وأنا أراقب تداعيات الانقلاب الفاشل في تركيا، تذكرت الرئيس المصري محمد مرسي، وأطلقت العنان لخيالي وتساءلت، ماذا عساه أن يقول وهو يسمع بأخبار هذا الانقلاب الفاشل في تركيا؟ وكيف أن الشعب هبَّ برمته للدفاع عن الشرعية والديمقراطية في بلاده؟ ولربما تساءل في نفسه قائلاً مالذي فاتني أن أفعله لأحمي التجربة الديمقراطية في مصر؟ ولو أطلقنا العنان لمخيلتنا مرة أخرى، فإننا سوف نتوقع أن مرسي سيجيب على تلك الأسئلة، لقد فشلنا في المحافظة على تجربتنا الديمقراطية لأننا تعاملنا بحسن الظن مع العسكر، وكنا نقول عنهم “عندنا رجالة زي الذهب” ومع الأسف لم يكونوا كذلك، فجعلوا أولئك العسكر من أنفسهم مطية لرغبات أعداء مصر، بينما قادة تركيا، وبعد 14 عامًا من حكمهم لتركيا، كانوا يقولون، إننا لا نأمن من العسكر ومن مكائده.
وبماذا كان سيفسر عدم دفاع الشعب المصري عن تجربته الديمقراطية، وهو يرى الشعب التركي يخرج بالملايين ليدافع عن تجربة الديمقراطية التركية بصدورهم العارية، بينما خرج الشعب المصري بالملايين في 30 يونيو 2013 ضد أول رئيس منتخب في تاريخ مصر، وهم لا يعلمون أنهم بذلك يسعون إلى حتفهم والدخول بنفق مظلم سيطول عليهم الوقت للخروج منه.
لقد ركن مرسي إلى الطبقة العسكرية واطمئن إليها، ولم يسع بأول فترة حكمه أن يعمل على تقليم أظافر العسكر، وأن يرتقي بشعبه ويذيقهم حلاوة الحرية والعيش بكرامة، بل إنه لم يفكر أن يصنع لنفسه جهازًا أمنيًا مواليًا له ليدافع عن مكتسبات الشعب والحفاظ على الديمقراطية، حين يفكر العسكر بالغدر به وبالتجربة الديمقراطية الوليدة.
لقد كان أول ما فكر به (بحسن نيته)، كيف يعمل المشاريع الكبرى واتخاذ المواقف البطولية إزاء القضايا الهامة للأمة وهو في السنة الأولى من حكمه، لقد رد الأتراك بكل قوة على الانقلابين العسكر، من خلال هذا الشعب الواعي والمدرك لمصالحه، ومن خلال جهاز المخابرات الذي تم إعادة تشكيله وتعزيز قدراته طيلة الـ 14 سنة من حكم العدالة والتنمية.
إنَّ أوجه الشبه بين تركيا ومصر كثيرة لا تحصى، وبالأخص ما يتعلق منها بغدر العسكر، وكثرة الانقلابات العسكرية وسيطرتهم على الحكم، إلا أن الفرق بين البلدين، هو بين القيادات السياسية الداعمة للديمقراطية والشعب الواعي لمصالحه، لقد رأينا الأحزاب المعارضة لحزب العدالة والتنمية من أكثر الذين خرجوا ضد الانقلاب لأنهم يعرفون أن الانقلابين لا يستهدفون حزب العدالة والتنمية الحاكم فحسب، بل كل الأحزاب الأخرى، وكل العملية الديمقراطية بالبلد.
ذكر أحد قيادات المعارضة التركية قائلاً: “لأن يحكمني حاكم مدني لا أريده وأخاصمه سياسيًا، أفضل من أن يحكمني عسكريًا” هكذا كانت موقف أحزاب المعارضة التركية من الانقلاب، فماذا فعلت أحزاب المعارضة المصرية، إنها تفضل أن يحكمها حاكم عسكري وتلغى كل العملية الديمقراطية، على أن يحكمهم حزب تابع للإخوان، بالرغم من أنه جاء بطريقة ديمقراطية، وماذا فعلت وسائل الإعلام التركية؟ لقد وقفت جميعها ضد الانقلاب، بالرغم من أنَّ الكثير منها كانت ليلاً ونهارًا، تجلد بحزب العدالة والتنمية، بينما نرى وسائل الإعلام المصرية لم تدع وسيلة لا أخلاقية إلا واستخدمتها ضد الشرعية والديمقراطية.
إن الدروس التي نخرج منها ونحن ندرس عملية الانقلاب الفاشلة التي حدثت بتركيا، يمكننا تعميمها على كل الدول العربية الأخرى، مع مراعاة الظروف الخاصة بكل بلد، ففي بلد محتل منذ 2003 وهو العراق، فإننا نرى أن بعض الشرفاء من وطني دخلوا العملية السياسية وهم يظنون فعلاً أنهم يمارسون العمل السياسي، ويظنون أنهم من الممكن أن يستلموا السلطة، أو على الأقل يشاركون فيها لإدارة البلد، من غير أن تسندهم قوة تدافع عنهم ضد خصومهم، على الرغم من علمهم بأن كل الأحزاب التي اشتركت بالعملية السياسية في ظل الاحتلال كانت لديها مليشيات تدافع عنها وتحارب خصومها، أو أن بعظهم ركنوا لقوات الاحتلال لتدافع عنهم، والذين سرعان ما تم لفظهم خارج العملية السياسية، بعد خروج معظم قوات الاحتلال سنة 2011 .
بل وصل الأمر بهؤلاء الشرفاء، أنهم كان يحاربون من رفعوا السلاح للدفاع عن بلدهم ضد المحتل الأجنبي، وقاموا بحمايتهم في مواطن كثيرة، والسبب أنهم كانوا يحرجونهم سياسيًا، على الرغم من علمهم أن خصومهم السياسيين لم يكونوا سياسيين بالمعني التي تشير له هذه الكلمة، إنما كانوا عصابات مسلحة تدعي أنها أحزاب سياسية.
فوتوا على أنفسهم وعلى شعبهم أن يتنعموا بحياة حرة وكريمة، وتم استبدالها بحالة من الذل للأجنبي الإيراني والأمريكي، مازال شعبنا يعيش هذه الحالة لحد الآن.
من يقوم الآن بالدفاع عن الشرعية والديمقراطية باليمن؟ أليس حزب الإصلاح؟ ولو ركنوا إلى العمل السياسي فحسب، كيف كنّا سنتخيل الحالة باليمن؟ كان يمكن أن تكون اليمن محافظة إيرانية فحسب، كما هو الحال الآن بالعراق.
لو كان لمرسي ولجماعته القوة الرادعة لأي انقلاب، هل كان الحال بمصر أفضى إلى ما هو عليه الآن؟ فالحق بدون قوة تحميه هو هراء ولغو، بل يورث صاحبه المهالك، وكم هي غالية الأثمان التي دفعناها نظير إهمالنا الأخذ بالأسباب، ويأتيك من يأتيك ليقول إنهم اجتهدوا فأخطأوا فلهم أجر اجتهادهم، وأقول لهؤلاء إن هؤلاء المجتهدين عليهم إثمَ عدم بذل كامل الوسع للخروج بالاجتهاد الصحيح، يكفي تبريرنا للأخطاء، وآن لكم أن تقولوا للخطأ إنه خطأ، وإلا فكيف نصلح أخطائنا؟ وهل مقدر علينا أن نستمر بسلسلة الأخطاء تلك ونعتبرها اجتهادات نُثاب عليها؟ لماذا هذه المكابرة وعدم الاعتراف بأننا كنا مخطئين، ولو كان الخطأ يعود بالضرر على صاحب الخطأ نفسه، لقلنا إنه تصرف شخصي يتحمله من قام به، ولكن أخطائنا دفع شعبنا ثمنها غاليًا.
ومن أكبر الأخطاء أن يتم تطويع المقاصد الشرعية لأهوائنا، فيقول أحدهم، إن حفظ النفس من أولى المقاصد الشرعية، وإن الناس لديهم عوائل يريدون الحفاظ عليها، وهل حفظ النفس والعيش بالذل هو مقصد شرعي أيضًا؟ وهل كان الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم وهم يقارعون المحتل الأمريكي لم يكن لهم علم بهذا المقصد الشرعي؟ ولم يكونوا لهم عوائل يخافون عليها ويريدون حمايتها؟ لماذا أهل الباطل يضحون بكل ما لديهم لنصرة باطلهم؟ ونحن نتذرع بالمقاصد الشرعية للحفاظ على النفس، ألم يعلم الانقلابيون في تركيا أن مصيرهم القتل أو السجن إذا فشل انقلابهم؟ فلماذا تراهم يقدمون على مثل هذا الفعل؟
لا أدعو للتهور، ولكن يجب أن نصحح مفاهيمنا ونعد العدة لإرساء الديمقراطية والحرية في بلداننا ونحافظ عليها، لأننا إن لم نفعل ذلك، فلن نستطيع تحقيق شيء، حتى لو كانت كل الجماهير تقرُ بأننا على حق، فإنهم لن يختارونا مستقبلاً لأنهم يعلمون أننا وبأول اختبار سوف نخذلهم ونفضل حفظ النفس على التضحية بها من أجل مصالح الشعب والدفاع عن آمالها وطموحاتها.