ما يعني بكل وضوح أننا أمام حالة تحاول تمرير التطبيع إلى النسيج الشعبي.
الأحزاب السلفية لم تنجُ من التطبيع
مسألة التطبيع في مصر باتت لا تقتصر على النخب العلمانية المؤيدة للنظام في مصر، لكن يبدو وأنها ضربت في جذور الحالة المصرية حتى وصلت إلى الأحزاب السلفية المؤيدة لنظام الحكم في مصر.
فأثناء الحديث عن زيارة سامح شكري وزير الخارجية إلى القدس بصحبة رئيس وزراء دولة الاحتلال، وما لذلك من دلالات خطيرة تحمل اعترافًا ضمنيًا بأحقية دولة الاحتلال في القدس كما تزعم، خرجت أنباء مسربة بثتها عدة وسائل إعلام مصرية تتحدث عن لقاء جمع بين مساعد رئيس حزب النور السلفي نادر بكار مع وزيرة الخارجية السابقة للكيان الصهيوني تسيبي ليفني.
لم يرد حزب النور السلفي على ما نشرته وسائل الإعلام، وذكرت صحيفة مصرية أن العديد من قيادات الحزب والدعوة السلفية امتنعوا عن الرد على هواتفهم الشخصية تحسبًا لاتصالات ممثلي وسائل الإعلام، كما أن البعض الذي رد على هاتفه قدم إفادات تتضمن تنصلًا من المسؤولية السياسية.
تأكيد هذه الأنباء جاء إسرائيليًا، حيث قالت الإذاعة الإسرائيلية العامة الرسمية: “امتنعت النائبة في الكنيست تسيبي ليفني عن التعقيب على ما نشر حول لقائها المتحدث باسم حزب النور السلفي نادر بكار في جامعة هارفرد الأمريكية قبل 3 أشهر”، فيما قالت مصادر مقربة من ليفني للإذاعة نفسها، إن “اللقاء حدث فعلاً”.
وقد أوضحت الإذاعة أن لقاء ليفني ببكار جرى قبل أكثر من ثلاثة أشهر داخل جامعة هارفارد الأمريكية، مشيرة إلى أن الوزيرة الإسرائيلية السابقة رفضت الإفصاح عن تفاصيل هذا اللقاء السري.
ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مصادر مقربة من تسيبي ليفني أن تسريب خبر هذا اللقاء تم عن طريق جهات داخلية مصرية، خاصة بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري لتل أبيب مساء الأحد الماضي.
من ناحيته، رفض ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية التعليق على أنباء لقاء نادر بكار، بتسيبى ليفنى وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، أثناء تواجده بالولايات المتحدة الأمريكية للدراسة بجامعة هارفارد الأمريكية، وقد قال في اتصال هاتفي مع صحيفة “اليوم السابع” المصرية حسبما أوردت: “اسألوه هو” – في إشارة لبكار.
يذكر أن هذه الأنباء أثيرت بعد حصول نادر بكار، وهو القيادي الشاب الأبرز في حزب النور الذراع السياسية للدعوة السلفية بمصر، يوم الجمعة الماضي على درجة الماجستير في الإدارة الحكومية من جامعة هارفارد الأمريكية.
ويجدر الإشارة هنا أيضًا إلى دلالات مثل هذه التطورات في العقلية السلفية المصرية بصفتها عقلية راديكالية من جهة تعاملها مع شأن التطبيع مع إسرائيل، إلا أن ذلك التطور يدل على معرفة تامة من اللاعب السياسي السلفي بدور دولة الاحتلال الإسرائيلي داخل مكونات الحكم المصرية، وأن التواصل المباشر من حركة سلفية مصرية مع الجانب الإسرائيلي يمكن أن يحسن من الفرص الحزب السياسية مستقبلًا، كبديل مقترح لجماعة الإخوان المسلمين على سبيل المثال.
لكن في النهاية وصول الأمر عند هذا الحد على الصعيد غير الحكومي الرسمي يشي بخطورة الأمر، حيث باتت بعض المؤسسات المجتمعية المصرية كالأحزاب والجمعيات الأهلية لا ترى حرجًا في التعامل مع دولة الاحتلال كفاعل سياسي يمكن الاستعانة به شأنه شأن الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، وهو يعني أيضًا نجاحًا إسرائيليًا في تمرير قضية التطبيع إلى المستوى الشعبي في مصر بصورة ما.