يعتقد كثيرون أنهم يعرفون سيرة المرشحة الرئاسية الأمريكية هيلاري كلينتون، نظرًا لتردد اسمها كثيرًا على الساحة السياسية الأمريكية منذ تسعينات القرن الماضي بداية من ولاية زوجها الرئاسية في البيت الأبيض بيل كلينتون، وما تلاها من مغامرات ذاع صيتها.
لكن على عكس غير الشائع هناك الكثير من غير المعلوم يمكن قوله عن كلينتون المرأة التي تريد أن تتربع على عرش البيت الأبيض كأول رئيسة امرأة للولايات المتحدة الأمريكية خلفًا لباراك أوباما أول رئيس ذو بشرة سمراء يصعد إلى هذا المنصب، فهو حلم بتكرار الاستثناء في السياسة الأمريكية.
ما هو شائع عن كلينتون السياسية
حين تشرع في كتابة سيرة ذاتية عن هيلاي كلينتون بالتأكيد ستكتب أنها كانت الوزيرة رقم 67 في تاريخ وزارة الخارجية الأمريكية، حين شغلت منصب وزيرة خارجية أمريكا مطلع العام 2009.
كلينتون التي ولدت في الـ 26 من أكتوبر عام 1947 في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي الأمريكية تحمل شهادة في العلوم السياسية حصلت عليها من جامعة ويلزلي عام 1969، كما كما نالت درجة الدكتوراة في القانون من جامعة يايل عام 1973.
بدأت هيلاري كلينتون حياتها السياسية كجمهورية، وانتهى بها الحال اليوم كأحد أبرز سياسي الحزب الديمقراطي الأمريكي ومرشحة عنه في سباق الرئاسة الأمريكي، وعلى الصعيد المهني بدأت كلينتون رحلتها العملية كمحامية صغيرة في العام 1971، لكن سرعان ما خطت في هذا المجال باعًا واسعًا، حتى وصلت مرتين ضمن قائمة الـ 100 محامي الأكثر نفوذًا في الولايات المتحدة بين العام 1988 والعام 1991.
وخلال هذه الفترة كانت عضوًا بالفريق القانوني الذي شكلته اللجنة القضائية بمجلس النواب الأمريكي أثناء إجراءات إقالة الرئيس “ريتشارد نيكسون” على خلفية فضيحة ووترغيت عام 1974، رغم صغر سنها وحداثة عهدها بالمهنة، كما أنها عملت لفترة كمستشار قانوني بالكونجرس.
وإلى جانب المحاماة عملت كلينتون بعدة وظائف أخرى متعلقة بالمجال العام في الولايات المتحدة أبرزها التدريس بكلية الحقوق بأركانساس، وكذلك تقديم الاستشارة لصندوق للدفاع عن الأطفال في كامبريدج، بالإضافة إلى أنها شغلت عضوية مجلس مؤسسة الاستشارات القانونية في عهد الرئيس جيمي كارتر.
تزوجت هيلاري من بيل كلينتون عام 1975، وأصبحت بعد ذلك السيدة الأولى لولاية أركانساس بداية من العام 1979 إلى العام 1981، وأثناء هذه الفترة برز نشاطها المجتمعي المتعلق بالأسر والأطفال بصورة ملحوظة.
كان اسم هيلاري كلينتون قد بدأ في البزوغ في الأوساط السياسية الأمريكية في ذلك الحين، لكن وصل ذروة الصيت، بعدما دخلت إلى البيت الأبيض عام 1993 مع زوجها الرئيس الأمريكي الـ 42 بيل كلينتون.
أمضت هيلاري كلينتون 8 سنوات في البيت الأبيض مع زوجها تصفها الصحافة الأمريكية بأنها كانت عصيبة رغم تصنيف البعض لفترة كلينتون بأنها كانت ناجحة على أكثر من صعيد، ولكن فضائح وايت ووتر في العام 1996 وبعدها بسنتين فضيحة لوينسكي رغم مرارتهما، واتصالهما المباشر بسيدة الولايات المتحدة الأولى، إلا أنهما أبرزا شخصية كلينتون السياسية التي فضلت المحافظة على مستقبلها السياسي على أي اعتبارات أخرى شغلت الرأي العام الأمريكي.
انتخبت كلينتون بالعام 2000 كأول امرأة بمجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية نيويورك، ولفتت الأنظار بمواقفها السياسية في هذا التوقيت، بداية من موقفها من الغزو الأمريكي لأفغانستان، وكذلك حرب العراق، وتغير مواقفها المتكرر فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط.
حتى وصلت كلينتون لأن تكون أحد أشرس منافسي الرئيس الحالي باراك أوباما على مقعد الترشح عن الديمقراطيين لرئاسة الولايات المتحدة في العام 2008، لكنها أعلنت انسحابها ودعمها لأوباما بعد ذلك، وشغلت منصب وزيرة الخارجية بعد تولي أوباما لمنصب الرئيس، لتخوض 5 سنوات أخرى من المغامرات السياسية في وزارة الخارجية الأمريكية.
ما لا نعرفه عن كلينتون وحملتها
كل هذه المعلومات التي سردت عن المرشحة هيلاري كلينتون لرئاسة الولايات المتحدة شائعة وبمثابة سيرة ذاتية مصغرة لمسيرة كلينتون دون الخوض في تفاصيلها، ولكن بما أن معركة الانتخابات الأمريكية تقترب بينها وبين المثير للجدل دونالد ترامب، ماذا عن ثنايا هذه السيرة الذاتية لرئيسة الولايات المتحدة المحتملة ومن حولها؟
حاول البعض الغوص في هذه السيرة غير التقليدية، كان من بينهم إيزرا كلاين مدير تحرير فوكس Vox، الذي نشر تقريرًا مطولًا عن هيلاري كلينتون، ضم لقاءً معها ومع عدد ممن عملوا معها طوال مسيرتها السياسية.
ونتاج كل هذا تجد أن هناك فجوة بين ما يُشاع عن هذه المرأة في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة وبين سلوكها الذي تحدث عنه مقربون عملوا معها في مراحل حياتها المختلفة في هذه السيرة الذاتية الغنية التي استعرضناها من قبل.
تبدو كلينتون دائمًا من خلال أحاديثها ومن خلال نشاطها المهني كسياسي مهتم دائمًا بمساعدة الناس، لكن هذا المنظور يبدو أنه مشوش لدى الجمهوري الأمريكي الذي يبدو وأنه لا يثق في أحاديث كلينتون كثيرًا، وقد ترجع كلينتون ومن حولها هذه الحالة إلى حملات الهجوم والتشكيك المستمرة عليها، وهو كفيل بصنع هذه الحالة في وجهة نظرهم.
غالبية السياسيين يتعرضون لمثل هذه الحملات في الولايات المتحدة، وربما تتغير نظرة الجمهور إليهم عبر إنجازات بعينها أو حملات مضادة لحملات التشويه التي تتعمد خلط الاتهامات الكاذبة بالحقائق، ولكن هناك أسئلة جادة عن هيلاري كلينتون يجب أن تطرح عن سلوكها داخل حملاتها المختلفة.
الجميع يشعرون بقوة كلينتون في حملاتها الانتخابية
الأسئلة التي طرحها إيزرا كلاين عن كلينتون كانت إجاباتها متشابهة إلى حد كبير فيما يتعلق بأمور تفوقها ونضالها في حملاتها الانتخابية، لكن ما برز من خلال أحاديث كثيرين عنها أنها كانت دائمًا تتعرض لمقارنات فيما يتعلق بالأحاديث الجماهيرية مع زوجها بيل كلينتون أحد أنجح المتحدثين خلال المؤتمرات والحملات الجماهيرية.
لذا يبدو وأنه على كلينتون اعتماد استراتيجية جديدة خاصة بها، كانت “حملات الاستماع” التي ضج منها كثير من الصحفيين، الذين تعودوا على الاستماع من السياسي لا التحدث إليه كثيرًا، لكن حينما بدأت كلينتون هذه الحملات في العام 2000 عند ترشحها لمجلس الشيوخ عن نيويورك أصبحت لديها حصلية كبيرة من المعلومات عن المشكلات التي تواجه المدينة، وعن كيفية تفكير عقول بعض الناس وغيرها من القضايا الهامة.
اتضح لمن يعملون مع كلينتون أيضًا أنها تهتم جدًا بالملاحظات التي تجمعها خلال يومها العملي أثناء قراءة الصحف أو المقابلات أو المحادثات، حيث يتحدث بعض موظفي مكتبها أنها تهتم بتجميع قصاصات عن قضايا مختلفة، وتلتقط من وقتها ساعات لإعادة ترتيب هذه الملاحظات وغيرها في قدرة على التركيز أبهرت بعضهم.
هذه الفروقات في التعامل مع الحملات الجماهيرية ربما أبرزت طريقتين في الإدارة وضحت الفروق بينهما “طريقة بيرني ساندرز” الخطابية المبهرة، وطريقة الاستماع وبناء شبكة العلاقات التي تقوم بها هيلاري كلينتون، والتي تفوقت على طريقة ساندرز كثيرًا في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي.
البعض تصور أن كلينتون في هذه المقارنة أضعف لأنها تركت مجال الخطب الجماهيرية لمنافسها ساندرز، لكن يبدو كما يقول بعض المتخصصين إن أسلوب إدارة الإناث لم يعتده الأمريكيون الذين يبحثون عن صفات الرجال دائمًا في القيادة، إلا أن كلينتون نجحت هذه المرة بطريقتها الخاصة، التي تقول عنها إنها متراكمة بفضل بناء شبكة علاقات منذ أكثر من 30 سنة، ليقول البعض إنها كانت أقرب للبسطاء والفقراء من غيرها.
بماذا تهتم كلينتون في حملاتها؟
يهتم السياسيون عامة في حملاتهم بمظهرهم وطريقة تحدثهم ووسائل الإعلام والخطب الجماهيرية، في حين مثلًا أن الانتخابات التمهيدية يقررها أناس يجلسون في غرف مغلقة يعرفون المرشحين جيدًا ولا يحتاجون إلى خطبهم.
هذا ربما ما أدركته هيلاري كلينتون وهو ما تمكنت من خلاله بأن تحول نقاط ضعفها إلى قوة سياسية تهتم بعمل شبكة علاقات وتحالفات تمكنها من الفوز بالترشيح أو إنجاز أي مهمة أخرى، وهو اختبار على الحكم كما يراه البعض، كيف تدير علاقاتها بشراكائها؟ هي ترى أنه يجب الاستماع إليهم أكثر من التحدث، يجب معرفة مطالبهم والتعاطي معها، لذلك يعطونها ثقتهم في النهاية عبر هذه الاستراتيجية.
وعليه نستطيع أن نقول إن فوز هيلاري كلينتون بترشيح الحزب الديمقراطي جاء من خلال تشكيل ائتلاف، وجزء أساسي من كيفية تشكيل ائتلافات هو من خلال الاستماع إلى شركائها المحتملين على حد سواء لمعرفة ما يحتاجون إليه، وبناء علاقاتها معهم، وفي النهاية هذه ليست مهارة كل السياسيين يمتلكونها.
أخطار حول طبيعة كلينتون
الائتلافات التي تكونها كلينتون عن طريق التفاهمات لم تنجح دائمًا معها خلال مسيرتها، وهذا الأسلوب قد ينجح على مستوى ولكنه لا ينجح على آخر، ويضطر كثيرًا كلينتون إلى أن تبذل مجهودًا أكبر في الدفاع عن نفسها أمام سيول من الانتقادات التي لا تنتهي، ودائمًا ما كانت كلينتون بحسب مقربين منها تعتمد على قدرتها في الاحتواء، لكن ليس دائمًا بالطبع تنجح في ذلك.
قد كانت حادثة الاستماع إلى تبريرات جورج بوش واضحة للعيان ومحاولة التماهي معها رغم الاختلاف، إلا أنها في النهاية عدلت موقفها من حرب العراق بعد فترة، وهو خطأ اعترفت بها حين دعمت غزو العراق في البداية، إن الإجماع والائتلاف الذي تبحث عنه كلينتون عادة ما يكون عدوًا للإنجاز، والبحث عن أرضية مشتركة ليس صائبًا بالضرورة في جميع الحالات.