تسبب تدفق اللاجئين إلى أوروبا وما تبعه من حوادث إرهابية آخرها حادث بروكسل الذي راح ضحيته 34 قتيلًا و135 جريحًا، وما تبعه أيضًا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أفضي في النهاية إلى ارتفاع أسهم أحزاب وحركات اليمين المتطرف في أوروبا بشكل غير مسبوق، نحاول في هذا التقرير التعرف على اليمين المتطرف والعوامل التي ساعدت على ارتفاع نجمه في الآونة الأخيرة وما السيناريوهات المستقبلية له في أوروبا.
1- من هم اليمين المتطرف؟
في البداية فإن اليمين المتطرف هو مصطلح سياسي يطلق على الجماعات والأحزاب لوصف موقعها من المحيط السياسي، والفرق بين اليمين التقليدي واليمين المتطرف أن الأول يسعى للحفاظ على التقاليد وحماية الأعراف داخل المجتمع، والثاني كذلك ولكن الاختلاف يكمن في أن الثاني يدعو للتدخل القسري واستخدام العنف للحفاظ على تلك التقاليد والأعراف.
ويمكن القول أن اليمين المتطرف في أوروبا يتصف بالتعصب القومي لجنسه، والتعصب الديني ومعاداة المسلمين خاصة والمهاجرين عامة وذلك لأنه يرى أن ما يحدث من جرائم وسرقات بسبب زيادة الهجرة وأن لدى المسلمين والأجانب عامة عادات وتقاليد جلبوها من بلادهم الفقيرة فلا يحبون أن تدخل مثل تلك العادات بلادهم.
2- ما خريطة اليمين المتطرف في أوروبا؟
- النمسا
كانت الأقرب لوصول يميني متطرف للرئاسة، فقد برز اسم نوربرت هوفر من حزب الحرية المعادي للمهاجرين في الجولة الأولى للانتخابات في أبريل 2016 حيث حصل على 35% من الأصوات، ولكن استطاع ألكساندر فان دير بيلين انتزاع الفوز في اللحظات الأخيرة، ولكن ما لبث أن أبطلت المحكمة الدستورية العليا نتيجة الانتخابات في الأول من يوليو وبذلك ستكون إعادة الانتخابات في الخريف القادم وهي فرصة كبيرة لليمين المتطرف للوصول للرئاسة.
يشكل حزب الحرية اليميني 40 مقعدًا من أصل 183 مقعدًا في المجلس الوطني، وشعار الحزب “النمسا أولًا”، وقد ارتكزت حملة نوربرت هوفر الرئاسة على تقليل المنافع التي يحصل عليها المهاجرون وإعطاء النمساويين الأولوية في العمل.
- بولندا
في الانتخابات البرلمانية التي عقدت في 2015، حصل حزب القانون والعدالة اليميني على نسبة 39% من الأصوات والتي جعلته يدخل الحكومة وبقوة.
- المجر
سيطر حزب فيدس وفيكتور أوربان اليمينيين على آخر ثلاثة انتخابات مما جعل بعض الدول الأوروبية تتهم النظام المجري بالنظام الشمولي.
وفي 2014، تمكن حزب جوبيك اليميني المتطرف المعادي للمهاجرين من الحصول على 20% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية مما جعله ثالث أكبر الأحزاب في المجر، والجدير بالذكر أن الحزب يدعو لإجراء استفتاء حول عضوية الاتحاد الأوروبي.
- السويد
في سبتمبر 2014، تمكن الحزب الديمقراطي اليميني المتطرف من الحصول على نسبة 13% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية، ويدعو الحزب إلى وضع قيود كبيرة على الهجرة وإجراء استفتاء حول عضوية السويد في الاتحاد الأوروبي.
- اليونان
يعد حزب الفجر الذهبي أبرز الأحزاب اليمينية المتطرفة في اليونان، تأسس هذا الحزب عام 1980، في 2012 دخل البرلمان بـ 18 مقعدًا، وصفه المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان في 2013 بالنازي الجديد حيث له نظرة متشددة تجاه المهاجرين ويرى أن الاتحاد الأوروبي سبب دمار اليونان.
- فرنسا
تأسس حزب الجبهة الفرنسي القومي عام 1972 ويترأسه حاليًا مارين لوبان، يتبنى الحزب الخطاب العدائي تجاه المهاجرين ويسعى لتقليل الإعانات للمهاجرين مثل الرعاية الصحية، ودعت رئيسته لإجراء استفتاء حول عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي بعد الاستفتاء البريطاني الأخير.
حصل الحزب على 27% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي عقدت في ديسمبر 2015، ومن المتوقع مشاركة لوبان في الانتخابات المزمع عقدها في 2017.
- ألمانيا
في مارس 2016، تمكن حزب البديل الألماني من الحصول على نسبة 25% من الأصوات في انتخابات الولايات، وقد فشل سابقًا في الحصول في 2013 على أية مقاعد في البرلمان إلا أنه من المتوقع أن يكون أول الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تصل للبرلمان الألماني منذ الحرب العالمية الثانية وذلك بعد استطلاعات للرأي أظهرت حصوله على 10-12%.
كذلك برزت حركة بيجيدا التي تعرف نفسها بأنها حركة مواطنون أوروبيون ضد أسلمة الغرب، وقد نظمت العديد من التظاهرات المعادية للمهاجرين المسلمين واللاجئين وتم اتهامها في أكثر من حادث عنف ضد المسلمين.
- بريطانيا
يعد حزب الاستقلال البريطاني أبرز الأحزاب اليمينية المتطرفة في بريطانيا وقد تأسس هذا الحزب عام 1993 كحزب معارض للاتحاد الأوروبي وتمكن في 2014 من الحصول على أول مقعد له في البرلمان، وتمكن من الحصول على أعلى الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي في بريطانيا.
وتشير العديد من التقارير إلى ارتفاع نجم الحزب خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع حصده المزيد من المقاعد في الانتخابات المقبلة.
3- ما عوامل صعود اليمين المتطرف في أوروبا؟
مع نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات حدثت تغيرات كثيرة في أوروبا نتيجة انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك الكتلة الشرقية متمثلة في حلف وارسو وتأسيس الاتحاد الأوروبي نتيجة معاهدة ماستريخت 1992، نتيجة لما سبق، فإن الدويلات التي ظهرت من انهيار الاتحاد السوفيتي بدأت تعود لأصولها العرقية وهو ما ساهم في ظهور النزعة القومية عند الكثير من الأوروبيين وانضمام مثل هذه الدول إلى الاتحاد الأوروبي فيما بعد، في 2008، بدأت أزمة مالية عالمية اعتبرها البعض الأسوأ منذ الكساد الكبير 1929، أدت هذه الأزمة لانتشار البطالة والركود الاقتصادي، ومع زيادة الهجرة بدأ بعض الأوروبيين ينظرون للمهاجرين كمذاحمين لهم في وظائفهم وخاصة المسلمين وهنا ظهرت دعوات للتضييق على المهاجرين ودعوات عدائية ضدهم.
وفي 2008 أيضًا، حدث حدث جليل فقد قامت الأحزاب اليمينية في أوروبا بخطوة جديدة في معاداة المهاجرين وخاصة المسلمين فقامت بإنشاء منظمة تهدف لمكافحة “الأسلمة” في أوروبا والتي حملت اسم “المدن ضد الأسلمة”.
ومن عوامل صعود نجم اليمين المتطرف أيضًا أن زيادة سرعة الاندماج الأوروبي أدى إلى زيادة المخاوف من أن ذلك الاندماج سيأتي على حساب الخصوصية الوطنية والمحلية.
في 2011 ومع بداية ما عرف بالربيع العربي، ظهرت عدة صراعات في الشرق الأوسط من الأزمة السورية إلى الأزمة الليبية واليمنية وظهور تنظيم الدولة الإسلامية وتدهور الأحوال المعيشية للمواطن العربي كل ذلك أدى لزيادة الهجرة واللجوء لأوروبا، ومع زيادة الهجمات الإرهابية من حادث تشارلي إيبدو إلى باريس إلى بروكسل وغيرها من الهجمات، وأيضًا مع زيادة منافسة المهاجرين على الوظائف الموجودة وفي ظل وجود نسبة بطالة، كل ذلك أدى لزيادة المخاوف عند الكثير من الأوروبين على هويتهم الثقافية وعاداتهم وتقاليدهم وعلى الجنس الأوروبي وأيضًا الخوف من اختفاء دولة الرفاهية.
كل ذلك أدى لمضاعفة سرعة صعود نجم اليمين المتطرف وجعله يحصل على نسبة عالية في بعض الانتخابات التي أُجريت مثل الانتخابات الرئاسية النمساوية التي ستكون إعادتها في الخريف القادم، وكما يقول بعض الأوروبيون فإن أوروبا تبدأ بالنمسا فالذي يحدث بالنمسا ينتقل بدوره لأوروبا فيما بعد.
فهل نرى نظم حكم يمينية متطرفة في القريب العاجل؟ والسؤال الأهم كيف سيكون العالم بعد صعود أنظمة حكم متطرفة للسلطة؟ فآخر مره شهدنا فيها ظهور أنظمة متطرفة في أوروبا مثل النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا انتهت بحرب عالمية قتل فيها ما يقرب من 85 مليون نسمة.
4- ما الجهود المبذولة لمواجهة اليمين المتطرف في أوروبا؟
تشير التوقعات أن أحزاب اليمين المتطرف في سبيلها نحو تحقيق المزيد من المكاسب خلال الانتخابات برلمانية كانت أو رئاسية، وسيكون كل تركيزها على الأقليات والهجرة والتدهور الاقتصادي في حملاتها الانتخابية، ويمكن القول أن الجهود المبذولة لمواجهة اليمين المتطرف في أوروبا تنحصر في التالي: أولًا تجاهل الحركات والأحزاب اليمينية مثل الذي حدث بعد اعتداءات باريس في عدم دعوة حزب الجبهة الوطنية اليميني لمسيرة الوحدة ضد الإرهاب وهو ما قوبل بمسيرة مقابلة من الحزب بزعامة مارين لوبن في تأكيد أن هذه الوحدة المزعومة ضد الإرهاب ليست كاملة، ثانيًا التركيز على قصور الخطاب اليميني والتركيز على انتقاده لأن أفكاره ضد التعددية وضد احترام الآخر ولأنه ضد الديموقراطية، ثالثًا استخدام سياسة “اقتراض العباءات” حيث تقوم الأحزاب الاخرى باقتراض عباءة الأحزاب اليمينية لتحقيق أهدافها وتفكيك القاعدة الشعبية لليمين المتطرف.
5- ما تداعيات وسيناريوهات المستقبل الأوروبي بعد صعود اليمين المتطرف؟
على الرغم من أنه من الصعب الحديث عن التأثيرات المترتبة على صعود اليمين المتطرف في أوروبا إلا أن هناك نقطتان رئيسيتان ستشهدا تأثيرًا مباشرًا، أولهما، تأزم أوضاع الأقليات بأوروبا وخاصة المسلمين، ثانيهما، زيادة نزعة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي وخاصة بعد خروج بريطانيا.
يمكن القول أن هناك سيناريوهان متوقعان:
- السيناريو الأول: استمرار الصعود اليميني المتطرف
وفقًا للإحصائيات التي أجريت مؤخرًا فإن الخط البياني لليمين المتطرف في تقدم مستمر، ومن الواضح أن العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يتعلق بها من هجرة وزيادة العمليات الإرهابية سيؤدي لاستمرار هذا الصعود، وستكون الصورة أكثر وضوحًا بعد الانتخابات الفرنسية الرئاسية 2017 حيث مارين لوبان لديها فرصة كبيرة للفوز.
- السيناريو الثاني: التوجه إلى الانحدار
تشكل نسبة المعارضة لحزب الجبهة الوطنية الفرنسي بقيادة لوبان ما يقرب من 67% و87% يعارضون الحزب الديموقراطي السويدي اليميني، والجدير بالذكر أن العديد من الأحزاب التقليدية ترفض التعاون مع الأحزاب اليمينية المتطرفة، وأخيرًا فإن قطاعات كبيرة في أوروبا ترفض هذه التوجهات مثل مشاركة 12 ألف شخص في تظاهرة بميونخ تحت شعار “افسحوا المجال .. اللاجئون مرحب بهم”.