عنصر المفاجأة هو ما يشترك فيه سقوط الاشتراكية مع انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث يمكن لدول ومجتمعات أن تكون على شفا حفرة، أو أن يتغير نظامها كليًا، أو تقوم فيها أعظم الثورات، بدون أن يعلم أحد مسبقًا، وهو ما يقوم بتعريف كلمة انقلاب في علم السياسة، فهو خطوة سياسية مفاجئة وغير قانوينة وأحيانًا عنيفة، تقوم بمصادرة الحكم من الحاكم أو الحكومة الحالية.
في دراسة أكاديمية قامت بدراسة 117 نظامًا ديكتاتوريًا حول العالم، خلال الفترة من 1950- 2008، أشارت إلى أن الديكتاتوريين حول العالم يشتركون في اعتمادهم في خطواتهم الانقلابية المفاجئة على الانتخابات بأنها مصدر لعدم التوازن السياسي، حيث تؤدي الانتخابات إما إلى زيادة في قوة المعارضة على الساحة، وإما بحدوث احتجاجات جماعية، وهي المحببة من قِبل الديكتاتوريين، حيث تساعدهم في تدبير انقلاب في الحكم بعدها، وذلك بسبب اعتبار الانتخابات، بحسب الدراسة، بأنها أصوات توضيحية لمدى استقرار السلطة في الحكم.
على الرغم من تركيز الدراسة على الديكتاتوريين حول العالم، إلا أن تلك النظرية لا تنطبق على ما حدث في خروج بريطانيا مؤخرًا من الاتحاد الأوروبي، فكان ما غيّر مستقبل بريطانيا ما بعد الاستفتاء كان عضوًا ديموقراطيًا، وهو ديفيد كاميرون المُنتخَب في نظام ديموقراطي، ليثبت أن التغيّرات والانقلابات لا تأتي فقط من الأنظمة الديكتاتورية، حيث كان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الناخب البريطاني للتصويت لمغادرة الاتحاد الأوروبي كانت الشكوى العامة من انفصال النخبة البيروقراطية التي لا تسعى سوى وراء مصالحها في البلاد عن الشعب.
الانقلاب في إيران 1953
أثبتت دراسات أكاديمية خاصة بسيكولوجية مدبري الانقلابات بأنهم يدركون المخاطر التي تحوم حول فكرة القيام بانقلاب سياسي، ولكن على الرغم من ذلك فهم يرون أن الأمر مازال يستحق المحاولة، ربما لأنه يشبع مصالح شخصية، أو ربما سيعود بمصالح غير اقتصادية على العامة، بكونه من وجهة نظرهم محاولة للتخلص من طاغية، أو حركة قومية معينة، وغير مقبولة من بعض الأطراف، تنتشر بين الشعب، فيأتي الانقلاب في محاولة لقلب النظام.
لا تحدث الانقلابات بنفس المعدل الذي كانت تسير عليه من قبل، إلا أنه لا يمكننا إنكار أنها مازالت تحدث، ففي السنوات القليلة الماضية يمكننا مشاهدة الانقلاب الحادث في هندوراس بأمريكا اللاتينية، وفي النيجر، والانقلاب العسكري في مصر، وأُحبط بعضًا منها، في جمهورية الكونغو الديموقراطية وأخيرًا في مدغشقر على سبيل المثال، وفي الوقت الراهن نسمع عن أصداء أصوات تشير إلى احتمالية حدوث انقلاب عسكري في باكستان، وكان آخر عهد حكم الجيش في باكستان في عام 1999.
انقلاب نابليون بونابرت في فرنسا في 1799
إذا ألقينا نظرة على بعض الإحصائيات سنجد أن الانقلابات هي من أكثر الأحداث السياسية مخاطرة، فمنذ 1955 وحتى عام 2008، تأتي المخاطرة الأولى التي يخاطر بها مدبري الانقلابات في احتمالية فشل ذلك الانقلاب، حيث أخفق ما يقرب من نصف عدد الانقلابات الحادثة حول العالم، فيقدر العدد بـ 156 محاولة انقلاب فاشلة خلال تلك الحقبة من الزمن، وهذا بالطبع ما تم إعلانه منها، فإذا زدنا على العدد السابق عدد الانقلابات غير المعلن عنها، والتي باتت مجرد فكرة في عقول أصحابها، لزاد عدد المحاولات الفاشلة كثيرًا، كما تشير إحدى الدراسات الخاصة بدراسة الانقلابات الحديثة أن بعد أول انتخابات بعد حدوث الانقلاب، تميل 70% من الانقلابات إلى الفشل.
أشهرها في تركيا، وفنزويلا ضد شافيز، والسودان ضد البشير، وليبيا ضد الثورة التي أطاحت بالقذافي، ولم يظهر لها زعيم شعبي حتى الآن يقودها في ظل تعدد فرقاء الثورة ورموزها بين إسلامي وليبرالي.
ساعد على فشل العسكريين في تركيا قناعة الشعب أن الانقلابات العسكرية الثلاثة التي شهدتها تركيا في عام 1960، ثم في عام 1971، ثم في عام 1980، وما شهده عام 1997 من انقلاب ضد “أربكان”، حيث أرغمت المؤسسة العسكرية حكومة منتخبة ديمقراطيًا على الاستقالة، لم تجلب استقرارًا ولا ازدهارًا، كما أدت الانقلابات المتتالية لانهيار حاد في اقتصاد تركيا، فالاقتصاد التركي قبل “أردوغان” كان في المرتبة الـ111 على مستوى العالم، وبعد “أردوغان” أصبح في المرتبة السابعة عشر.
صورة توضح معدل الانقلابات الفاشلة في الحقبة الزمنية 1955- 2008
تأتي المخاطرة الثانية متركزة على الفشل الاقتصادي، وهو ما يحدث لمعظم مدبري الانقلابات، وهو ما يكون عبئًا عليهم في إثبات ولائهم للشعب ومحاولتهم فعلًا للتغيير المزعوم، حيث يؤثر الانقلاب تأثيرًا جذريًا على الاقتصاد، ويتسبب في انخفاض حاد في متوسط الدخل القومي للفرد، يحدث ذلك في سنة الانقلاب نفسها في معظم الأحوال، ليستمر ذلك الانخفاض لبضعة سنوات ما بعد الانقلاب، حتى يعود الوضع لما كان عليه أو أفضل بشكل طفيف.
صورة توضح معدل تأثير نجاح الانقلاب على الوضع الاقتصادي
تشير الدراسات إلى الارتباط القوي بين الانتخابات النزيهة والانقلابات في الحكم، حيث هناك رابطة قوية بين الانتخابات واستقرار الحكم، فالانتخابات لها القدرة على تحقيق الاستقرار السياسي ولها القدرة على قلب موازين الأمور كذلك، حيث يمكن لنتائج الانتخابات أن تمهد لحدوث انقلاب وشيك من قِبل النخبة السياسية الموجودة في الحكم، فنتائج الانتخابات هي وسيلة يمكن للحاكم منها كشف مدى قوة المعارضة على الأرض، واحتمالية حدوث تمرد سياسي أو تمرد شعبي.
ما يبدو لنا انقلابًا للسلطة لا يكون في حقيقة الأمر كذلك في بعض الأحيان، حتى ولو تمت الإطاحة بالأسرة الحاكمة، فما يبدو لنا ظاهريًا بالإطاحة والتخلص من أشخاص بعينهم في السلطة، هو الحفاظ على السلطة في أيدي نخبة سياسية مُختارة منهم فقط، وهذا يحدث عندما تشير النتائج الانتخابية إلى احتمالية تمرد وعصيان قريب، وبخاصة عندما تحقق المعارضة قوة ملحوظة في الانتخابات، هنا يعمل النظام على تقديم التنازلات للمعارضة، في محاولة لإعادة الاستقرار للسلطة وتهدئة محاولات المعارضة في التمرد.