أكبر منطقة تجارية في العالم ترسم قوانينها منذ فترة طويلة، حيث جلس القائمون للتحاور بشأنها 14 مرة في مفاوضات طويلة لتفنيد اتفاق التبادل التجاري الحر بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، فالمفاوضون يتفاوضون على وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق الذي من المقرر أن ينتهي ويعقد في نهاية العام الحالي، وقد أعلن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي أمس الإثنين 18 يوليو/ تموز في بروكسل أن اتفاق التبادل الحر الذي يجري التفاوض بشأنه بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من شأنه أن يقلل من التبعات السلبية التي قد تنجم عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي ستحصل في أفضل الأحوال في العام 2019.
ومن شأن اتفاقية الشراكة في التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي عند إبرامها بشكل نهائي، إنشاء أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، حيث يوجد بها نحو 800 مليون نسمة.
وأردف كيري في المؤتمر الصحفي مع نظيرته الأوروبية فيدريكا موغيريني أن الاتفاق بما يضمنه من تجارة واستثمار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي له أهمية كبيرة “لأن الأمر يتعلق بسوق أكبر” على حد وصفه، فالاتفاق من شأنه أن ينشئ وظائف ويحمي مصالح الأوروبيين وحقوقهم وقدراتهم بموجب قانون العمل أو البيئة.
وعبر كيري عن أسفه لما يسمعه من المجتمع المدني السياسي من “تعليقات سلبية” بخصوص الاتفاق ومعارضة للاتفاق في ألمانيا وفرنسا فضلًا عن الصدمة التي تعرض لها الاتفاق إبان خروج بريطانيا (حليفة أمريكا الأبرز في الاتحاد الأوروبي) من الاتحاد الأوروبي، وكل هذه الأمور تثير شكوكًا حقيقية قد تحول دون عقد الاتفاق في الموعد المحدد له.
وفي زيارة أوباما الأخيرة إلى الاتحاد الأوروبي في شهر نيسان/ أبريل الماضي دافع عن مشروع اتفاق التبادل الحر، معتبرًا أنه فرصة لتعزيز التجارة وخلق فرص عمل جديدة على ضفتي الأطلسي، ووصف أوباما الاتفاق لصحيفة ألمانية أنه يعد “أحد أفضل السبل لزيادة النمو وإيجاد العمل”.
من شأن اتفاقية الشراكة في التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي، إنشاء أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، حيث يوجد بها نحو 800 مليون نسمة.
اعتراض الشارع الأوروبي على الاتفاقية
ترافقت زيارة أوباما إلى ألمانيا وعقده اجتماع ضم بعض زعماء الاتحاد، مع وصول عشرات آلاف الرافضين للاتفاق للتظاهر ضد زيارة أوباما وكلامه حول عقد معاهدة التبادل الحر.
ووصفت المنظمات غير الحكومية والنقابات مشروع الاتفاق بأنه “إهانة حقيقية للمجتمع الأهلي وتهديد للديموقراطة ويعرض للخطر المعايير الاجتماعية والبيئية ويتناقض مع المصالح الأمريكية والأوروبية، مشددة على الخطر الكامن في هذا الاتفاق.
فضلًا أنها تتخوف من تسوية تخفيض المعايير الصحية الأوروبية لتتناسب مع الاتفاق، وتنتقد الإمكانية المتاحة للشركات المتعددة الجنسيات للاحتجاج وطلب التحكيم بشأن قوانين دولة ما.
وكانت المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل صرحت في مارس/ آذار الماضي أمام مجموعة من رجال أعمال في برلين أنها ترغب في التقدم بأسرع ما يمكن في قضية المعاهدة بهدف “تحديد الخطوط الكبرى للاتفاق” قبل نهاية ولاية أوباما.
ولم يقلل المفاوضون التجاريون الأمريكيون من مغادرة بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حيث ستؤثر على التوازن الخاص باتفاقية التجارة الحرة وستؤثر في قيمة سوق الاتحاد الأوروبي، حيث تعد بريطانيا من بين أكبر ثلاثة اقتصادات في الاتحاد الأوروبي وتحتل سادس أكبر اقتصاد في العالم، كما أنها تمثل ربع صادرات الولايات المتحدة إلى أوروبا، وتعد أكبر أسواقها فى مجال الخدمات على مستوى العالم.
وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فإن حالة عدم اليقين ستبقى تحيط بالمشهد البريطاني والأوروبي على حد سواء، فالتقلبات التي هزت الأسواق التي أثارها تصويت بريطانيا الشهر الماضي للانفصال عن الاتحاد تنحسر، لكن تداعيات القرار بحسب ما يفيد المكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية، الذي يراقب الاستقرار المالي، قد تستمر لسنوات.
حيث جاء في التقرير الفصلي للمكتب، أنه بالرغم من أن التقلبات المباشرة في الأسواق انحسرت، إلا أن حالة عدم اليقين التي تحيط بالسياسات والتداعيات المالية والسياسية قد تستمر لشهور أو سنوات، وهو ما يجعل الأسواق عرضة لمزيد من صدمات الثقة.
وغير صدمة الثقة التي تعرض لها العالم وأوروبا خصوصًا من خروج بريطانيا من الاتحاد تعرض لمفاجأة شديدة من تعيين بوريس جونسون وزيرًا للخارجية في حكومة تيريزا ماي، حيث أعلن بوريس جونسون في أثناء مشاركته الأولى في اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أمس الإثنين في بروكسل في حضور وزير الخارجية الأمريكي كيري، أن بلاده ستواصل القيام بدورها القيادي في أوروبا رغم قرارها الخروج من الاتحاد.
جونسون يقول للصحفيين: علينا أن ننصاع لإرادة الشعب وأن نغادر الاتحاد الأوروبي، لكننا لن نتخلى بأي شكل عن دورنا القيادي في أوروبا.
وفي ظل الظروف المحيطة التي يمر بها العالم فإن اتفاق التبادل الحر يمر بنفق مظلم، فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعدم وضوح رؤية الحكومة البريطانية الجديدة بخصوص علاقاتها التجارية مع العالم ومن ثم الاعتراض المتواصل في ألمانيا ودول أخرى على بعض بنود الاتفاق، وأخيرًا قد يشكل وصول ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة في الانتخايات المزمع عقدها نهاية العام الحالي ضربة للاتفاق برمته، إذ من المتوقع أن يتبنى ترامب وبحسب تصريحاته سياسات حمائية تتناقض مع فكر الاتفاقيات التجارية والتبادل الحر مع العديد من البلدان حول العالم.