بعد الهجوم على زيارة وزير الخارجية سامح شكري إلى إسرائيل، وظهوره في لقطات حميمية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سرعان ما انطلقت ماكينات الأذرع السياسية والإعلامية لنظام عبد الفتاح السيسي لتبرير الزيارة والدفاع عنها.
قيمة مصر
المذيع أحمد موسى، أحد أخلص الإعلاميين للسيسي ونظامه، بدأ مسابقة الدفاع والتبرير، واصفا سامح شكري ب”الوزير المحترم والمدرك لقيمة بلده مصر”. والمفارقة أنه في نفس الوقت الذي دافع فيه موسى عن زيارة شكري لإسرائيل، امتدح موقف الأخير ضد تركيا في مؤتمر القمة الإسلامية، معتبرا أنه بذلك “مدرك لقيمة مصر ولا يفرط فيها.
وبرر موسى كذلك الزيارة بأنها تهدف إلى إطلاق عملية السلام بعد المبادرة التي أطلقها السيسي في مايو الماضي بتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط وحديثه عن “سلام دافئ” مع إسرائيل. لكن المفارقة الأخرى في حديث موسى عما يسمى “عملية السلام” أن نتنياهو قبل استقباله سامح شكري، كان قد انتهى لتوه من الاجتماع الأسبوعي لحكومته التي اعتمدت رسميا خطة جديدة لدعم المستوطنات في الضفة الغربية بـ 13 مليون دولار، وهي خطة تنسف أي حديث عن “عملية سلام” كما أنها تعتبر إهانة مباشرة للضيف المصري.
استخدام الدين
أما الدكتور المعتز بالله عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فقد استعان بقول المفكر الصيني “صن تزو” صاحب كتاب “فن الحرب” يقول فيها “اجعل صديقك قريبا منك.. واجعل عدوك أقرب” كما استعان بديباجات دينية، مشبها الزيارة بما كان يفعله النبي محمد “ص”، حينما كان يتجسس على أعدائه ويرسل أشخاص لمعرفة أفكار العدو وخططهم وعقد مصالحات مع الأعداء.
عبد الفتاح حاول التراجع عن تصريحاته بعد ذلك، زاعما أنه لم يُبرر الزيارة من منظور ديني، مضيفا، وأن كلامه كان ردا على الاستناد للدين في انتقاد الزيارة من قبل التيار الديني. لكن الحقيقة أن تصريحاته كانت واضحة ولم يذكر فيها أنه يرد على انتقادات التيار الديني، وتحدث عن الأمر دون أي إشارة لذلك.
تبرير “مباركي”
فيما وصف مصطفى الفقي، السياسي المنتمي إلى نظام مبارك، الزيارة بأنها “واحدة من أذكى خطوات السياسة الخارجية المصرية التب تحسب للسيسي” مضيفا أن توقيت الزيارة “به براعة كبيرة”، معتبرا أنه “لا بأس من إعادة الدفء إلى العلاقات المصرية الإسرائيلية” رغم أنه اعترف بأن إسرائيل “دولة عنصرية ومحتلة”.
هجوم على الرافضين
كما اتهم اللواء المتقاعد وعضو “لجنة الدفاع والأمن القومي” في مجلس النواب “حمدي بخيت” الرافضين للزيارة بأنهم “لا يستوعبون ولا يفهمون العلاقات السياسية بين مصر وإسرائيل” مطالبا إياهم بـ “السكوت”، لاجئا إلى نفس المنطق الذي استعان به معتز عبد الفتاح، قائلا إن “المحافظة على الاتصال بالخصم أفضل من الاتصال مع الأصدقاء، لأن ذلك يسهم في معرفة أسلوبه ورؤيته وخططه على عكس مقاطعته التي تمنحه فرصة في التحرك دون المتابعة”.
الناصريون
على الرغم من مركزية القضية الفلسطينية لدى التيار الناصري، ورغم أن الناصريين لم يتوقفوا عن تشبيه السيسي بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلا أنهم لم يجدوا غضاضة في الترحيب بزيارة سامح شكري إلى إسرائيل، متجاوزين كافة أدبيات مرجعيتهم الأيدولوجية.
كانت أبرز وأغرب ردود الأفعال تلك التي بدرت من “كمال أحمد” العضو الناصري في مجلس النواب، والذي سبق أن ضرب توفيق عكاشة بالحذاء بعد لقاء الأخير مع السفير الإسرائيلي في مصر قبل أشهر. لكنه فاجئ الجميع بإعلانه “احترام زيارة شكري لإسرائيل” لأنها “زيارة من مسئول دولة لدولة بيننا وبينها اتفاق سلام، وكل ما جاء في الزيارة من تفاصيل، علاقات دبلوماسية رسمية نحترمها” مبررا واقعة ضربه لعكاشة بالحذاء بأن الأخير لم يكن يمثل الدولة، مفرقا بين ما سماه “التطبيع الشعبي” و”التطبيع الرسمي”، وزاعما أن الزيارة “تحريك للقضية الفلسطينية بعد أن أصبحت راكدة وساكنة”. معتبرا أنه وغيره “ليسوا وطنيين أكثر من السلطة”.
أما الكاتبة الناصرية العتيدة “فريدة الشوباشي” والمؤيدة الأبدية للسيسي، فلم تجد منطقا تبرر به الزيارة سوى أنها “لتذكير العالم بالمشكلة والمأساة الفلسطينية” دون أن تشرح كيف تكون زيارة مسؤول مصري إلى إسرائيل تذكيرا للعالم بالقضية الفلسطينية، ولماذا لم يتوجه وزير الخارجية المصري إلى قطاع غزة أو الضفة الغربية مثلا إذا كان هذا هو الهدف. كما وصفت الشوباشي الزيارة بأنها “طبيعية وتأتى في إطار مقابلة النشاط الإسرائيلي الداخلي والخارجي، والذي يجب أن يقابله نشاط عربي”. ورغم أن التعاون السياسي والأمني غير المسبوق بين النظامين المصري والإسرائيلي، إلا أن الشوباشي استمرت في الحديث عن المؤامرات الخارجية، متهمة الحركات الإسلامية بالتآمر مع من سمته “المعسكر المعادي للشعب العربي” دون أن توضح من هو هذا المعسكر وما إذا كانت تقصد إسرائيل التي زارها الوزير أم تقصد معسكرا آخر.
أما الكاتب الصحفي الناصري والعضو البرلماني مصطفى بكري، فقد انتقد على استحياء شديد الزيارة، واصفا إياها بأنها “تعطي الاحتلال صبغة الشرعية” و”تعطي إشارة بضعف الموقف المصري” لكنه لم يجرؤ على انتقاد السيسي، المسؤول الأول عن الزيارة وعن رسم سياسة مصر الخارجية برمتها، وكأن سامح شكري قام بالزيارة دون علم رئيس الجمهورية! واكتفى بكري تصريحات صحفية طالب فيها وزير الخارجية بالقدوم إلى مجلس النواب لشرح ما جاء بالزيارة، مع حديث عام عن توقعاته بأن تكون الزيارة بهدف الاطلاع على ما جرى في إفريقيا، ومتابعة تطورات الأوضاع في الأراضي المحتلة. مع صمت تام غير معتاد منه في مثل هذه المواقف التي كان يوزع فيها اتهامات الخيانة والعمالة كما يريد.
بص العصفورة
هي واحدة من الاستراتيجيات التي تتبعها أذرع النظام عند حدوث الكوارث، إذ يتم التركيز على واقعة أو حدث آخر لتشتيت الانتباه على الكارثة الأصلية.
على سبيل المثال، ادعت الأذرع أن هناك من شمت في سقوط الطائرة المصرية المنكوبة فوق مياه البحر المتوسط في مايو/ أيار الماضي، لمحاولة الإلهاء عن الحديث عن وجود تقصير أمني أو عيوب فنية في الطائرة، رغم أن أحدا لم يتحدث عن شماتة، وقد شارك المذيع “عمرو عبد الحميد” في تلك الادعاءات ولم يقدم دليلا عليها.
وبعد زيارة سامح شكري إلى إسرائيل، وجدت الأذرع أن الصورة المفبركة لوزير الخارجية وهو ينحني أمام نتنياهو هي الفرصة التي جاءت أمام أذرع النظام وأنصاره لإلهاء المصريين عن دلالات الزيارة. على سبيل المثال، استغل الطبيب “خالد منتصر” أحد كبار مؤيدي السيسي الصورة ليقوم بتحليلها واستخراج أوجه الفبركة فيها، متهما الإخوان بأنهم وراء هذه الفبركة. وتحدثت “لميس الحديدي” في برنامجها عن الصورة، كما نشرت عدد من الصحف والمواقع الصورة وركزت عليها. وهو الأمر الذي قابله المصريون بسخرية متداولين نكتة تعبر عن ذلك الموقف في تجاهل المشكلة الأصلية والتركيز على الشكليات، مفادها أن أحدا أخبر مواطنا أنهم رأوا زوجته مع فلان “الكهربائي” فما كان من الزوج إلا أن رد قائلا إن فلان لا يفهم في الكهرباء!
في النهاية نجد أن تبريرات أذرع نظام السيسي كانت متناقضة واتسمت بالارتباك وانعدام المنطق، كما أنها تناقضت حتى مع الانتماءات السياسية والمرجعيات الأيدولوجية التي كانت تلك الأذرع تدعي أنها تنتمي لها. وتأتي السياسة الإسرائيلية الاستيطانية والتوسعية والقمعية للشعب الفلسطيني لتقضي في النهاية على أي حديث يطنطن به المسؤولون المصريون عن عملية السلام لتبرير التقارب “الدافئ” والحميم مع الكيان الذي كان عدوا لمصر في يوم من الأيام.