اختلفت الولايات المتحدة وروسيا كثيرًا، وتبادلا التهديدات عقب قمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” الأخيرة في وارسو العاصمة البولندية، ولكن على مربع آخر من العالم يبحث الطرفان خطة تعاون عسكرية جديدة في سوريا.
حيث أجرى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو وسط تكهنات بأن الجانبين يستعدان لتنسيق عسكري جديد في سوريا، في الوقت الذي يتزامن فيه هذا اللقاء مع تسريب وثيقة نشرتها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية حول مقترح أمريكي من سبع نقاط يتعلق بالتنسيق بينهما في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وجبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا.
تحتوي الوثيقة على بند يقترح أن تقوم طائرات أمريكية أو روسية بقصف تلك الأهداف، على أن تتم تلك العمليات من خلال مركز للتنسيق يتم إنشاؤه في ضواحي العاصمة الأردنية عمان.
وثيقة التعاون العسكري
بحسب ما أوردته صحيفة واشنطن بوست تتضمن هذه الوثيقة دعوة لتبادل المعلومات الاستخباراتية حول قيادات التنظيمات المسلحة في سوريا، ومعسكرات التدريب، وأهم خطوط الإمداد التي يستخدمها المسلحون، وكذا المقار الرئيسية التي تتواجد فيها قيادات جبهة النصرة ومسلحيها في سوريا.
كما تحتوي الوثيقة على بند يقترح أن تقوم طائرات أمريكية أو روسية بقصف تلك الأهداف، على أن تتم تلك العمليات من خلال مركز للتنسيق يتم إنشاؤه في ضواحي العاصمة الأردنية عمان.
فيما تشير الوثيقة إلى إمكانية أن يتفق الطرفان على تاريخ تنفيذ تلك الغارات الجوية ضد أهداف تابعة لجبهة النصرة، وتنص أيضًا على إيقاف طيران النظام السوري عن أي قصف جوي في مناطق يتم تحديدها مسبقًا، واستثنى المقترح تلك الطلعات الجوية غير الحربية أو الهجومية، أو الغارات التي تستهدف جبهة النصرة في حالة سيطرتها على مزيد من المناطق.
كما تقترح الوثيقة أن يقيم الأمريكيون والروس بالتعاون مركزين منفصلين لكل منهما، ومكتب مشترك لتبادل المعلومات، يتم إرسال خبراء أمنيين وضباطًا من كلا الجانبين إلى تلك المراكز، التي ستضطلع بمهمة الإعداد للخطط العسكرية والطلعات الجوية وأهدافها.
هذا المقترح الذي سُرب إلى وسائل الإعلام قبل أيام يستند إلى وثيقة حكومية مكونة من 8 صفحات، وهو مقدم إلى الجانب الروسي من قبل الولايات المتحدة، ويشير مراقبون للشأن السوري أن المقترح أوسع مما توقع الجميع، وأنه قد يفتح الطريق أمام تعاون أكبر بين الأجهزة العسكرية والاستخباراتية في الولايات المتحدة وروسيا، لتنفيذ غارات جوية مشتركة ضد تنظيمات مسلحة في سوريا.
كما تكشف هذه الخطة الأمريكية الجديدة عن نوايا للتوسع في التدخل العسكري في سوريا تحت مزاعم “مكافحة الإرهاب”، وتريد أن يكون الأمر من خلال التنسيق مع روسيا حتى تضمن إمكانية التراجع في أي وقت بأقل الخسائر من خلال الشراكة.
الطرفان ينفيان
كانت الخارجية الأمريكية قد نفت، الإثنين الماضي، وجود تنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا.
وتذكر المصادر الأمريكية في هذا الصدد أنه عدا القناة التي فتحتها وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” مع الجيش الروسي لمنع حدوث اصطدام بين الطائرات لأغراض السلامة، فليس هناك أي تنسيق بين الجيشين الأمريكي والروسي داخل سوريا.
ومما يضرب في مصداقية هذا النفي، زيارة وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، أمس الخميس، إلى العاصمة الروسية موسكو في ما قالت عنه وسائل إعلام، محاولة جديدة لإرساء تعاون أوثق مع روسيا في الحرب ضد تنظيم “داعش” في سوريا، كما أنه جدير بالذكر أن هذه الزيارة هي الثانية لكيري للعاصمة الروسية هذا العام، والثالثة خلال 12 شهرًا.
تكشف هذه الخطة الأمريكية الجديدة عن نوايا للتوسع في التدخل العسكري في سوريا تحت مزاعم “مكافحة الإرهاب”
من جهته امتنع وزير الخارجية الأمريكي عن التعليق على محتوى الوثيقة الني نشرتها واشنطن بوست، قبل وصوله إلى لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
أما على الجانب الآخر، أكد المتحدث باسم الكريملن ديمتري بيسكوف إنه يمتنع عن التعليق على محتوى الوثيقة، إلى أن يستمع المسؤولون الروس لوزير الخارجية الأمريكي، وعقب اللقاء بين الرئيس الروسي، ووزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مساء أمس الخميس، خرجت وسائل إعلام روسية لتتحدث بأن الزيارة لم يسفر عن أي تغيير في موقف موسكو من مصير الرئيس السوري بشار الأسد، ولم يتم التعليق على مسألة التعاون العسكري الجديد بين البلدين.
بينما يؤكد محللون أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حمل إلى موسكو مقترحات لتعزيز التعاون العسكري في مجال المعلومات ضد تنظيم الدولة والقاعدة في سوريا، رغم الشكوك التي تساور المسؤولين الأمريكيين.
وقد صرح مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية لوكالة رويترز للأنباء إن كيري سيناقش كيفية التعامل مع تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة في سوريا، وجهود الحد من العنف، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، وسبل التحرك نحو الانتقال السياسي.
ووصف مسؤولون أمريكيون الزيارة بأنها اختبار لرغبة موسكو في استخدام نفوذها لدى الحكومة السورية؛ للمساعدة في إحياء عملية السلام في سوريا، وأن الوقت المتاح لذلك آخذ في النفاد.
ولا يزال يؤكد الأمريكيون أنهم في الوقت الراهن، لا ينفذوا عمليات عسكرية بالتعاون مع روسيا. وليس واضحًا أمامهم ما إذا كانوا سيتوصلوا لاتفاق بهذا الشأن أم لا، لكن المؤكد حاليًا أن الخطة العسكرية الجديدة التي طرحت صحيحة، ولكن الأمر متوقف على موقف الجانب الروسي، لذا لم يؤكد حتى الآن أحد من الطرفين (الأمريكي والروسي) صحة ما جاء في تسريبات الخطة العسكرية الجديدة.
ثمة أسباب أخرى تمنع الإعلان أيضًا وهي أن جهود كيري تواجه معارضة قوية لاتجاه التقارب مع روسيا من جانب مسؤولين عسكريين في واشنطن، حيث يعتبرون أن أهداف البلدين متعارضة تمامًا في هذا سوريا.
تخشى قطاعات أمريكية أخرى من إعطاء بوتين هامش عسكري دولي للتحرك بعيدًا عن عزلته عقب أزمة أوكرانيا
وهو ما عبر عنه قائد قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الجنرال، جون ماكفرلاند، حين تحدث عن مخاوف الجيش الأمريكي من نوايا روسيا في سوريا، وأثناء زيارة للعاصمة العراقية بغداد أكد ماكفرلاند للصحفيين: “سأكون حذرًا قليلًا حيال إعطاء الكثير من المعلومات للروس، لكنني أثق تمامًا بأن مسؤولينا الحكوميين يدركون هذا الأمر، ويعرفون أنهم سيتوصلون إلى أمر ما منطقي”.
كما تخشى قطاعات أمريكية أخرى من إعطاء بوتين هامش عسكري دولي للتحرك بعيدًا عن عزلته عقب أزمة أوكرانيا، لكن لا يعد هذا في نظر البعض سببًا قويًا لرفض الخطة الأمريكية العسكرية الجديدة للتعاون مع روسيا على الأراضي السورية.
والواقع يقول أن هناك نوع من التنسيق بشكل غير مباشر والتعاون في سوريا بين الجانبين على أكمل وجه دون حاجة للإعلان عن هذا، وهو ما ظهر في الدعم المقدم لقوات سوريا الديمقراطية والفصائل الكردية التي تحارب تنظيم الدولة الإسلامية على الأرض، وفي المقابل تتغاضى الولايات المتحدة عن القصف الروسي للمعارضة السورية والمدنيين تحت مزاعم الروس بأنه قصف لجماعات “إرهابية”.
ولكن ربما تحتاج واشنطن وموسكو الآن أن يصعدا من هذا التعاون خاصة ضد جبهة النصرة خاصة بعد ظهور فاعليتها القتالية على الأرض في المعارك مع النظام السوري لا سيما على جبهة حلب، وهو ما يعني أن المنتصر الوحيد في حالة تطبيق هذه الخطة العسكرية الجديدة التي تجمع بين روسيا وأمريكا هو نظام بشار الأسد الذي سيتلقى دعمًا بطبيعة الحال من الروس المتعاونين عسكريًا مع الولايات المتحدة.