بين حطام المدينة في عدن، المباني التاريخية مهدمة بالكامل، الأطفال اليتامى يملأون الشوارع، وأكياس النفايات تملأ المكان، تسير أم نور، التي رفضت ذكر اسمها، وهي من الأقلية اليمنية الهندية في عدن، تزوجت رجلاً يمنيًا منذ 40 عامًا، وقتها لم يكن لديها أي خلفية عن اللغة العربية، إلا أنها الآن، تستطيع أن تخبر ميدل إيست آي، بما تركته اللغة العربية من أثر على لغات العالم، وتأثيرها بالأخص على اللغة الهندية.
يُقال بأن اليمنيين الهنود هم إرث بريطانيا في اليمن والتي سيطرت على اليمن منذ عام 1830 وحتى عام 1967، حيث أرسلت بريطانيا 2000 هندي إلى اليمن ترواح العدد بين الجنود والموظفين والخادمين والمهندسين الذين صمموا نظام مياه الشرب في عدن القائم حتى الآن، لذا فإن أثر الهند في اليمن وخاصة في عدن يعد ملحوظًا، إلا أن تأثير اللغة العربية على اللغة الهندية يُعد أكبر، بحسب كلام أم نور.
تقول أم نور بأن الذي يعرف اللغة الهندية، يعلم بأنها تختلف كليًا عن اللغة العربية، كلتاهما تستخدم حروفًا مختلفة عن الأخرى، وكلتاهما تعتمد على قواعد مختلفة التراكيب تمامًا، لذا فإنه من الصعب تعلم الهندي للغة العربية أو العكس، إلا أنه ليس مستحيلاً، كما أنه على الرغم من الاختلاف الكبير، إلا أن اللغة الهندية تحتوي على العديد من الكلمات العربية التي تتشابه مع بعض الكلمات الهندية.
المزج الثقافي بين الكلمات
يتضح الترابط بين اللغة العربية واللغة الهندية في التشابه بين الكلمات المُستخدمة لوصف الأشياء كما في التعابير الخاصة بالوقت، وذلك يعود إلى التجارة بين الهند واليمن والتي تعود بدايتها إلى القرن الأول الميلادي، حينما بدأت، ما تُسمى الآن الهند، بالتجارة مع الإمبراطورية الرومانية، وهنا عمل التجار اليمنيون على متن السفن التي ترحل من الهند للتجارة إلى مصر وإلى غيرها من الدول، إلا أنه بدأ التأثير الأكبر للحضارة العربية على الهندية في القرن السابع الميلادي عندما ازدهرت التجارة، حيث تعد الحقبة من منتصف القرن السابع الميلادي وحتى منتصف القرن الثالث عشر هي أهم الفترات للعرب في نشر لغتهم وحضارتهم.
يعود التشابه بين الكلمات العربية والهندية إلى أثر اللغة الفارسية، حيث هاجر الفرس من إيران إلى شمال الهند بعد مجيء المسلمين إلى بلاد الفرس، وذلك في القرن العاشر الميلادي، أما في القرن الحادي عشر فكان من غير المستحب كتابة اللغة الفارسية في الهند بدون خلطها باللغة العربية، كما أصبحت الفارسية هي اللغة الرسمية في بعض المناطق بالهند، كمدينة ديلهي وسلاطين الهنود في الشمال في ذلك الوقت.
نشأة المجتمع الهندي في اليمن
على الرغم من كوّن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في اليمن، إلا أن هناك ما لا يقل عن 250.000 يمني هندي في اليمن، والذين حافظوا على الثقافة الهندية عن طريق الروابط العائلية، وعن طريق “بوليود” حلم الشباب الهندي في اليمن، حيث يُحب الشباب الهندي في اليمن أفلام بوليود ويحرص على مشاهدتها من أجل تعلم اللغة الهندية أو عدم نسيانها، بالإضافة إلى حلمهم بالعمل في سينما بوليود.
تأثير اللغة العربية على أوروبا
قامت اللغة العربية بالتأثير على اللغات اللاتينية كذلك، على الرغم من اختلاف الحروف الأبجدية، فبينما كان العرب يتقدمون في شرق أوروبا، إلا أنهم انتشروا في أوروبا الغربية كذلك، عن طريق بني أمية في القرن الثامن والتاسع الميلادي باحتلالهم شبه الجزيرة الآيبرية ليحكموا فيها لعدة قرون، ليظهر تأثير اللغة العربية على الفرنسية والبرتغالية والإسبانية وكذلك الأدب والثقافة في تلك اللغات في ذلك الوقت، لتتحول اللغة العربية إلى لغة رسمية في مدينة قرطبة بالأندلس، إسبانيا الآن، في عام 712 ميلاديًا، حيث اعتاد غير المسلمين في ذلك الوقت على اللغة والثقافة العربية، مما سهّل انتشارها الواسع في ذلك الوقت، وهو ما يتضح في بقاء بعض الأسماء العربية على بعض المدن الإسبانية حتى الآن، مثل مدينة قرطبة التي مازلت تحتفظ بنفس الاسم.
يقول خبراء اللغة بأن اللغة الإسبانية تحتوي على ما يقرب من 4000 كلمة من أصل عربي، مازال يستخدمها البعض حتى الآن، وهي الكلمات التي تحتوي على مقطع التعريف “ال” في اللغة العربية مثل كلمة Algebra ومعناها الجبر وكلمة Alchemy ومعناها الكيمياء.
تم نسيان أصول اللغة على مر التاريخ بتدهور حالة الإمبراطورية الإسلامية في غرب أوروبا قبل أن تزول تمامًا، وبعد منع اللغة العربية وتجريم استخدامها في إسبانيا الحديثة بعد زوال آخر ملوك الأندلس منها، على الرغم من نسيان أثر اللغة العربية على لغات العالم إلا أنه بالعودة إلى أم نور في اليمن، تقول بأنها تتمنى أن تعرف الأجيال الجديدة تلك المهارات اللغوية التي تجمع العديد من اللغات معًا.