لا يمكن أن نكون مبالغين عندنا نقول بأن سبب النزاعات والمشاحنات التي نراها يوميًا على شاشات التلفزيون في بيوتنا سببها الكره، وأن تلك الشيطانية التي تصيب الآخرين عندما لا نتفق مع وجهة نظرهم هي القوة الدافعة لمعظم المعاناة التي عانتها وتعانيها الإنسانية الآن، هذا ينطبق إذا ما تحدثنا عن العنف المتبع تجاه بعض الأقليات، أو مشاحنات ما يظنه أنفسهم المؤمنين مع الكافرين، أو أية صراعات تدور الآن في الشرق الأوسط، حيث أن غضب الصالحين على الآخريين هو حديث الساعة التي يدور حوله الشرق الأوسط الآن، إذن، من أين تأتي كل تلك الكراهية ؟ إنه السؤال الذي رد عليه هذا التقرير على موقع السيكولوجية اليوم.
تصنيف البشر إلى حلفاء و خصوم كان ومازال أحد أولويات البشرية، فنحن نسعى دائمًا لمعرفة ما إذا كان من أمامنا يشاركنا آراءنا السياسية، ومعتقداتنا الدينية أم لا، هل يرون العالم كما نراه نحن، أم لا، ومن هنا نبدأ نحن في عملية عقلية، نبدأ خطواتها في إختبار من أمامنا، لنحدد بعدها ما إذا كنا نستطيع أن نثق فيه أم لا، وما إذا كنا سنتمتع بقدر من الراحة أثناء التحدث معه، أم سيكون النقاش محتد.
وجد علماء النفس بأننا عندما نجد أن الشخص الذي نتحاور معه هو ” واحد منا”، فإنه يتم إفراز هرمونات يصفها العلماء بهرمونات تحفيزية، تشعرنا بمزيد من الطاقة والثقة بالنفس، وتشعرنا بأهمية أفكارنا الخاصة، فهي تشعرنا بمزيد من الولاء لها، وقوة في الإيمان واليقين بها.
نحن نشعر بمزيد من الثقة والإيجابية نحو كل من هم في فريقنا، أما عن الفرق المعاكسة لنا، فنرى بأنها غير جديرة بالثقة، وتشعرنا بالسلبية تجاهها، فكل منا يرى أفكاره الخاصة والتي يشاركه فيها من حوله، بأنها ذات المكانة العليا، ولا يمكن مقارنتها أو مناقشتها بأفكار بديلة، وهو ما يصفه علماء النفس بـ ” ultimate attribution error” أو خطأ الإسناد النهائي، وهو تبجيل وتقديس أفكار معينة، واليقين التام بها، وعدم القبول بكل ما ينقدها أو يخالفها.
يمكن أن يكون هذا ما علمنا إياه التاريخ، فقد كانت عقوبة الخروج عن التيار، تعادل الموت في معظم البلاد قديمًا، ومن هنا جاءتنا فكرة الولاء الكامل للقطيع، حتى ولو كان يسير في الاتجاه الخاطيء.
في تجربة أجراها بعض علماء النفس، قاموا فيها بتقسيم مجموعة من الناس على أساس اختلافات طفيفة، عن طريق قلب العملة المعدنية ومن يكن له اختيار معين يذهب لفريق أ أما الآخر فيذهب لفريق ب، وعلى الرغم من أن تقسيم المجموعتين لم يكن على أية أسس عرقية أو دينية أو جنسية، إلا أنه وُجد تفضيل كل فريق لأعضاء فريقه، وولاء خاص بهم، وعدوانية طفيفة تجاه أعضاء الفريق الآخر، فماذا لو كانت الفروقات تتضمن فروق حزبية أو عرقية أو دينية، هل تخيلت الوضع ؟
تأثير اللامنتمين لأية مجموعة
كيف يمكننا أن نرى كل من هو خارج الفريق، أو خارج مجموعتنا ؟، يمكننا تعميم كل شخص لا يتصف بنفس صفات المجموعة بأنه منحرف عن المسار، يمكن وصفه بأنه غريب الأطوار كذلك، ويمكن ضمه لفرقة الإرهابيين والمجرمين والعنصريين، جرب هذه التجربة مع أحد من أصدقاءك يشجع فريق كرة معين، واسأله كيف يمكن أن تكون صفات شخص يشجع ذلك الفريق الذي يشجعه هو، ستجد أن الإجابة في البداية تبدأ بصفات معينة تتسم بها معظم المجموعة، وتنتهي بأنهم مختلفون عن بعضهم إلا أنهم يحبون التواجد سويًا داخل مجموعة واحدة.
إذا كررت التجربة مع نفس الشخص مرة أخرى، وسألته عن صفات شخص يشجع الفريق المنافس، ستجد أن الإجابة تأتي سريعة بجملة مشهورة ” يا إلهي.. هؤلاء المجانين”.. ” إنهم كلهم سواء”، هل لاحظت الفرق الآن ؟
يعد نوع الجنس أو العرق، والديانة من أهم العوامل المستخدمة لتصنيف البشر إلى فرق، ويمكن للتاريخ البشري أن يثبت لك ذلك عبر شوطًا طويلًا من الحروب الأهلية أو العرقية، أو الحروب الدينية، والآن يمكنك أن ترى بمنتهى الوضوح في هذا العصر السياسي البحت سلطة التصنيف السياسي كذلك، وهنا تأتي فكرة عدم اليقين الشخصي بالفكرة، أو حتى بالحزب، ليأتي الناس مقتنعين جدًا بأفكار من الممكن جدًا أن يكون تم زرعها داخل عقولهم بدون وعي منهم، إما عن طريق وسائل الإعلام، او عن طريق قائديهم، سواء كانوا قائدين لحزب أو حركة معينة.
يميل البشر إلى البحث عما يقوله من يؤيدوهم، ليتبنوا رأيهم في النهاية بدون تفكير واع وعميق في المسألة، وهنا يصبح أمر تشويه المعارضة، أو المنافسين أمرًا سهلًا للغاية، ولا يحتاج لكثير من المجهود، فإذا كرهت شخصًا بعينه، يمكن وصفه بأنه من انحرف عن المجموعة، وهذا يكفي ويزيد.
في النهاية لا يمكن أن يكون المرء متفائلًا للغاية بخصوص تغيّر البشر حيال أمر التصنيف المستمر، إنها طبيعة بشرية موجودة منذ التاريخ، والإنسان مكابر بطبيعته ولا يُكسر عناده بسهولة، إلا أنه يمكن القول بأن تعليم أنفسنا وإدراكنا للمشاكل يجعل بعضًا منا أكثر مرونة حيال كل من يشكك في نظريته أو يختلف معه في الرأي، ويجعل بعضًا منا مشككين كذلك في كل ما كنا نؤمن به تمام الإيمان وتمام اليقين، لا يختصر ذلك على المسائل الدينية فقط، بل ينطبق على العادات والتقاليد، الأعراف والأحكام، الأقوال المقدسة لكل من هو ليس بنبي أو برسول، الأحزاب السياسية، الحركات القومية، النظم الاجتماعية ، القديم منها والجديد، في النهاية، يجب علينا أن نجد نقطة مشتركة مع من يختلف معنا، وأن نتحاور من أجل أن تعم الفائدة على الجميع، وألا نعزل أنفسنا على من يشابهنا فقط لأننا نشعر بالاستقرار هكذا.