بعد أن ترك القريب والبعيد قطاع غزة وسكانه يعانون من ألم الحصار وقسوة تبعاته السلبية، التي دفع الفلسطينيون في كثير من الأحيان ثمنها أرواحهم الغالية، وتبددت أحلامهم بغدٍ مشرق يكسر الحصار والظلم الإسرائيلي المفروض عليهم، بدأت تحركات تقودها تركيا لمساعدة الفلسطينيين في تخطي ألم هذا الحصار المستمر للعام العاشر على التوالي.
الجهود التركية الجديدة، جاءت بعد اتفاق رسمي جرى التوصل له قبل أسابيع مع الجانب الإسرائيلي يقضي بتخفيف الحصار المفروض على القطاع تدريجيًا، وإدخال المساعدات للمحاصرين في غزة، وبدء إنعاش الوضع الاقتصادي في القطاع.
فبعد وصول شاحنة المساعدات التركية لغزة، والتي قدرت بـ11 ألف طن من المساعدات الأساسية والهامة، توجه وفد تركي رفيع المستوى برئاسة السفير التركي مصطفى سيرناش، إلى قطاع غزة للمباشرة بخطوات عملية لوضع حلول “جذرية” لحل أزمة الكهرباء في قطاع غزة المستمرة للعام العاشر على التوالي.
خطوات هامة
فور وصول الوفد التركي لغزة، عقد لقاءات هامة مع المسؤولين في سلطة الطاقة وشركة الكهرباء، للاطلاع على أوضاع الكهرباء بشكل دقيق، مع تقدير المقترحات اللازمة لحل الأزمة من جذورها، بناءً على تصور تركي واضح ومجهز مسبقًا.
الوفد التركي برئاسة السفير التركي وثمانية من المسؤولين في وزارة الطاقة التركية، بحث مع عدد من المسؤولين في سلطة الطاقة برام الله وغزة على مدار اليومين الماضيين احتياجات قطاع غزة من مشاريع الطاقة.
وكيل سلطة الطاقة عبد الكريم عابدين أكد أنه التقى الوفد التركي المذكور في رام الله أول أمس وبحث معهم جملة من مشاريع الطاقة التي يحتاجها قطاع غزة لحل أزمة الكهرباء التي يعاني منها القطاع منذ سنوات.
عابدين أوضح أن مباحثاته مع الوفد تطرقت إلى ما يعرف بمشروع خط 161 مع الجانب الإسرائيلي، الذي سيكفل حال تنفيذه تزويد القطاع بما يزيد على 100 ميجاوات ومشروع الخط الناقل للغاز الذي يستهدف تشغيل محطة توليد كهرباء غزة باستخدام الغاز الذي سيتم توريده للمحطة من خلال خط ناقل يمتد من موقع المشروع إلى المحطة ما سيكفل حال تنفيذه تشغيل المحطة بكامل قدرتها الإنتاجية “140 ميجاوات”.
ونوه عابدين إلى أنه بحث أيضًا سبل توسعة وتطوير القدرة الإنتاجية للمحطة ومضاعفتها ليصل إجمالي إنتاج المحطة إلى 280 ميجاوات، كما تم بحث مشاريع الطاقة البديلة عبر استخدام الطاقة الشمسية إضافة إلى بحث ما يعرف بخط 220 المرتبط بالجانب المصري الذي سوف يزود القطاع بطاقة قدرتها 150 ميجاوات حال تنفيذه.
ولفت عابدين إلى أن الوفد التركي وعد ببحث هذه المشاريع، معربًا عن أمله في أن يفضي اطلاع الوفد التركي على أزمة الكهرباء والمشاريع المطروحة لمعالجتها إلى حلول فعلية تكفل إنهاء أزمة الكهرباء التي يعانيها القطاع.
في غزة، زار الوفد التركي محطة غزة لتوليد الكهرباء والتقى عددًا من المسؤولين في سلطة الطاقة في غزة واستمع منهم إلى المشاكل التي تواجه قطاع الكهرباء والحلول المطروحة لعلاجها، فيما ذكرت مصادر إعلامية تركية أن الوفد سيقدم بعد عودته إلى تركيا، تقريرًا مفصلًا إلى وزير الطاقة التركي براءت ألبيرق، يتضمن الاحتياجات المتعلقة بإنتاج ونقل وتوزيع الطاقة ومشاكل البنية التحتية في قطاع غزة، وما يمكن اتخاذه على المدى القصير والمتوسط والطويل، بهذا الخصوص.
وبينت المصادر ذاتها أن الوزير سيعرض التقرير على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومجلس الوزراء التركي، ومن ثم يتم إعداد خطة لما ستقوم به تركيا في قطاع غزة في مجال الكهرباء والطاقة، وذلك في ظل أن عددًا من الشركات التركية الخاصة ذات التجربة في هذا المجال، أعربت عن استعدادها للإسهام في سد احتياجات قطاع غزة المتعلقة بإنتاج ونقل وتوزيع الطاقة.
ويحتاج قطاع غزة إلى 400 ميجاوات من الكهرباء، لا يتوفر منها إلا 212 ميجاوات، تقدم إسرائيل منها 120 ميجاوات، ومصر 32 ميجاوات وشركة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة 60 ميجاوات، وفق أرقام سلطة الطاقة الفلسطينية.
ويعاني قطاع غزة الذي يعيش فيه نحو 1.9 مليون نسمة، منذ 10 سنوات، من أزمة كهرياء حادة، وتضطر شركة توزيع كهرباء غزة إلى قطع التيار الكهربائي عن بعض مناطق القطاع لفترات قد تصل إلى 12ساعة يوميًا، وتوصيلها في مناطق أخرى بنظام المداورة، لعدم كفاية ما يتوفر لديها من طاقة.
خط الغاز
وفي أبريل/ نيسان من العام الماضي، سلمت السلطة الفلسطينية، السلطات الإسرائيلية، رسميًا، مشروع إمداد “خط غاز” لمحطة توليد الكهرباء في قطاع غزة، بهدف طلب الموافقة عليه، وقال عمر كتانة رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية: “إن السلطة سلمت الجانب الإسرائيلي المشروع، عقب اجتماع عُقد في مدينة القدس، جمع مستشارين فنيين وممثلين عن حكومة الوفاق الفلسطينية وإسرائيل”، وأكد كتانة أنه في حال الموافقة الإسرائيلية وإيجاد التمويل سيتم البدء بتنفيذ المشروع بشكل فوري.
وهنا يرى المحلل السياسي مصطفى الصواف، في تصريحات خاصة لمراسل “نون بوست” في غزة، أن تركيا تقود جهود كبيرة وعظيمة من أجل تخفيف من وطأة الحصار الظالم المفروض على سكان غزة منذ سنوات طويلة.
وأضاف الصواف، أن الجهود التركية جاءت بعد تخاذل الكثير من الدول العربية في نصرة غزة ومساعدة سكانها على تخطي أزمة الحصار التي فاقمت من معاناتهم وجعلتهم كأنهم بسجن كبير منعزل عن العالم أجمع.
وتوقع المحلل السياسي، أن تنجح الجهود التركية في أهدافها برفع الحصار عن غزة وسكانها، مشيرًا إلى خطوات رفع الحصار بإدخال المساعدات لغزة، وتنفيذ مشاريع تطوير محطة توليد الكهرباء في القطاع، دليل على ذلك.
وأعلنت الحكومة الفلسطينية نهاية العام الماضي، أنها بصدد تحويل محطة توليد كهرباء غزة للعمل بالغاز الطبيعي بدلًا من الوقود الصناعي، واستغلال الغاز الواقع في “حقل غزة مارين” الفلسطيني الواقع قبالة سواحل القطاع، بانتظار موافقة الإسرائيليين على استغلال الحقل.
ويملك الفلسطينيون حقل “غزة مارين”، ويقع على بعد 36 كيلومترًا غرب القطاع في مياه البحر المتوسط، والذي تم اكتشافه نهاية تسعينات القرن الماضي، وتم بناؤه عام 2000 من قبل شركة الغاز البريطانية (بريتيش غاز).
وتمنع إسرائيل منذ عام 2000، الشركة البريطانية والجانب الفلسطيني من تنفيذ أية أعمال استخراج أو تطوير حقل “غزة مارين”.
الجدير ذكره، أن تركيا وإسرائيل توصلتا إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما، في العاصمة الإيطالية روما، يوم 26 يونيو/ حزيران الماضي، وستقوم تركيا في إطار التفاهم، بتأمين دخول المواد التي تستخدم لأغراض مدنية إلى قطاع غزة، ومن ضمنها المساعدات الإنسانية، والاستثمار في البنية التحتية في القطاع، وتوفير الطاقة.