تخوض قوات موالية للحكومة التركية الشرعية بقايا معركة اليوم للقضاء على ما تبقى من محاولة انقلاب عسكري فشلت، بعدما أن لبت الجماهير دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للنزول للشوارع لصد المحاولات الانقلابية حتى اضطروا عشرات من المتمردين العسكريين للتخلي عن مواقعهم وأسلحتهم بعد تدخل حاسم من القوات الخاصة الموالية للنظام الشرعي.
اندلعت أعمال عنف في وقت متأخر من مساء الجمعة بعد أن حاول قطاع من القوات المسلحة التركية السيطرة على السلطة باستخدام الدبابات وطائرات من سلاح الجو التركي غالبيتها الهليكوبتر الهجومية التي هاجمت بعضها مقر المخابرات التركية في محافظات مختلفة، وكذلك والبرلمان في أنقرة بينما سيطر البعض الآخر على جسر مهم في اسطنبول.
المحاولة الانقلابية شهدت اتجاه لاغتيال الرئيس التركي أردوغان الذي كان يقضي عطلة على الساحل عندما وقع الانقلاب، حيث أكد استهداف مقر إقامته هناك، إلا أنه توجه إلى مدينة اسطنبول جوًا قبيل الفجر بعد دعوته المتظاهرين للنزول إلى الشوارع، وظهر على شاشة التلفزيون في أكثر من مرة وسط حشود من المؤيدين خارج المطار الذي فشل مدبرو الانقلاب في تأمينه.
حتى استطاعت القوات الموالية للنظام الشرعي استعادة زمام المبادرة وإلقاء القبض على عناصر الجيش في الأماكن المختلفة التي شاركت في التمرد العسكري الذي هدف للاطاحة بالسلطة المدنية المنتخبة، وهو ما أسفر عن سقوط ضحايا 161 شخصًا من بينهم رجال شرطة وجيش قتلوا جراء محاولة الانقلاب، وأصيب 1440 آخرين، كما سقط 20 من مدبري الانقلاب قتلى ضمن 104 من المشاركين، بينما أصيب 30 آخرين بحسب التصريحات الحكومية الرسمية.
من قام بتدبير هذا الانقلاب؟
صرح مسؤولون بعد استعادة القوات الموالية للنظام الشرعي (قوات خاصة تابعة للشرطة، قوات مكافحة الشغب، عناصر من المخابرات التركية، فرق الجيش التي رفضت الانقلاب) زمام المبادرة أمام مدبري الانقلاب، إن السلطات التركية اعتقلت بالفعل نحو 1500 من أفراد القوات المسلحة. وذكر مسؤول كبير لوكالة أنباء رويترز أنه جرى إنقاذ رئيس هيئة الأركان خلوصي آكار الذي وردت أنباء عن أنه محتجز من قبل المتمردين.
اتهم أردوغان حركة فتح الله غولن بتدبير هذا الانقلاب عبر عناصرها في المؤسسات التركية المختلفة، حيث أكد إن محاولة الانقلاب تمت بتشجيع من يسميه “الكيان الموازي” في إشارة لأنصار كولن الذي يتهمه إردوغان مرارًا بأنه يحاول تأجيج تمرد داخل الجيش والإعلام والقضاء على الحكومة المنتخبة في تركيا.
وكان كولن الذي يعيش في المنفى الاختياري في الولايات المتحدة مؤيدًا لإردوغان في فترة ما لكنه أصبح خصمًا شرسًا له.
القوات التركية تكافح بقايا الانقلاب
يذكر أنه استسلم نحو 50 جنديًا شاركوا في الانقلاب على أحد الجسور عبر مضيق البوسفور في اسطنبول بعد فجر السبت وتركوا دباباتهم ورفعوا أيديهم في الهواء. وبث شهود عيان مشاهد لأنصار الحكومة الغاضبين وهم يهاجمون جنودًا مؤيدين للانقلاب بعد استسلامهم، وفي وقت سابق سلم نحو 30 جنديًا مؤيدًا للانقلاب أسلحتهم بعد أن حاصرتهم الشرطة المسلحة في ميدان تقسيم بوسط اسطنبول.
كما أوقفت قوات الأمن الخاصة التركية، نحو 200 عسكري، بينهم ضباط، في عملية أمنية بمقر القيادة العامة للدرك في العاصمة أنقرة، في إطار المحاولة الانقلابية الفاشلة، بحسب وكالة الأناضول، حيث نقلت قوات الأمن، العناصر الانقلابية الموقوفة إلى مراكز احتجاز، فيما اندلع حريق في مقر القيادة، خلال العملية الأمنية، تمكنت فرق الإطفاء من السيطرة عليه.
هذا فيما أعلنت وزارة الداخلية التركية، اليوم السبت، توقيف 754 شخصًا من منتسبي منظمة “الكيان الموازي” المصنفة كجماعة إرهابية في تركيا، خلال عمليات قوات الأمن ضد محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت مساء أمس.
وقالت الوزارة، في بيان لها، إن قوات الامن التركية نفّذت عمليات ضد منتسبي المنظمة الإرهابية في عموم البلاد، وتمكنت من توقيف 754 منهم ممن تغلغلوا في صفوف القوات المسلحة التركية، على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة.
من جهة أخرى، استسلم لقوات الأمن أن نحو 700 عنصرًا من الجنود والضباط غير المسلحين الذين دخلوا إلى مبنى رئاسة الأركان التركية في أنقرة ضمن محاولة الانقلاب الفاشلة.
التطهير مستمر
لا تزال أصداء العملية التطهيرية في صفوف النظام التركي مستمرة منذ استتباب الأمر للحكومة الشرعية التركية، حيث شرعت فورًأ في حملة في صفوف مؤسسات الدولة التركية على خلفية المحاولة الانقلابية الفاشلة.
حيث توعد قادة النظام وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدريم بمعاقبة المتواطئين والمتورطين أيًا كانت مواقعهم، وعلى الفور أعفى وزير الداخلية التركي، أفكان آلا، الأميرال “هاكان أوستام” من قيادة خفر السواحل، على خلفية المحاولة الانقلابية الفاشلة، وأفادت مصادر بالداخلية، أن “أفكان آلا”، أعفى الأميرال “أوستام” من منصبه، على خلفية التحقيقات المتعلقة بالانقلاب الفاشل.
هذا وقد تم عزل 34 من قيادات الجيش التركي، من ضمنهم 5 جنرالات ، بتهمة ضلوعهم في محاولة الانقلاب، واعتقل اعتقال نحو 100 عسكري في قاعدة جوية بديار بكر، كما أكد وزير العدل التركي بكر بوزداغ، اعتقال 1563 عسكريًا في مختلف أنحاء البلاد، على خلفية المحاولة ذاتها.
وقد أكد رئيس هيئة الأركان العامة التركية بالإنابة، الجنرال أوميت دوندار، فشل المحاولة التي قام بها عسكريون للانقلاب على الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، موضحا أن محاولة الانقلاب نفذتها قوات من سلاح الجو وبعض قوات الأمن وعناصر من القوات المدرعة.
وقال دوندار، في حديث للصحفيين، “تم إلقاء القبض على 1563 جنديًا وضابطًا شاركوا في عملية الانقلاب”، لافتا إلى أن مدبري محاولة الانقلاب احتجزوا الكثير من القادة العسكريين ونقلوهم إلى أماكن غير معروفة.
الحملة التطهيرية ردت باعتقال رئيس أركان الجيش الثالث اللواء جاغلر في ارزنجان شرقي البلاد، كما نقلت وكالة رويترز خبر إعفاء 29 ضابطًا برتبتي عقيد وجنرال من مناصبهم في الجيش، في الوقت الذي طال فيه الإيقاف قائد أركان جيش منطقة إيجه الجنرال ممدوح حق بيلان في إزمير، وأعلن محافظ ملاطيا كذلك إلقاء القبض على 39 طيارًا عسكريًا كانوا على متن 7 طائرات عسكرية، هذا وأعلنت الاستخبارات التركية استمرار حملاتها في اسطنبول وأنقرة ضد هذه العناصر.
الأمر لم يقتصر على الجهات العسكرية وفقط، بل إن أجهزة القضاء التركية عزلت 2745 قاض على خلفية هذه المحاولة، كما قام الأمن التركي بالقبض على عناصر قال أنها تابعة لمنظمة فتح الله غولن برئاسة المحكمة الإدارية.
ما مصير هؤلاء؟
الحقيقة تقول أن نظام العدالة والتنمية التركي لم يكن ليجد فرصة أفضل من هذه لتنفيذ حملة تطهير شاملة بالمؤسسات التركية ممن يعتبرهم “كيانًا موازيًا” ودولة عميقة تنافس الحكومة في نفوذها، وعلى قدر خطورة تبعات نجاح هذا الانقلاب، ستكون العقوبات.
ويظهر ذلك فيما ألمح له رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، الذي أكد أن الحكومة ستطرح على البرلمان مقترح لتعديل العقوبات المتعلقة بالانقلاب العسكري لتشمل على ما يبدو “حكم الإعدام”.
إذ قال يلدرم في مؤتمر صحفي بمقر الحكومة في أنقرة إن “عقوبة الإعدام غير واردة في الدستور لكن تركيا ستبحث إجراء تغييرات لضمان عدم تكرار ما حدث”.
ولا شك أن قيادات نظام العدالة والتنمية الحالي كان لديها الرغبة والقدرة على الحسم عقب التمكن من زمام الأمور بشكل راسخ، حيث خرجت قوائم سريعة تطارد قيادات الجيش المتورطة، وكذلك في عدة مؤسسات للدولة غير عسكرية، وهو ما يعني نجاح استخباراتي يغطي على الإخفاق في توقع الانقلاب من قبل الأجهزة المعلوماتية، لذا سارعت بالضرب مباشرة في مفاصل المحاولة الانقلابية، وكذا الأمور مع من يتوقع تأييدها.
كل هذا يعود الفضل فيه لجهاز المخابرات العامة التركية الذي أعاد بنائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمساعدة رجله القوي “هاكان فيدان”، حيث استطاع فيدان إدخال تعديلات كبيرة في تكوين جهاز المخابرات، وأقنع أردوغان بتجميع جميع أجهزة المخابرات في الخارجية والأمن والجيش تحت جهاز المخابرات العامة، وهو الأمر الذي أزعج الأوساط في الأمن والجيش، ولكن يبدو أن ظهر نجاحه في مثل هذه الظروف.