بعد قرار المملكة العربية السعودية بخصخصة جزء من شركة أرامكو العملاقة ببيع 5% من أسهمها في الأسواق العالمية بحسب رؤية السعودية 2030 التي أقرها الأمير محمد بن سلمان، بدأت دول الخليج العربية تخرج عن صمتها وتقر قرارات تحاكي قرار السعودية، لأن المشكلة التي تعاني منها السعودية بما يخص اعتماد الميزانية على إيرادات النفط ووقوعها بأزمة مالية بعد انخفاض الأسعار، هي نفس المشكلة التي تعاني منها الكويت والتي دعتها لخصخصة جزء من قطاع الخدمات النفطي في الدولة وربما تسير على هذا الدرب دول خليجية أخرى.
فمن غير المستبعد أن تتبع بقية الدول الخليجية هذه الخطوة وتخصخص جزءًا من قطاع النفط سواء الإنتاجي أو الخدماتي للوفاء بالتزاماتها المالية الكبيرة تجاه شعوبها، خصوصًا أن ميزانياتها المالية تعرضت لعجز مالي وعمدت إلى طرح سندات حكومية بغرض الاقتراض من الأسواق المحلية والعالمية.
القانون في الكويت يمنع خصخصة أي من شركات إنتاج النفط وفي حال الإقدام على هكذا خطوة فإنه يستدعي تعديل القانون أولًا.
يعتبر النفط المصدر الأساسي وشبه الوحيد لتمويل الميزانية العامة في الكويت، ومنذ هبوط الأسعار ووصلوها إلى مستويات متدنية جدًا دون السعر التوازني للميزانية واجهت الدولة تحديات كبيرة في طريقة التعامل مع تداعيات هبوط أسعار النفط.
وبحسب وكيل وزير المالية الكويتي فإن الكويت تدرس خصخصة قطاع الخدمات النفطية المحلي باستثناء الطاقة الإنتاجية للبلاد، وقال في مؤتمر صحفي إن الوزارة “تدرس مع مؤسسة البترول الكويتية خصخصة شركات الخدمات وبعض الوظائف الجانبية في قطاع النفط وليس الإنتاج”.
وقد اعتبر الخبراء في مجال الطاقة أن بيع الشركات النفطية العاملة في المجال الخدماتي الذي يرفد الإنتاج سيحرم الدولة من أرباح تلك الشركات، وسيضر العاملين فيها كما أن تلك الشركات لها طابع استراتيجي إذ تعتبر “أمنًا قوميًا للبلاد”.
ويجدر التنويه أن الحكومة الكويتية سبق وأن أعلنت عن خطط لخصخصة قطاعات في الدولة منها موانئ بحرية أو جوية أو برية في حين لم يتم تسليط الضوء على القطاع النفطي لا من قريب ولا بعيد.
لذا تعتبر هذه الخطوة في دولة خليجية تعد الثانية التي تقدم على هذه الخطوة أمرًا يدعو للانتباه وقد يحفز دول أخرى لعمل نفس الشيء في المستقبل كما في قطر والبحرين وعُمان والإمارات التي تعد الأقل تضررًا بين دول الخليج.
وبحسب ما ورد على موقع بلومبيرغ الاقتصادي، فإن الكويت تدرس طرح أربع شركات نفطية حكومية للاكتتاب العام، تتبع هذه الشركات لمؤسسة البترول الكويتية ومنها شركة ناقلات النفط الكويتية، وصناعة الكيماويات البترولية والكويتية للاستكشافات البترولية الخارجية.
وأضاف المصدر أن الحكومة الكويتية تنوي الإبقاء على حصة الأغلبية لها بحيث تبقى هي المتحكمة بالشركات وتطرح ما بين 20 – 30% من أسهم الشركات للاكتتاب العام، وأكد التقرير أن الحكومة لا تنوي بيع أي من الشركات المسؤولة عن إنتاج ما يقرب من 3 مليون برميل يوميًا في الكويت، كما أكدت صحيفة العربي الجديد أن أسهم الشركات سيتم طرحها في سوق الكويت للأوراق المالية لتكون لهم حصة فيها ويستفيد منها المواطنون.
الكويت تدرس طرح أربع شركات نفطية حكومية للاكتتاب العام تتبع هذه الشركات لمؤسسة البترول الكويتية وهذه الشركات هي: ناقلات النفط الكويتية، وصناعة الكيماويات البترولية، والكويتية للاستكشافات البترولية الخارجية
الكويت تقترض من الأسواق العالمية
في ظل هبوط أسعار النفط العالمية دون السعر التوازني للموازنة في الكويت لم يكن مفاجئًا لدولة الكويت أن تعلن عن عجز مالي في الميزانية للعام المالي 2015/ 2016 وصل إلى حدود 5.5 مليارات دينار، علمًا أنه العجز المالي الأول منذ 16 عامًا.
وبقي التساؤل سيد الموقف حول كيفية تغطية العجز المالي فيما إذا سيكون عن طريق السحب من الاحتياطي النقدي أو عن طريق طرح سندات حكومية في الأسواق المحلية أو في الأسواق العالمية.
تخطط الكويت الى رفع قدرتها الإنتاجية من النفط المقدرة بأكثر من 3 ملايين برميل يوميًا، إلى حدود 4 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2020
وحسب ما ورد على موقع سي إن بي سي الاقتصادي فإن الكويت تقترب من إعلان نيتها الاقتراض من الأسواق العالمية ما قيمته 3 مليار دينار عن طريق طرح سندات خزانة من خلال هيئة الاستثمار الكويتية بدلًا من وزارة المالية نظرًا لتواجد الهيئة في الأسواق الدولية، بالإضافة لاقتراض نحو ملياري دينار من الأسواق المحلية لسد عجز موازنة العام الحالي التي من المتوقع بلوغها ما يقرب من 9.5 مليارات دينار.
الجدير بالملاحظة أن الكويت تملك تصنيفًا تئتمانيًا جيدًا يمكنها من التحرك بمرونة في أسواق السندات العالمية، خصوصًا أن الحكومة الكويتية سبق وتوجهت لإصدار سندات منذ بداية العام المالي للكويت بنحو 750 مليون دينار.
ويرى خبراء أن حل إصدار السندات يعتبر جزءًا لا يتجزء من تغطية عجز الموازنة إلا أنه لا يمكن أن يكون حلًا دائمًا، إذ يتعين على الكويت أن تعالج السبب من جذره لا أن تهتم بردات الفعل وتتعامل معها على أنها مشكلة مؤقتة فالمطلوب منها هيكلة المؤسسات المالية وإعادة ضبط الإنفاق الحكومي بشكل مسؤول ورشيد وبالنهاية تنويع مصادر الدخل.
إلا أن الكويت لم تخصص خططًا حتى الآن لتنويع مصادر الطاقة ومعالجة اختلال الميزانية لديها، إذ خصصت 34 مليار دينار، أي ما يعادل 115 مليار دولار للإنفاق على المشاريع النفطية خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث سيتم تخصيص ثلثي المبلغ الإجمالي على مشاريع الاستكشاف والإنتاج.
وفضلًا عن الاستثمارات في الاستخراج، تنفذ الكويت مشاريعًا ضخمة في مجال التكرير تقدر كلفتها بأكثر من 30 مليار دولار، منها مصفاة بسعة 615 ألف برميل يوميًا، فهل تستمر الكويت في إخفاء المشكلة الأساسية التي أدت إلى العجز في الميزانية وإلى الاقتراض من الداخل والخارج وفي النهاية إلى خصخصة جزء من القطاع النفطي؟!