هل يتاجر السيسي بالمواطنة إذا ظهر بين الفينة والأخرى في إحدى الكنائس في أعياد الأقباط بمصر، أو عندما يظهر داعيًا إلى التسامح بين مسلمي وأقباط الصعيد، وهل تشير المشاكل بين الأقباط والمسلمين، بالذات في صعيد مصر، إلى أن هناك فتنة طائفية فعلًا، أم هو مجرد صراع سياسي من أجل تحقيق سيادة الدولة المصرية العسكرية؟
في ظل التخبط الذي شهدته السياسة المصرية في الآونة الأخيرة، كان من الطبيعي جدًا شعور الأقباط بالتهديد تجاه هويتهم الدينية في ظل الدولة التي تميل في أيدولوجيتها إلى أن تكون دولة إسلامية في ذلك الوقت، وكان من الطبيعي ميل الكثير منهم إلى الحركات العلمانية في مصر، إلا أنه لم يبدأ الصراع الطائفي بسبب الصراعات السياسية فحسب على الرغم من كونه عاملاً رئيسيًا فيها، حيث من السهل جدًا، أن تبدأ حرب كاملة بالأسلحة النارية والأسلحة البيضاء، بسبب رسم صليب على أحد جدران المساجد فقط، أو باشتباه وجود علاقة بين مسيحي ومسلمة، أو إذا تم رصد تحرش مسيحي بفتاة مسلمة في الشارع.
لا تهدأ المنيا، وهي المحافظة التي يتواجد فيها أكبر عدد من الأقباط في مصر، من الأحداث الدامية بين المسلمين والأقباط، كان أكثرها بشاعة هو سحل وضرب وتعرية امرأة مسنة تبلغ من العمر 60 عامًا في شهر مايو/ آذار السابق، وذلك بسبب إشاعة علاقة عاطفية بين ابنها المسيحي وفتاة مسلمة، والتي على إثرها تم حرق ونهب منزل السيدة المسنة وضربها وسحلها في الشارع بعد أن تم تجريدها من ملابسها تمامًا، وهي الحادثة التي طالب فيها المجلس الأرثوذوكسي في مصر بتدخل القانون الذي يكفل حق المرأة، ورفضوا فيها حل الجلسات العرفية المتبعة دومًا في تلك الحوادث، والذي يجلس فيه الطوائف المتنازعة بحضور أكبر من في العائلتين ومسؤولين من الكنيسة والمشايخ ومسؤولي المحافظة لتسوية النزاع.
يتوالى مسلسل الصراع الطائفي في المنيا، فكان آخر ما شهدته قرية “طهنا الجبل” في محافظة المنيا من حادثة اشتباكات بين مسلمين ومسيحين بالأمس أدت إلى مقتل شخص قبطي وإصابة ثلاثة آخرين قبل أن يتم القبض على 15 مسلمًا شرعوا في حرق 6 منازل تخص عائلات قبطية يوم الجمعة الماضي، وكان السبب هو إشاعة بناء كنيسة جديدة في القرية.
أثناء تشييع ضحية الأحداث الأخيرة في المنيا
الاحتقان الطائفي حتى على الصعيد الشعبي أمر لا ينكره المصريون، وقد شهدت البلد أحداث عنف مشابهة وربما أشد خلال السنوات الماضية، إلا أن الأمر لا يقتصر فقط على ورقة الاحتقان الديني والنزاع العاطفي الذي يلعب بها السياسين من أجل الحصول على مكاسب معينة على حساب الضحايا، فعلى الرغم من وجود ذلك، إلا أن هناك أسباب مجتمعية يتم تدعيمها من قبل الحكومة، ولم تتوقف حتى الآن.
الجهل الاجتماعي وقود المشكلة
هناك مشكلة وخيمة يعانيها الشعب المصري في التفرقة بين المسيحي والمسلم، تبدأ مع فصل دروس التربية الدينية للطائفتين، بخروج الطلاب المسيحيين من الصف الدراسي أثناء حضور معلم التربية الدينية الإسلامية للصف، وذهابهم إما لتلقي الدرس من أي مدرس قبطي في المدرسة ولا يُشترط أن يكون خاص بالتربية الدينية المسيحية، بل يكون الدرس في الأغلب هو محض دردشة لطيفة بين الطلاب وأي معلم أو معلمة مسيحي الديانة في المدرسة.
يرى المشهد السابق الأطفال بداية من سن خمس سنوات، وهو ما يضع حاجزًا وفجوة كبيرة بين الطائفتين منذ الطفولة المبكرة، لا تبرير لها، فيشعر الأطفال بأن هناك جانب خفي من حياة كل منهم لا يعرف أي منهم عنه شيء، بل وغير مسموح لهم أن يعرفوا، فلطالما شاهدنا ذلك المشهد الذي كان غريبًا علينا وقت كنا أطفال، بأن أصدقاءنا المسيحيين يرغبون في تصفح كتاب الدين الإسلامي الخاص بنا، وأننا نخاف أن نتصفح حتى كتابهم!
الفضائيات الدينية
لعل من أهم هذه الأسباب هي “الفضائيات المسيحية والإسلامية” المتشددة التي يجري تأسيسها والسماح ببثها دون ضوابط، لتتحول إلى “ساحة للسجال الديني الذي سيؤدي إلى التحريض والفوضى، وأصبح كل من يعلم ومن لا يعلم يفتي، كان لتلك الفضائيات دور محوري في الأحداث الطائفية أثناء حكم محمد مرسي عام 2013- 2014، والتي قلّ دورها وأغلق بعضها إلا أن تأثيرها مازال واضحًا على فئات كبيرة من الشعب، تعتبر الإعلام المصري مصدرها الأساسي أو حتى الأوحد في تلقي المعلومات.
الجهل الديني
يمكن للبعض أن يأتي بفتاوى وأحدايث ضعيفة تنص على حرمة بناء المسيحين لكنيسة على أرض بلد مسلم، بل ويستند البعض إلى فتاوى من المذهب الشافعي، الذي يتبعه أغلب المصريين في قوله إنه لا يجوز بناء كنيسة على أرض بلد مسلم، وإذا تم بناؤها فيجب هدمها، وإذا استطاعوا بناءها في نهاية المطاف، يجب بناء مسجد بجوارها أو بجانبها، وهو ما يتبعه العديد من المسلمين بالفعل على أرض الواقع، ويؤمنون بالكلام السابق تمام اليقين، ومتأكدين غيبًا من صحته، ويرون في أن هدمهم لكنيسة أو محاولتهم في إحباط بناء كنيسة هو أمر يقويّ من مكانتهم عند الله، ويعزّ الإسلام بهم، حتى ولو كلفت تلك المحاولة الدماء في سبيل ذلك.
“مسيحي، بس كويس”، هي جملة مشهورة يقولها المسلمون لبعضهم البعض حيت يتم وصف أي مسيحي، وكأن المسيحية تعيب الشخص لذا يجب عليك النفي عند وصف هذا الشخص إن كان صديقك أو زميلك في العمل، وكأن كونه مسيحيًا يمنعه من نيل تلك المكانة، إلا أنه ما دام شخصًا طيبًا، فيمكن للمسلم أن يتغاضى عن كونه مسيحيًا.
يمكنك أن ترى مشاهد مختلفة من العنصرية والتمييز الديني بين المصريين، حتى ولو كانوا من الطبقة ذات التعليم الجيد أو التي يمكن وصفها بالمتمدينة، فما بالك في الفئات التي تنتشر فيها نسب الأمية بأرقام كبيرة، والتي يمكنها جدًا أن تصدق بأن قتل المسيحي في سبيل عزة الإسلام، واجب على كل مسلم، من أجل أن تظل تلك البلد مسلمة، حتى ولو كلف ذلك فعل المحرمات في الإسلام ذات نفسه!
صور من مشاهد تشييع جنازة ضحية الأحداث الأخيرة في محافظة المنيا