نحن نعيش في عالم رغيد، تصلنا البيتزا التي نطلبها حتى باب منزلنا، نختار كل ما نرغب به بداية من الأحدذية وحتى ثيابنا الداخلية من على الإنترنت بضغطة زر واحدة، حتى أن يمكننا البدء في علاقة عاطفية وإنهائها بضغطة زر واحدة كذلك، نحن مستقلون ومعتمدون على أنفسنا، نصنع أموالًا أكثر مما جنى والدينا، ولكننا تعساء.
يمكن وصف الجيل الحالي بأنه جيل بائس، فهو أكثر عصبية وتوتر مما كانت عليه الأجيال السابقة، لا يرون أنهم كاملون، يعيبون في شركائهم بأنهم ليسوا كاملين، يعيبون على أنفسهم بأنهم لا يتسطيعون آداء وظائفهم بشكل كامل، يلومون أنفسهم دومًا بعدم كون أجسادهم كاملة الجمال، فهم أكثر اختلافًا من الأجيال السابقة بلا شك، فعلاقتهم الاجتماعية قصيرة المدى، ويتناولون الأدوية ليستطيعوا النوم، ويشربون الكحول لينسوا مشاكلهم.
نحن نعيش في رحلة البحث عن الكمال، تُشغلنا دومًا فكرة الحياة الكاملة، فيمكن أن نقضي معظم حياتنا في محاولة أن نكون أفضل ما يمكننا أن نكون، أو نعيش تحت ضغط أن نكون رائعين ومشهورين، كل منا لديه حساب من الصور مع الفتيات الجميلات ومع المشاهير، كل منا يحارب من أجل أن يحصل على المال الكافي لمنزل فخم، أو لسيارة رائعة، إنها الحماسة التي لا تعرف الكلل خلف تحقيق الكمال ومحاولة الوصول إليه.
ليس هذا فحسب، بل هذا الجيل يمكنه أن يصل من السرعة بأنه لا يستطيع أن يلاحق انفاسه، فبعد كل ذلك الضغط من العمل المستمر، يجب على الفرد منهم أن يمرح قليلًا، وأن يكون متأكدًا من أن ذلك المرح سيتم تسجيله على كل حساباته في مواقع التواصل الإجتماعي، فالاستمتاع قليلًا في العطلة بعد أسبوع طويل من العمل أصبح واجبًا من واجبات الحياة الكاملة، لذا يسير المرء في السياق المعتاد، يعمل طويلًا، يذهب للاستمتاع في أحد الأندية أو أحد الحانات في العطلة، ليسب مديره وينسى ضغط العمل، ثم يبدأ أسبوع عمله من جديد، وذلك من أجل إشباع احتياجه للمرح.
متى آخر مرة شعرت فيها بالرضا عما تفعله، إنه ليس مجرد كلام، فهي حقيقة يتجاهلها الجميع، تلك الحقيقة تظهر عندما تركض لركوب الحافلة أو المترو بدون أن تتناول فطورك، تظهر أيضًا عندما تشعر بالحنق حينما يتفوق زميلك في الدراسة عليك، تظهر عندما تتفاجيء بظهور التجاعيد على وجهك مبكرًا، وتظهر عندما تشعر بالغيرة عندما ترى صور أجازة صديقك في بلجيكا، كما تظهر في غضبك عندما لا يرد عليك شريكك عندما تراسله بعد أول ميعاد للقاء بينكما.
نحن لا نشعر بالسعادة أبدًا، هذا لأننا شديدي القسوة على أنفسنا، فنقوم بوضع حدود جديدة لقدراتنا الجسدية والعاطفية، والتي في الأصل لن نقدر عليها، ولكننا نرغم أنفسنا على ذلك، من أجل الوصول لما يحققه الآخرين، ومن أجل الوصول إلى الهدف الأسمى الذي يسعى إليه هذا الجيل، ألا وهو الكمال كما تم ذكره مسبقًا.
هناك فرق بين حب النجاح والهوس بالنجاح، وهذا ما يخلط بينه البعض كثيرًا، وهذا ما يجعل الإنسان الطموح يخاطر بالكثير، فالطموح هو عملة ذات وجهين، إما تقودك للنجاح، وإما أن تتحول إلى مهووس بالنجاح، وهذا ما يجعل الكثير منا يتقبل التعاسة على سبيل الغناء، فالفقر هو ما لا يتقبله أي منا فقط، أما التعاسة، فهي مقبولة في حالة إن كان المرء غنيًا فحسب، فأن تكون تعيس وغنيًا أفضل من أن تكون تعيسًا وفقيرًا، أليس كذلك ؟
نحن نرى شاشات هواتفنا المحمولة كل يوم قبل أن ننام، باحثين عن أشياء مضحكة يمكنها أن تمتعنا ولو قليلًا، ندور في فلك العديد من الحسابات الإلكترونية، نشاهد الصورة الرائعة، والتي تم أخذها بالكاميرا الاحترافية تحت الضوء المميز ومن الزاوية الممتازة، وما نراه فقط منها هو الكمال، ولكننا ننسى شيئًا مهمًا، أنها مجرد صور.
متى كانت المرة الأخيرة التي نظرت فيها للسماء غير عابئًا بأية ضغوطات، متى كانت آخر مرة استمتعت بالمنظر الطبيعي أمامك بدون أن تفكر في أي شيء، لا الفوايتر الغير مدفوعة، ولا في الخلافات مع شريك حياتك، ولا عن المهام الغير منجزة ؟
عليك أن تتذكر انك لديك حياة لتعيشها، وعليك أن تتنفس قليلًا، خذ وقتًا مع نفسك وعد حساباتك معها، الكثير يمكن إصلاحه، والكثير يمكن التخلص منه، الكثير والكثير من الأشياء الغير مهمة يمكنها ألا تحتل مكانًا بعد الآن في قائمة أعمالك أو قائمة أنشطتك اليومية، يمكنك البدء الآن، فالفرصة لم تضع بعد.