لم تستيقظ أوروبا بعد من صدمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حتى دق جرس الإنذار مرة أخرى محذرًا من أزمات أخرى داخل دول الاتحاد، حيث تواجه أزمات مالية قد تعزز من وجهة نظر اليمين هناك لاستنفار الشعب وحثه على مغادرة الاتحاد، ومن المحتمل أن تكون الاجتماعات في بروكسل في قابل الأيام باتجاه إيجاد حلول لأزمة إيطاليا ومنعها من الوقوع في الهاوية المالية، إذ تناقلت العديد من الصحف العالمية أن إيطاليا قد تكون الدولة اللاحقة التي ستتعرض لأزمة اقتصادية.
إيطاليا: رابع أكبر اقتصاد في أوروبا وأسوأها
تعد إيطاليا رابع أكبر اقتصاد في أوروبا وأحد أسوأ اقتصادياتها إذ يبلغ الدين العام 135% نسبة للناتج المحلي الإجمالي ومعدل التوظيف في البلاد هو أقل من أي دولة في الاتحاد، وتعاني البلاد من ركود منذ أكثر من ثلاث سنوات، فالاقتصاد يعاني من ضعف الإنتاجية وتشدد الأنظمة، وما يزيد الوضع سوءًا هو الوضع المتأزم في دول المنطقة الممثلة بانكماش الأسعار وعدم ارتفاع معدل التضخم إلى المستويات المطلوبة على الرغم من البرامج المالية التحفيزية التي قامت البنوك المركزية بها حول العالم، ويشير اقتصاديون أنه لم يبق سوى “المال بالمروحية” كحل أخير أمام البنوك المركزية لمعالجة الركود في الدول.
قيمة القروض المتعثرة في البنوك الإيطالية تقدر بخمس الاقتصاد الإيطالي
أما القطاع المصرفي الإيطالي فهو النقطة الأضعف في الاقتصاد الإيطالي إذ تعاني البنوك الإيطالية من قروض متعثرة تصل قيمتها إلى 360 مليار يورو (400 مليار دولار) أي ما يعادل خمس الاقتصاد الإيطالي أو 20% من الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا، علمًا أنه تم وضع مخصصات مالية لما يقرب من 45% من تلك القروض، وهذه الحالة المتردية انعكست على أداء أسهم البنوك حيث هبطت بحدود النصف منذ أبريل/ نيسان الماضي، وأكثر المصارف تعرضًا للخسارة هو بنك “مونتي دي باسكي دي سينا” الذي يعرف بأنه أحد أقدم البنوك في العالم والثالث في إيطاليا وقد تراجع سهمه بنسبة 75% وهوت قيمته السوقية إلى عشر قيمته الدفترية ويعاني من أزمة في ملاءته المالية إذ من المتوقع أن يفشل في اختبار الجهد المالي الذي سيخضع له من قبل البنك المركزي الأوروبي في وقت لاحق هذا الشهر.
وترى الإيكونوميست البريطانية أنه لا تتوفر أمام إيطاليا فرصًا كثيرة للخروج من عنق الأزمة وسط هروب رؤوس الأموال الأجنبية لاسيما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتشير الإيكونوميست أن أفضل خيار أمامها هو ضخ الأموال للقطاع البنكي من قبل الحكومة من خلال برنامج مساعدات مالي (التيسير الكمي) إلا أن هذا القرار وبحسب تقرير لقناة العربية فإنه بات مستحيلًا بموجب القرارات الجديدة في منطقة اليورو، إذ من غير المسموح أمام الدول الأعضاء في الاتحاد إنقاذ البنوك باستخدام أموال الدولة أي أموال دافعي الضرائب إلا في حال تكبد حملة السندات الخسائر أولًا، حيث يوجد في إيطاليا ما يقرب من 200 مليار يورو من سندات البنوك مملوكة من قبل المستثمرين الأفراد، ويشير محللون أن تحملهم لتكلفة الإنقاذ سيهز ثقة المستثمرين في البنوك الإيطالية أكثر ويعرض الوضع المالي في الدولة لعدم الاستقرار ما سيجعل الباب أمام الأحزاب التي ترجع مشاكل إيطاليا إلى الاتحاد الأوروبي وربما تدخل إيطاليا في دوامة الاستفتاء لتؤدي إلى عمل بريكست آخر ولكن هذه المرة سيكون إيتيكست (استفتاء إيطاليا).
ويحاول رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي الدخول في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لانتزاع برنامج مساعدات ينقذ فيها المصارف الإيطالية ويأخذ استثناءات قانونية بسبب الوضع المتأزم الذي تشهده البلاد في مشهد يماثل المفاوضات بين ديفيد كاميرون والمفوضية الأرووبية قبل استفتاء بريطانيا.
مخاوف لانتقال عدوى الأزمة المالية
ويشير خبراء اقتصاديون أن الأزمة المالية في المصارف قد تكبل المصارف عن منح القروض للمؤسسات والأفراد وتقع البلاد في براثن الركود أكثر مما هي فيه والذي عجزت عن معالجته كبرى اقتصاديات العالمية بمختلف أدوات السياسة النقدية، والأخطر من هذا انتقال عدوى الركود وأزمة المصارف إلى دول أوروبية أخرى كما حصل في الأزمة المالية العالمية 2008 بعد انتقال عدوى الأزمة المالية في المصارف إلى دول العالم كلها، لذا فإن الفشل العام في إيطاليا من معالجة الأزمة المالية التي تحيط بمصارفها الكبيرة سيكون لها أثر رجعي على بقية المصارف في الاتحاد الأوروبي على الأقل.
عدوى الأزمة المالية في إيطاليا قد تنتقل إلى المصارف الأوروبية وتحدث أزمة مالية كبيرة
وكانت الحكومة الإيطالية أعدت حزمة مالية تقدر قيمتها بـ 3.6 مليار يورو لإنقاذ أربعة مصارف تعاني من أزمة مالية تمت تغطيتها من خلال قروض على مدار 18 شهرًا مقدمة من ثلاثة مصارف إيطالية، ما أثار سخط العديد من المستثمرين بسبب تضرر ودائعهم، فحاول وزير الاقتصاد الإيطالي طمأنتهم بأن النظام المالي في البلاد لن يتأثر.
والمعلوم أن إيطاليا دخلت السنة المالية بوضع تدابير لتعزيز الانتعاش الاقتصادي كخفض بعض أنواع الضرائب وتأتي هذه الإجراءات المحفزة بعد ثلاث سنوات من الركود، ومن المفترض أن الموازنة المالية للعام الحالي تعتمد على معدل نمو حتى 0.9% ومعاناة إيطاليا من أزمة مالية في أكبر مصارفها والدخول في حزم إنقاذ قد يعرقل الطريق نحو تحقيق الانتعاش الاقتصادي وبقائها تعاني من الركود.
إسبانيا والبرتغال على طريق الأزمة أيضًا
سبق وأن أعلنت المفوضية في وقت سابق من هذا الشهر أن إسبانيا والبرتغال انتهكتا قوانين الاتحاد الأوروبي بشأن زيادة الإنفاق الحكومي والفشل في خفض العجز إذ لم تستطع كل من الدولتين من تصحيح عجزهما المفرط في الموعد الموصى به حسب المفوضية الأوروبية.
فوفق شروط المفوضية فإنه على دول الاتحاد ألا تخل بمعايير التقارب المالي وهي التضخم وسعر الفائدة وعجز الميزانية والمديونية العامة وتم تقييد البندين الأخيرين بحيث لا يتجاوز عجز الميزانية عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي والدين العام يجب ألا يتجاوز 60% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد دعت ألمانيا لفرض عقوبات على الدول التي تفرط في الإنفاق العام، إلا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإثارة تيار شعبوي يميني يدعو لتفكك الاتحاد سيقلل من حدة الدول الأوروبية الأخرى للتعامل مع أزمة الدولتين وقد يؤجل من فرض المفوضية لفرض عقوبات عليها.
حيث أرسل رئيس الوزراء البرتغالي رسالة للمفوضية مفادها أن بروكسل في حال طبقت العقوبات على البرتغال فإنها بهذا تزيد من حالة التشكيك داخل الاتحاد الأوروبي في البرتغال، وقال إن نتائج استفتاء بريطانيا وتأثيرها على الاتحاد الأوروبي هي أسباب تدفع المفوضية إلى الامتناع عن التطبيق الكامل لقوانين الاتحاد الأوروبي.